الرئيسة \  مشاركات  \  بين العلمانية والأصولية

بين العلمانية والأصولية

11.04.2019
د. أحمد محمد كنعان




العلمانيّة (Secularism) هي منظومة من المُعتقدات تدعو إلى إبعاد الدين عن الشأن العام، والعلمانيّة في حقيقتها نظام فلسفيّ يَرفض كافة الأشكال الدينيّة، فلا غرابة أن يقف الإسلاميون موقفاً رافضاً لها يصل إلى حد وصفها بالكفر، لاعتقادهم الجازم بأن العلمانية تحكيم للبشر ورفض لحاكمية خالق البشر سبحانه .
والحقيقة أن هذا الاختلاف في النظر إلى الدين ما بين العلمانيين والإسلاميين هو اختلاف إشكالي كثيراً ما أثار بين الطرفين صراعات عنيفة في ديارنا العربية خاصة، طوال الفترة الماضية بدءاً من منتصف القرن العشرين،  وللأسف مازال الصراع بين الطرفين مستمراً حتى يومنا الحاضر .
وقد حاول بعضهم وقف الصراع بين الطرفين بتفكيك هذه الإشكالية، ولعل من أبرز هذه المحاولات ما قام به في تركيا "رجب طيب أردوغان" الذي استطاع بجدارة وحنكة وهدوء أن يجمع بين رؤيته الإسلامية وبين تركيا المحكومة بالعلمانية منذ أتاتورك (1881 – 1938) !
وقد استطاع أردوغان أن يحدث هذا الجمع الخلاق دونما انقلاب عنيف ولا ثورة دامية كما هي عادة الانقلابات والثورات، فانتقل بتركيا من دولة شديدة التمسك بالعلمانية، إلى دولة إسلامية تبشر باستعادة الإسلام وأمجاده التليدة .
• فكيف تمت هذه النقلة الكبيرة ؟
• لقد تمت بكل حنكة وحكمة وروية، وأسقط أردوغان الجمهورية الأتاتوركية العلمانية دونما تحطيم لتماثيل أتاتورك مؤسس العلمانية، ودونما خروج عن مبادئ الجمهورية العلمانية، واكتفى بتجريدها - شيئاً فشيئاً - من مضامينها المخالفة للإسلام، فأسس نظريته في العلمانية المحايدة وأحلها محل العلمانية الأتاتوركية المعادية للدين، وجعل قوانين الدولة تقف على مسافة واحدة من الأديان والمعتقدات المختلفة، ولم يتبنى منهجاً أصولياً إقصائياً، ومنع الاضطهاد والإقصاء الذي عانى منه الإسلام والمسلمون تحت وطأة العلمانية الأتاتوركية المناهضة للدين.
لقد أدرك أردوغان أن الإسلام لا يحتاج إلى حكومة تتبناه وقوانين تفرضه بقدر ما يحتاج إلى نظام عادل لا يمارس التمييز أو الإقصاء :
- فألغى بحذر بالغ القوانين التي تفرض القيود على الإسلام .
- ولم يغلق بيوت الدعارة، وسمح في المقابل بإنشاء المدارس الإسلامية .
- ولم يجرم الإلحاد، لكنه سمح بتحفيظ القرآن .
- ولم يفرض الحجاب، لكنه سمح للمحجبات بدخول المدارس والجامعات.
باختصار .. لقد أطلق أردوغان سراح الدين ولم يعتقل العلمانية تاركاً القيم والمبادئ والمعتقدات والأفكار المختلفة تتفاعل في المجتمع حتى عادت روح الإسلام وقيمه ومبادئه لتسري في جسد المجتمع، وهذا هو جوهر التغيير الثوري السلمي الذي أحدثه أردوغان، وهو تغيير حري بالاقتداء .