الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مربط الفرس الإدلبي في يد موسكو

مربط الفرس الإدلبي في يد موسكو

29.05.2019
جلال طلال سلمي


جيرون
الثلاثاء 28/5/2019
منذ أكثر من شهر، الطيران الروسي يستهدف المدنيين في مدينة إدلب، تحديدًا ريفها الجنوبي. وعن ذلك، يتساءل كثيرون عن دوافع موسكو لاستهداف منطقة تُصنف على أنها منطقة “خفض تصعيد” واقعة تحت ضمانة الجمهورية التركية، وفقًا لما جاء في مخرجات محادثات (أستانا).
عند محاولة سبر أغوار أهم الدوافع التي تجعل موسكو تقوم بذلك، من الضروري الإشارة في البداية إلى سعي موسكو الحثيث لتعجيل عملية الحل في إدلب، انطلاقًا من رغبتها في تطبيق مخرجات (أستانا)، ولا سيّما تلك التي تُشير إلى انسحاب المعارضة إلى الشمال من الطريق الدولي (إم 5)، وتشير إلى إحداث انتشار تشاركي تركي ـ روسي ما بين سكة حلب والطريق الدولي المذكور، على أن تكون مناطق جنوب سكة حلب خاضعة بالكامل لسلطة النظام وموسكو.
ونتيجة تأجيل تنفيذ تلك المخرجات، منحت موسكو أنقرة مهلة شهر، على هامش محادثات (أستانا 10/سوتشي 1) المنقعدة في تموز/ يوليو 2018، لتنفيذ المُتفق عليه، وبالأخص مسألة تعويم “هيئة تحرير الشام”، ودمجها بـ “الجيش الوطني”.
وبحسب ما يُشير أحد أعضاء لجنة التفاوض السورية المعارضة في محادثات (أستانا)، فإن موسكو بدأت تضغط على أنقرة لتطبيق الاتفاق المُشار إليه أعلاه، منذ حزيران/ يونيو 2018، ومع تعثر الأمور ميدانيًا، أعلنت موسكو منح أنقرة شهرًا إضافيًا على هامش (أستانا 10/ سوتشي 1). لكن يبدو أن أنقرة تأخرت أو على الأرجح تماطلت في تنفيذ هذا الاتفاق، رغبةً في كسب الوقت الذي يمكّنها من كسب الدعم الروسي في انتشارها داخل المنطقة الآمنة المُتوقع إنشاؤها في منطقة شرق الفرات.
ونتيجة لعدم تطبيق الاتفاق، ذهبت موسكو في مسار الضغط العسكري على أنقرة، مُستغلةً الظرفية الدولية الماثلة على الساحتين الإقليمي والدولية. إقليميًا، أنقرة تمرّ بانتخابات محلية مهمة بالنسبة إلى الحزب الحاكم، وتُعاني تراجعًا حادًا في مؤشراتها الاقتصادية، وتُمر بعلاقات متوترةٍ مع واشنطن التي قد لا تُقدم لها الدعم المطلوب أمام تحركات موسكو، فضلًا عن كونها غير عازمة على دعم فصائل المعارضة، وخلق مناوشات حادة مع موسكو في المرحلة الحالية، حيث ترنو إلى منطقة تل رفعت ومحيطها بصورةٍ توافقية. أما طهران فهي منهكة في النظر إلى آليات ناجعة لمواجهة العقوبات الأميركية التي أدت إلى تقلص دورها في سورية، ما وفّر لموسكو مناخًا مناسبًا لتحريك قواتها وقوات النظام نحو إدلب، بدون التنافس مع الميليشيات الإيرانية على السيطرة ونوعية العمليات.
دوليًا، تُركّز واشنطن على حربها الاقتصادية مع جميع العالم، وتسلط اهتمامها العالي على مسألة إرضاخ إيران للقبول بمسار تفاوض يُجاري هوى مصالحها، ولا ترى، على الأرجح، في الملف السوري سوى ملف شرق الفرات، وآليات بناء نفوذها المباشر وغير المباشر، كما أنها سلمت موسكو الملف السوري، منذ أن عقدت محادثات (أستانا 1). وعليه يبدو أن موسكو حاولت استغلال توجهات سلّم الأولويات الأميركي غير المُهتم كثيرًا بإدلب، لتطبيق مُخرجات (أستانا) عسكريًا.
وعلى الصعيد الأوروبي، وبالأخص الفرنسي – الألماني، هناك انشغال بملفي ليبيا وخلفات حوض شرق البحر المتوسط. كما أنه من الصعب على باريس وبرلين مطالبة موسكو بإيقاف حملتها على إدلب التي تحوي “منظمات إرهابية” تُهدد الأمن والسلم العالميين؛ بحسب الرواية الروسية.
وركونًا إلى هذه الظرفية السياسية الدولية، تسعى موسكو، بشكلٍ أساسيٍ، لتعجيل عملية الحل في إدلب من أجل استغلال الظروف في عملية إعادة تعويم النظام بأسرع ما يمكن، من خلال إتمام ملف إدلب، وبالتالي تجهيز الخطوط الدولية للعمليات التجارية، ومن ثم الانتقال إلى التفاوض مع واشنطن، في إطار صفقة شرق الفرات مقابل تعويم النظام الذي سيُرفع عنه الحصار الأميركي جزئيًا، وبالتالي سيكون بإمكان موسكو فتح ملف إعداد الدستور، إلى جانب عمليتي إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين، في جميع المحافل الدولية.
في الختام، إن الدول الضامنة جميعًا ليست بريئة من دم المدنيين، فالمناوشات التي تستهدف المدنيين في إدلب جاءت ضمن مُخرجات (أستانا) التي يبدو أن أنقرة تحاول تأخير تنفيذها رغبةً في ضمان بعض المكتسبات، سواء في غرب الفرات أو شرقه. ولكن في هذه الحالة المدني هو الذي يدفع الثمن باهظًا. وعلى الأرجح، قد تتحرك أنقرة لتحريك الفصائل نسبيًا على نحوٍ يمنع تقدم القوات الروسية وقوات النظام بالكامل نحو الطريق الدولي. وفي حال توافقت أنقرة مع موسكو على المكتسبات المرجوة، قد يتم حل الأمر سلميًا من دون مناوشات.