الرئيسة \  تقارير  \  شهود على “كفر قاسم”: أمرَنا القائد بقتلهم ففعلنا.. وتركنا الشرق مفتوحاً

شهود على “كفر قاسم”: أمرَنا القائد بقتلهم ففعلنا.. وتركنا الشرق مفتوحاً

02.08.2022
عوفر اديرت


القدس العربي
الاثنين 1/8/2022
بقلم: عوفر اديرت
 
هآرتس 31/7/2022
قال القائد إنه من المرغوب فيه أن يكون هناك عدد من القتلى”، هكذا شهد قائد فصيل حرس الحدود في القطاع الذي نفذت فيه مذبحة كفر قاسم في العام 1956، التي قتل فيها 50 عربياً من مواطني إسرائيل على يد جنود حرس الحدود. نشرت هذه الشهادة صباح الجمعة الماضي في محاضر لمحاكمة كفر قاسم
.
البروتوكولات التي كانت سرية منذ المذبحة كشفتها وزارة الدفاع للجمهور بفضل التماس المؤرخ آدم راز من معهد أبحاث “عكفوت”. رفضت الدولة في البداية نشر البروتوكولات بذريعة أن مضمونها يعرض أمن الدولة للخطر.
حاييم ليفي، قائد الفصيل الجنوبي لحرس الحدود، الذي كانت كفر قاسم ضمن القطاع المسؤول عنه الفصيل، سئل في المحاكمة في 1957 من قبل المحامي آشر ليفتسكي: “دائماً تدخل الموضوع وكأن القائد فضل أن يكون هناك عدد من القتلى. فهل قال “من الأفضل أو إذا كان”. القائد الذي تطرق إليه هو العقيد يسخا شدمي. وأجاب ليفي على ذلك: “لا هذا ولا ذاك”، إنما قال: “من المرغوب فيه أن يكون هناك عدد من القتلى”. بعد ذلك، سأل المحامي: “رغم ذلك، أكد على عدم القتل. صحيح؟”، أجاب ليفي: “لا أرى فرقاً”.
وقعت مذبحة كفر قاسم في اليوم الأول من حرب سيناء في تشرين الأول 1956. كان عرب إسرائيل في حينه يخضعون للحكم العسكري. في تلك الفترة، كان هناك خوف في الجيش الإسرائيلي من أن تتطور المواجهة مع مصر في القطاع الجنوبي إلى حرب شاملة، والتي سينضم إليها الأردن. لذلك، تم فرض حظر التجول على سكان القرية التي كانت قرب الحدود. ولكن جزءاً منهم لم يعرف عن ساعة حظر التجول. لأنهم كانوا يعملون خارج القرية في ذلك الوقت. وحين عودتهم، أطلق عليهم جنود حرس الحدود النار وقتلوهم. عدد القتلى، كما يقول سكان كفر قاسم، خمسون، من بينهم شيوخ ورجال ونساء وأطفال.
في شهادته، أكد ليفي أنه سمع أمر “حكمهم مثل حكم الجميع” في تطرقه لإطلاق النار على المواطنين الذين كانوا عائدين من الحقول بعد ساعة على حظر التجول. وحتى إنهم لم يعرفوا أن هذه الساعة تم تقديمها. بعد ذلك سئل: “ألم يقل لك منطقك بأن خرق حظر التجول يعني أن الشخص يعرف أن هناك حظر تجول؟”. أجاب ليفي بنعم. بعد ذلك سئل: “كيف يمكنك القول بأن شخصاً ما قال لك أن تقتل أشخاصاً لا يعرفون بحظر تجول؟”، أجاب: “لأنه أعطي لي أمرا كهذا… الآن أجد أن هذا لم يكن منطقياً. اعتقدت في حينه أن هذا منطقي”.
سئل ليفي مرة أخرى: “لماذا بدا لك أنه من المنطقي قتل أشخاص لا يعرفون عن حظر التجول؟”. أجاب: “أدركت أن هذا ما يجب أن يكون، وهذه هي السياسة والرغبة. من خلال القول بوجوب قتل كل من تتم مشاهدته.. فهمت ذلك من خلال الأمر الذي أعطي. حسب اعتقادي كان المزاج بهذا الاتجاه. عندما عملنا لهدف ما أو مهمة معينة فهمت ذلك كأمر منطقي. فالحرب هي الحرب رغم المشاعر الإنسانية”.
سئل ليفي: “فهمت أن السياسة تقتضي التخلص من العرب؟”، أجاب: “الأمر لم يعطَ خطياً، بل أعطي شفوياً. قال قائد الكتيبة إن الجهة الشرقية ستكون مفتوحة. إذا أرادوا الذهاب فليغادروا. أفهموني أن هذا لن يكون كارثياً إذا غادروا في هذه الفرصة”. في هذه المحاكمة تطرق ليفي إلى خطة لطرد عرب المثلث إلى الأردن، سواء أكان طرداً بصورة فعلية أم سلبية”.
هذه الخطة التي سميت “الخلد” تم حفظها في النهاية ولم تطبق، وكان قد كشفها للمرة الأولى روبيك روزنطال، لكن تفاصيلها الكاملة لم تنشر. الشهادات التي نشرت الآن في البروتوكولات تسمح بإلقاء نظرة جزئية على تفاصيل الخطة، كما قدمت في غرف مغلقة في محاكمة المتهمين بارتكاب مذبحة كفر قاسم.
سئل ليفي في هذا السياق: “ما الصلة بين هرب العرب وأمر إطلاق النار على من يخرق حظر التجول؟”. أجاب: “كانت العلاقة أن يصاب عدد من السكان بالخوف ليفضلوا الانتقال إلى الجانب الآخر، أفسر ذلك”. وسئل بعد ذلك: “إذاً، كان تنفيذ حظر التجول زيادة الرغبة في الهرب”، أي إذا كانت هناك علاقة، حسب فهمه، فهي بين حظر التجول وتشجيع العرب على المغادرة”، على ذلك أجاب ليفي بالإيجاب.
تم اقتباس عدد من الجمل في الخطة المحفوظة والسرية، تقول إحدى الجمل: “بيان لشيوخ القرية عن إخلاء”، دليل في الأصل على وجود خطة لطرد عرب المثلث أو قسم منهم، إذا اشتدت الحرب. في جزء من الشهادات، تم الحديث عن طردهم نحو الشرق، أي باتجاه الأردن. ولكن في شهادات أخرى، يتبين أن النية كانت طردهم من بيوتهم إلى أماكن أخرى داخل حدود إسرائيل. على أي حال، الخطة التي لم يُكشف عن تفاصيلها الكاملة حتى الآن بقيت على الورق. تطرقت شهادة حاييم ليفي إلى جوانب أخرى في خطة “الخلد”: “إنشاء معتقلات” و”نقل أشخاص”، حسب قوله؛ أي اعتقال عرب إسرائيليين في منشآت اعتقال وطردهم من بيوتهم.
ظهر في البروتوكولات عدة شهادات لجنود، الذين فسروا أمر حظر التجول في قرى المثلث وكأنه استهدف إلقاء الرعب في قلوب السكان، مواطني إسرائيل، أو تشجيعهم على الهرب إلى الأردن. “الهدف الأول هو إبقاؤهم في البيوت، والهدف الثاني أن ستكون حاجة بدرجة أقل مستقبلاً للتخويف، والاحتفاظ بقدر أقل من القوة البشرية لأنهم سيكونون كما يبدو أغناماً ساذجة”، قال أحد الجنود. “هل شرحت للوحدة التي تحت مسؤوليتك في مجموعة الأوامر التي أعطيتها بأن هناك توجهاً لإبقاء عدد من القتلى خلفكم في كل قرية؟”، سئل وأجاب أن نعم: “قال قائد الكتيبة إنه من المرغوب فيه أن يكون هناك عدد من المصابين، والقصد هو قتلى… قلت إنه من المرغوب فيه أن يتم ضرب البعض منهم… لضمان هدوء في المستقبل، ولا نضطر لحاجة الاحتفاظ بقوة بشرية في هذه القرى…”.
وقال جندي آخر في شهادته: “ستكون الطريقة كالتالي: أن نفرض عليهم خوفاً جدياً بحظر التجول. كان هناك توجه أن يتم ترك عدد من القتلى في كل قرية لتفتح الحدود في الغد، وعندها سينقسم العرب إلى قسمين، الذين سيهربون إلى ما وراء الحدود، أما الباقون فسيكونون أغناماً وديعة ولن يفعلوا شيئاً”. حسب شهادة أخرى، كان الهدف “تخويف العرب حتى يهرب جزء منهم، أما الجزء المتبقي فسيكون مخلصاً أكثر للدولة وسيجلس بهدوء”.
قائد المنطقة الوسطى في زمن المذبحة في كفر قاسم، الجنرال تسفي تسور (الذي تم تعيينه بعد ذلك رئيساً للأركان)، سئل إذا كان من الصحيح القول بأنه في حالة الحرب “سيكونون راضين عن انتقال السكان العرب نحو الشرق”، فأجاب: “أنا مستعد للاتفاق معك بأنه كان هناك مكان أيضاً لمثل هذا التفكير”. مع ذلك، أكد تسور أنه لم تكن هناك سياسة كهذه، بل مجرد “تفكير” في الأمر. وأضاف بأن “من المحتمل أن هذا ظهر غريباً”. ولكن هدف حظر التجول الذي فرض على كفر قاسم كان “حماية السكان” و”منع نقاط احتكاك” بينهم وبين الجيش الإسرائيلي”.
تضمنت البروتوكولات أيضاً أجزاء من شهادة قائد القطاع شدمي، الذي كان الضابط الأعلى رتبة وتم تقديمه للمحاكمة بسبب دوره في المذبحة ثم تبرئته من القتل في نهاية المطاف. “كل شخص يعرف بواطن الأمور يدرك أن العرب الإسرائيليين قد يشكلون مشكلة مقلقة جداً، وربما عائقاً، بخصوص كل عملية كان من شأنها أن تحدث في المثلث”، قال في شهادته. وعندما سئل: “هل نرحب بمغادرتهم حدودنا”، أجاب “لا أعتقد أن هذا يعتبر سراً”. في التطرق لسؤال: هل يشجع حظر التجول أو إطلاق النار على خارقي حظر التجول على هرب سكان كفر قاسم إلى ما وراء الحدود؟ أجاب: “قد يشجع هذا التفكير… قتل عدد من الأشخاص كوسيلة للتخويف (يمكنه) تشجيع التحرك نحو الشرق شريطة الرمز (للعرب) بشأن التحرك شرقاً”.
وتضمنت البروتوكولات أيضاً شهادة شموئيل ملينكي، قائد كتيبة لحرس الحدود التي كانت تنتشر في المنطقة، وقد حكم عليه بالسجن لدوره في المذبحة. شهد ملينكي أنه سأل شدمي ما عليه أن يفعل لسكان القرية الذين سيعودون إليها من الخارج بعد انتهاء حظر التجول، بدون أن يعرفوا عن وجود حظر تجول. “سألت شدمي: ما مصير المواطن العرب في هذا الوضع… ربما سيعودون في المساء من قرى أخرى أو من الحقول، وربما لم يعرفوا عن حظر التجول في القرية”. حسب قوله، أجاب شدمي: “لا أريد مشاعر. ولا أريد اعتقالات”. عندما أصر ملينكي على الحصول على جواب، أجاب شدمي، حسب قوله، باللغة العربية: “الله يرحمه”، أي ليمت.
وغبرئيل دهان، وهو أحد قادة الفصائل، إنه تلقى أمراً بإطلاق النار على العائدين. وحسب قوله، عندما تلقى ملينكي سؤالاً من أحد مرؤوسيه عن مصيرهم، أجاب: “بدون مشاعر، من الأفضل أن يكون هناك بعض القتلى كي يسود هنا هدوء في المنطقة”. بعد ذلك، شهد دهان: “لقد وجدت نحو 30 عربياً قتلى”. وحسب رأيه، عندما سأل الجندي الذي كان يقف إلى جانبه فيما إذا كان هو المسؤول عن ذلك، أجابه بأنه “أنزلهم من السيارات فشرعوا بالهرب، وأخذ يطلق عليهم النار”. شهد دهان بأنه أطلق النار أيضاً وقتل عدداً من المدنيين: “ثلاثة رجال، أردت الاستيضاح من أين جاءوا. بدأوا يصرخون: لماذا تعتقلوننا. اتركونا، وبدأوا يستديرون. حاولوا الهرب. أمرتُ بإطلاق النار عليهم. وأنا أيضاً أطلقت عليهم النار. قتلنا الثلاثة”.
أدين ثمانية جنود في النهاية بتهمة التورط في هذا العمل، وحكم عليهم بالسجن، لكن أحكامهم تلك تم تخفيضها. وبعد ذلك، أطلق سراحهم جميعاً دون أن يقضوا معظم العقوبة. حظي جزء منهم فيما بعد بوظائف من قبل الدولة. في محاكمة منفصلة، تم تقديم شدمي للمحاكمة، وأدين بجريمة تجاوز الصلاحيات.
ممثلون رسميون إسرائيليون اعتذروا عن المذبحة في عدة مناسبات في العقود الأخيرة. أقيم في كفر قاسم متحف لذكرى القتلى. ولكن مشروع قانون للاعتراف رسمياً بالمذبحة وتخليدها تم رفضه في السنة الماضية وأثار ضجة سياسية.
عيساوي فريج، وزير التعاون الإقليمي، وهو من سكان كفر قاسم والذي تم قتل عدد من أبناء عائلته في المذبحة، رد في منشور في الفيسبوك: “أخيراً، أقرأ الكلام الذي حلمت بقراءته طوال حياتي. الشهادات عن القتل المخطط له، وعن البوابة الشرقية لكفر قاسم التي بقيت مفتوحة على أمل يفهم الناجون الرسالة فيهربوا”. تطرق فريج لخطة الطرد، وقال إنه “رغم أنها لم تنشر رسمياً، فإنها حاضرة في كل صفحة في بروتوكولات المحكمة”. فريج شكر آدم راز، وقال: “هو مؤرخ يسعى إلى العدالة والحقيقة، وقد قاد النضال ونجح. لم يكن لهذا اليوم أن يأتي لولا تصميمه”.