الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جبهة نصرة الأسد

جبهة نصرة الأسد

08.01.2019
هدى أبو نبوت


حرية برس
الاثنين 7/1/2019
“والله ما جئنا إلا لنصرة هذا الدين”.. هذا الخطاب الذي كان الخنجر الأول في ظهر الثورة السورية السلمية والتي بدأت تتحول تدريجياً لحمل السلاح في بداية العام 2012.
كيف نشأت جبهة النصرة؟
وفي هذا العام أيضاً تم تفجير نادي الضباط في أول عملية تستعمل فيها السيارات المفخخة في سوريا، رغم الصراع الدائر وفي أشهر ساحة عامة في مدينة حلب وهي ساحة سعدالله الجابري، والتي تخضع لحراسة مشددة وإجراءات أمنية غير عادية بسبب الظروف الأمنية في سوريا، ورغم ذلك تم تفجير 4 سيارات في نادي الضباط وبطريقة دخيلة على المجتمع السوري المحلي في ذلك الوقت، الثوار السوريين وجهوا أصابع الاتهام مباشرة إلى الأجهزة الأمنية السورية لعدم قدرة أحد للوصول إلى هذا المكان والموالون للنظام تساءلوا بدهشة كيف استطاعت أن تدخل هذه السيارات المفخخة إلى هذه المنطقة التي تحولت لمنطقة أمنية، إلى أن جاء البيان الهزيل المتخم بالأخطاء الإملائية من جماعة تسمي نفسها “جبهة النصرة” قالت إنها تقاتل النظام دفاعاً عن الشعب السوري.
منذ بداية ظهور جبهة النصرة وحتى هذه اللحظة لم تعترف بأن ما حدث في سوريا ثورة شعب ضد مستبد، أو أن مطالب هذا الشعب هي مطالب مدنية سياسية حقوقية ترفض الظلم واحتكار السلطة والفساد والقمع وتطالب بتحقيق العدالة الإجتماعية وضمان حقوق المواطنة، بل على العكس تماماً كان خطاب جبهة النصرة واضحاً جداً “وما جئنا إلا نصرة هذا الدين ” وضد الطائفة “النصيرية” وهي صفة لم يسمع بها الشعب السوري أو يتداولها من قبل لوصف الطائفة العلوية والتي هي أحد مكونات الشعب السوري بغض النظر عن الإصطفاف الذي حصل من قبل أغلبها مع النظام السوري، والخطاب الذي تم استخدامه لوصف المسيحيين “النصارى”، ووضعهم في درجة ثانية بعد المسلمين من مبدأ أنهم أصحاب ذمة وليسوا بأصحاب أرض، كل هذه الخطابات كانت علنية وواضحة وضوح الشمس بل على العكس تماماً قاموا بكل الخطوات الضرورية لتطبيق خطابهم على الأرض، فأغلب الأمراء الشرعيين والعسكريين ليسوا سوريين بداية بأبو ماريا القحطاني القادم من العراق مروراً بأبو جليبيب الأردني الذي قتل في ريف درعا الشرقي منذ عدة أيام عائداً من إدلب، كيف عاد ومن أي طريق وكيف وصل إلى ريف درعا من جديد وكل المنطقة تحت سيطرة النظام؟ الجواب لم يعد مثيراً للاستغراب؛ فمنذ عام 2013 صار واضحاً لكل سوري يعيش في سوريا العلاقة بين النظام السوري وجبهة النصرة إن كانت تتبع له استخباراتياً كما يصفها البعض أو تشابك المصالح الآنية في أرض المعركة.
ماهي أسباب تغلب النصرة على فصائل الثوار؟
حاولت جبهة النصرة في بداية العام 2013 السيطرة على مخزون القمح في الشمال السوري، وكان لافتاً للعيان أن النظام السوري ترك الكنز الأول الذي اعتمد عليه في إدارة الأزمة خدمياً يفلت من يده طوعاً وهو “الخبز” ليذهب إلى المعارضة المسلحة التي سلمتها للنصرة لأسباب لا يعلم بها إلا الله، كان الجيش الحر يبرر تعاونه مع جبهة النصرة في بعض المعارك أو تقاسمهم لإدارة بعض المناطق، بأن الهدف واحد والعدو واحد وهو بشار الأسد، ولكن الهدف منذ البداية لم يكن واحداً ولم تدّع جبهة النصرة يوماً ما بأنها ستترك الشعب السوري يقرر مصيره، بل حكمت عليه بأنه شعب مسلم بالكامل يجب أن يخضع للشريعة الإسلامية ويعامل الآخرين المختلفين بشروط أقل ما يقال عنها أنها مخزية.
لم يتوقف الدعم الذي تلقته جبهة النصرة على القوى العسكرية بل وجدت ظهراً يحميها من المعارضة السياسية السورية التي قالت للدول الداعمة لها بأنها لن تتخلى عن جبهة النصرة والتي تشكل جزءاً أصيلاً من الشعب السوري -ما هو الجانب الأصيل فيها وكان قائدهم حتى تلك اللحظة بدون ملامح مجهول الهوية وأغلب القيادات أجانب ويقاتلون بموجب عقيدة دينية ولا يعترفون بالأرض والحدود والدول والقوانين- وحتى تضمن الجبهة وجود تمويل مالي دائم لها خططت للسيطرة على الثروة النفطية، ولم تكتف بذالك فقط بل اعتمدت على بيع كل المشتقات النفطية للنظام السوري لعدم قدرتها قانونياً على البيع خارج سوريا إلا بكميات قليلة تدخل تركيا عبر طرق التهريب، وكانت جميع الطرق السريعة في سوريا تشهد على انتقال النفط والغاز من مناطق سيطرة النصرة وداعش لاحقاً إلى مناطق سيطرة النظام تحت إشراف جميع الأجهزة الأمنية السورية على أعلى مستوى.
ويوماً بعد يوم بدأت تقوى شوكة النصرة وتضعف شوكة الفصائل المقابلة لعدة أسباب:
– عناصر النصرة متوحدون تحت قيادة واحدة بينما كل فصيل من الجيش الحر له قيادة منفصلة.
– النصرة تتلقى دعماً مالياً كبيراً من جهات دولية وأخرى داخلية عبر تجارة الدقيق والنفط، والفصائل تتلقى دعماً مالياً يختلف حسب الدولة الداعمة وشروطها وأسباب دعمها ومدة الدعم.
– النصرة تقاتل للسيطرة على الأرض وتحقق النفوذ الذي يجعلها تفرض شروطها والفصائل تغني على ليلاها، هناك الفصائل الشريفة الصادقة التي كانت تقاتل النظام كأول عهدها وضعفت لاحقاً وتم سحقها على يد جبهة النصرة أيضاً، وهناك الفصائل التي تقاتل لأجل مكاسب شخصية ضيقة كان من السهل تصفيتها مع الوقت أيضاً أو إضعافها كما حصل بإدلب حالياً.
لماذا فشل مشروع النصرة في درعا ونجح في الشمال وباقي مناطق سوريا؟
حاولت جبهة النصرة أن تسيطر على درعا كما فعلت في باقي الأماكن التي انتشرت فيها وبعد معارك النصرة وداعش في دير الزور وانسحاب أبو ماريا القحطاني مع عناصره إلى درعا وقد توقع الكثيرون أن تتحول درعا لمركز إسلامي آخر وهو مالم يحدث لعدة أسباب:
الأول أن محافظة درعا منطقة عشائرية مناطقية أولاً وأخيراً ولا تقبل أن تسلم زمام الأمور والقيادة للأجانب ،لأن جميع قيادات النصرة ليسوا سوريين. والسبب الآخر أن النصرة حاولت في العام 2014 أن تفرض على المدنيين الكثير من الشروط وخصوصاً النساء كما فعلت في أماكن أخرى ولكنها فوجئت برفض الأهالي التدخل بشؤونهم الخاصة فعادت أدراجها والتزمت الحياد في هذا الأمر، وخصوصاً أن عناصر النصرة في درعا جميعهم من أهل حوران فكان صعباً عليهم أن يفرضوا عادات مختلفة على أهلهم. والسبب الأخير والأهم أن درعا تملك حدوداً طويلة مع الأردن وكان دعم غرفة “الموك” للجبهة الجنوبية يشترط منع تسلل أي متطرف إلى أراضي الأردن أو العكس وهو ما كان له دور كبير جداً ويمثل إرادة دولية بتحجيم النصرة في الجنوب.
هل كان مستغرباً ما يحدث الآن في الشمال ومحاولة النصرة الاستفراد بالقرار والأرض؟
بالتأكيد إن تغيير اسم التنظيم من جبهة النصرة إلى” هيئة تحرير الشام” لم يكن فقط للتحايل على المجتمع الدولي بأنه أصبح جزءاً من هذه الكيانات المتعددة وخرج من عباءة التطرف وداعش، بل على العكس كان لأسباب داخلية أيضاً بدأت بالتحالف مع أحرار الشام وبعض الفصائل من مبدأ التشارك بالقرار ثم الإلتفاف عليهم وتصفيتهم بالتدريج ليبقى هناك كيان واحد فقط يملك الأرض، القوة، المال، العتاد… من سيكون قادراً على مواجهته فهو الطرف المخول للحوار وفرض الشروط لاحقاً وهذا بالضبط أحد أسباب دوس عناصر النصرة على علم الثورة ورفع راية النصرة.
ليست حادثة دوس العلم تحدٍ للثوار أو للسوريين وليست أول مرة تحدث بل حصلت سابقاً عندما اقتحموا راديو فريش في كفرنبل وأعادوا الكرة اليوم في الأتارب.. هذه رسالة قديمة جديدة، منذ البداية قالوا “ماجئنا إلا نصرة لهذا الدين” وكان من السهل القضاء عليهم حينها لأنهم كانوا نكرات لا ناقة لهم ولا جمل، والآن يكررون نفس الخطاب برفع راياتهم ودوس أحلام السوريين ولكن يحتلون الأرض ويملكون القوة لقهر الشعب وتصفية النشطاء المدنيين خفية وعلانية وفرض الشروط بقوة السلاح.