الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب: شطر الكعكة السورية التي لا تشبع أحداً

إدلب: شطر الكعكة السورية التي لا تشبع أحداً

07.10.2019
حليم العربي


نداء سوريا
الاحد 6/10/2019
بدأت المناطق المحررة تشد الأحزمة لتكون على أهبة الاستعداد، فور عودة قادة الدول من معاركهم السياسية في ساحة اجتماعات الأمم المتحدة، هناك حيث تقرع طبول الحروب، وتعقد التحالفات والتفاهمات من أجل السلام في الغرف المغلقة، هناك تخط الدول الكبرى سياساتها الخارجية مع حلفائها في حدود الممكن، وهناك عليها أن تدرك خطوط خصومها الحمراء؛ فلا تتجاوزها تفادياً للصدام معها.
إدلب امتداداً إلى شرق الفرات مفتاح تقسيم المنطقة ولغزها الأصعب، حيث لم تصل الأطراف الدولية الإقليمية المتنفذة في الشأن السوري إلى اتفاق نهائي بشأنها حتى هذه اللحظة، كل المعلومات الواردة من اللقاءات والمشاورات على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مقلقة، حيث أبدت معظم الدول أمام الناشطين وممثلي الفعاليات المجتمعية الثورية عدم التفاؤل بالنسبة لشن عمليات عسكرية روسية على إدلب، وهي تظن أنه قد يحدث تقدم باتجاه الــ M4 - M5، والخطورة الأكبر حالياً تكمن في فتح الطريق الدولي أوتوستراد "دمشق- حلب" إن لم تستطع تركيا فتحه مع ضمان حمايته، وسوف تكون الفصائل المصنفة على قوائم الإرهاب ذريعة لهذا الهجوم إن حدث، لأن إيران كالنظام تعاني من مشاكل اقتصادية بسبب العقوبات المفروضة، ونتيجة عدم تجديد الكثير من العقود الموقعة مسبقاً معها، مما يدفعهم إلى الفرار إلى الأمام، وخوض مغامرة انتحارية للحصول على مكاسب جديدة.
يختلف الموقف التركي عن نظرائه، وقد برز في حديث السفير عن عدم وجود نية روسية للتقدم "الواسع" على المنطقة؛ خلال الفترة القصيرة المقبلة، مع الاحتفاظ بحق روسيا باستهداف التنظيمات (المتطرفة)، وكأن الأتراك حصلوا على وعود من الطرف الروسي خلال الأسابيع الماضية، أو ضمن اجتماعات الأمم المتحدة؛ إلا أنه حتى الآن لا يوجد أي اتفاق رسمي أو توافق على وقف إطلاق النار، وكل ما يشاع عن هذا يجانب الصواب، وتحدّث الطرف التركي عن الاحتفاظ بالنقاط التركية داخل سوريا دون تراجع، وسعيه الدائم للحصول على وقف لإطلاق النار؛ بناء على وعود مقدمة من الجانب الروسي، أما بقية الدول يبدو أنها متخوفة ورأيها غير مشجع، ولا يوجد معها أي ضمانات ولا تثق بالروس لعدم وجود جهة تمنعهم من قضم المزيد من المناطق.
يستند الموقف التركي على العلاقات القوية بين أردوغان وبوتين، وقد بدأت الحميمية مع وقوف الروس مع حكومة أردوغان الشرعية عشية الانقلاب الفاشل ضده، الذي دعمته أمريكا، مما أحدث نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، تهدف روسيا منها إلى إبعاد تركيا عن الناتو، خاصة بعد أن رفض الدفاع عن تركيا خارج أراضيها، مما يضطرها للعمل بشكل منفرد دون انتظار أوروبا وأمريكا لتدخل الحرب معها، رغم أنهم جميعاً لا يريدون دخول الروس إلى إدلب، من أجل ذلك بدأت تركيا بتعزيز قواتها على الفور لأنها أدركت أن أمريكا والغرب ستضعها في موقف محرج في حال استهداف نقاطها من أي جهة كانت، وعليها قطع الطريق على من يراهن ويرغب ويسعى لإفشال علاقة البلدين الإستراتيجية.
يبدو أن تركيا هي الأخرى لا تريد أن تخوض حرباً ضد الروس من أجل إدلب، وهي في صدد إطفاء الحريق السوري لا إشعاله ورغم استهداف محيط نقاطها المتكرر، ولأنها لا تريد أن تقع في الفخ الذي وقع فيه صدام حسين -المغرر به- في حرب الخليج.
معظم الدول الإقليمية أبدت عدم استعدادها للحرب في حال أراد الروس التقدم وقضم مناطق جديدة من إدلب لأنها لا تعني لهم شيئاً، وكل الذي في جعبتهم هو: إبداء المخاوف والتحذير من الكارثة الإنسانية التي ستنجم عن أي هجوم للقوات الروسية والميليشيات التابعة لها.
حضر اجتماعات الجمعية العامة الـ 74 من سوريا وفد عن الخوذ البيضاء ومديرية صحة إدلب بالإضافة للشبكة السورية لحقوق الإنسان مع عدة ناشطين يمثلون الفعاليات المجتمعية، والتقى رئيس منظمة الدفاع المدني رائد الصالح ومدير صحة إدلب د. منذر خليل مع العديد من الوفود والمنظمات للدفع باتجاه حماية المدنيين في شمال غرب سوريا، والسعي للوصول إلى حل سياسي وفق قرارات الأمم المتحدة، وتغيير الصورة النمطية (الإرهاب) المرسومة عن المنطقة.
وقد حدثني رائد صالح في حديث خاص: (أننا اجتمعنا مع السيد "جيم جيفري" ممثل وزير الخارجية إلى سوريا والمبعوث الرئاسي للتحالف و"جويل ريبورن" المندوب الخاص لسوريا للحديث عن الوضع في سوريا، وضرورة الدفع باتجاه مساعدة إنسانية كافية وعاجلة للمهجرين في الشمال السوري، والعمل على وقف إطلاق النار) كما أثار الدفاع المدني ومديرية الصحة تخوفهم من إيقاف دعم برامج التعليم والصحة مما قد يؤدي إلى كوارث إنسانية وضياع مستقبل مئات الآلاف من الطلاب في شمال غرب سوريا، إضافة لرفضهم محاولة وسمها بالإرهاب.
التقى الوفد أيضاً مع منظمة كيمونكس والسفيرة الأمريكية الجديدة لدى الأمم المتحدة "كيلي كرافت" وزار الوفد وزارة الخارجية الأمريكية والكونغرس، وتم الاجتماع مع بعثات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وكندا وتركيا، بالإضافة لبعض المنظمات الحقوقية والإنسانية في الولايات المتحدة، وقد تم الحديث خلالها عن الكارثة الإنسانية الموجودة في شمال غرب سوريا، وضعف استجابة المانحين، ويجري الحديث عن موضوع استهداف المنشآت الطبية والإنسانية خلال الفترة الماضية، والسعي لتشكيل لجنة خاصة للتحقيق تحت مظلة الأمم المتحدة والعودة إلى مسار جنيف وفق قانون 2254، أما الملف الكيماوي فهناك تقدم برز واضحاً في تصريحات وزير الخارجية الأمريكية، وجرى الحديث عن تشكيل حلف أمريكي بريطاني فرنسي للرد على النظام، كما حظي ملف المعتقلين والمغيبين قسراً في سجون النظام باهتمام خاص.
أما بالنسبة للجنة الدستورية هناك إجماع دولي وتوافق من معظم الأطراف الدولية المتنفذة في الشأن السوري، ومن الأفضل للسوريين الذهاب للتفاوض في جنيف استكمالاً لتطبيق باقي البنود ولقطع الطريق على روسيا في أستانا وسوتشي، وهناك يمكن التفاوض على ملفات المعتقلين والمهجرين والبيئة الآمنة للانتخابات القادمة، ولابد لنا من التحضير للخوض في باقي الملفات، وهذا أفضل بكثير من ظهورنا كجهة معرقلة أو مقاطعة للجنة الدستورية، ومن الأفضل استغلالها لصالح الثورة بمساعدة الأصدقاء؛ وفق حديث طويل جرى في حوارية وطن مع الدكتور ذكي لبابيدي -رئيس المجلس السوري ـ الأمريكي في الولايات المتحدة.
الكعكة السورية الدسمة لا تكفي الجميع، لذا لا يمكن انتظار السوريين لإحداث تغيير في خرائط السيطرة لصالحهم، لكنها فرصة أخرى أمام سكان المناطق المحررة لمواجهة البروباغاندا الروسية بشكل منظم، ورفض الصورة النمطية السوداء التي يرسمها الجيش الإلكتروني للنظام بالشراكة مع مؤسسات محسوبة على المعارضة شاركت في هذا التنميط (الإرهاب) خدمة لمصالحها الضيقة، وهي فرصة لتفتيت كل الأجسام المدنية والعسكرية وتوحيدها في جيش وطني واحد يتبع لحكومة واحدة، فلا بديل أمامهم إلا مقاومة المحتل بعد إغلاق الحدود، وعليهم الكف عن السعي لإحراج المجتمع الدولي الذي أثبت عجزه عن إيجاد مخرج، وعليهم تنظيم أنفسهم ضمن فعاليات مجتمعية حقيقية تمثل الثورة في المحافل الدولية لتقطع الطريق على المتسلقين، وعليهم اختيار ممثلين عن المجتمع المدني والحراك الشعبي تعيش بين ظهرانيهم لتطلعهم على المستجدات، لتكون أجدر بالتمثيل، وأقرب للجماهير، وأبعد عن العمالة للدول الأجنبية المستفيدة من تأجيج الصراع وإطالته، ولا بد للفعاليات من تسيير الجماهير في تظاهرات منظمة لإثبات رفضهم جميع التسويات الهزيلة والمصالحات الهشة والحلول الترقيعية للقضية السورية.