الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا بعد قيصر؟

ماذا بعد قيصر؟

03.02.2019
وليد أبو همام


حرية برس
2/2/2019
التاريخ يعيد نفسه من جديد لكن هذه المرة في مكان مختلف، فبعد مرور أكثر من عشرين عاماً على التجربة المريرة التي مرت فيها دولة العراق وأوصلتها إلى ما هي عليه الآن، يتكرر المشهد ثانية في سوريا، رغم اختلاف بعض القواعد و المسببات، لكن الآثار التي نتجت و التي ستنتج لا تختلف عن بعضها، خاصة إذا طبق قانون قيصر.
ففي العراق كان السبب المعلن في فرض حصار خانق على الدولة هو إجبارها على سحب قواتها من الكويت، لكن أمريكا كانت المستفيد الأول من قرار مجلس الأمن، ووجدت فيه فرصة مناسبة لتمرير مشروعها في الشرق الأوسط بإنشاء قاعدة تكون منطلقاً لها إلى بقية الدول المجاورة، و قريبة من عدوها المفترض إيران.
الخاسر الوحيد في تلك المرحلة كان الشعب العراقي، وما زال حتى الآن يقطف ثمار اتفاقيات الأطماع الدولية، وما يعيشه الشعب السوري الآن وما يُطبخ له، لن يكون أفضل حالاً من وضع الشعب العراقي، فالبوادر بدأت بالظهور والشعب في كلا الطرفين أصبح يعيش أسوأ فترة، وقد تسوء أكثر إذا ما أضفنا إليها القانون الجديد الذي تسعى أمريكا لإصداره والمسمى بقانون قيصر، الذي سينهي ما تبقى من دولة سوريا و مؤسساتها.
وإن كان عنوان هذا القانون هو مساعدة الشعب السوري كما تزعم أمريكا، إلا أن نتائجه الكارثية لن تصيب إلا هذا الشعب، أما الفئة الحاكمة والدول الداعمة لها فلن تتأثر، وسيكون على الشعب تحمل ويلات النظام وانتقامه من جهة، والحصار الخارجي من جهة أخرى، مع ما يترتب عليه من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية.
فسياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام في الأراضي السورية من أجل إخماد نار الثورة وإزالة كل ما يرمز لها، تركت بلداً غالبية مدنه مدمرة وسكانها بين قتيل ومعتقل ومهجر، وحتى وإن استطاع النظام إعادة الأراضي السورية كافة تحت وصايته، لكن الحالة التي وصلت إليها حكومته أصبحت غير قادرة على النهوض من جديد، لذلك لابد لها من دول داعمة حتى ترمم ما دمرته، فالبنية التحتية مدمرة بالكامل ومجالات الحياة العامة شبه عاجزة عن تقديم الخدمات للمواطنين، والترهل الاجتماعي وصل إلى أقصى درجاته من تمزق العائلة وانتشار آفات المجتمع بشتى أنواعها.
وتوقيت ظهور قانون قيصر الذي سيستهدف كل من يمد يد العون إلى نظام الأسد من أشخاص ومنظمات وحكومات بعد أن وصل النظام و المعارضة إلى نقطة حرجة لا حول لهما ولا قوة، لا يدل أبداً على صفاء نية أميركا تجاه الشعب السوري، أو غضبهم على النظام، بل الاستفراد بالغنيمة كما فعلت في العراق؛ مبعدة كل الأطراف التي كان لها دور في المراحل السابقة من دون أن يكون لها منافس قوي، بعد أن أنهكت جميع الأطراف وتشتتت الأهداف التي كانت مرسومة، وبهذا يكون الضحية هو الشعب السوري الذي لن يجد أي مظهر من مظاهر الحياة بعد أن خسر كل ما يملك، وتوزع أمريكا الأدوار كما يحلو لها.