الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين المصالحات والسلام في سوريا

بين المصالحات والسلام في سوريا

10.07.2018
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 9/7/2018
منذ أن سيطر البعد العسكري على مجريات الحدث السوري، في عام 2012، تراجعت مكانة الفعل السياسي إلى حدودها الدنيا، وعلى الرغم من الزخم الذي أعطي، إقليمياً، ودولياً، على مستوى العلاقات الديبلوماسية، بعد بيان جنيف1، في 30 يوليو/‏تموز 2012، إلا أن كل ذلك الزخم فعلياً لم ينجم عنه مسار حقيقي للتسوية السياسية؛ بل على العكس من ذلك، تمّ استخدام مجلس الأمن، مرات عدة؛ لتعطيل أي قرار ضاغط على النظام السوري.
في المقابل، تبنّت المعارضة السياسية مقولة «الانتقال السياسي»، ولاحقاً تحولت تلك المقولة إلى ما يشبه حجر الأساس في خطاب المعارضة، حتى إنها ذهبت بها نحو فكرة «هيئة الحكم الانتقالي»، والتي تعني، ضمن ما تعنيه، استبعاد الفئة الفاعلة في السلطة السياسية، وهو أمر، من الناحية السياسية، يحتاج إلى توافقات دولية، لم تكن موجودة في أي وقت من أوقات الحدث السوري، بشكل يسمح فعلياً بإيجاد آليات؛ لتشكيل هيئة حكم انتقالية.
وفي ظل غياب الحل السياسي، وهو الشعار الأكثر استهلاكاً في الخطاب الدولي، بقي التوجه الروسي هو الأكثر حضوراً وفاعلية على الميدان السوري، والذي انطلق من أرضية تعطيل الحل السياسي، لمصلحة ما يُسمى «مناطق خفض التصعيد»، وقيام هدن ومصالحات مع الفصائل المسلحة، كانت تنتهي على الدوام بنقضها، كما حدث قبل أشهر في الغوطة الشرقية، والتي كانت ضمن «مناطق خفض التصعيد»، ومع ذلك فقد حسم الروس آنذاك خيارهم، بتدخل جوي كثيف، ما أرغم الفصائل المسلحة على قبول الطرح الروسي، والمغادرة إلى إدلب، والتي تحوّلت إلى منطقة لتجميع الكتائب والفصائل المسلحة، وبعضها إرهابية.
منطق المصالحات والهدن، ومن ثم الانقضاض عليها، بالاستناد إلى مواقف دولية هشّة تجاه الكارثة السورية، يجعل التوجه الروسي يأخذ مساره حتى النهاية، وهو توجه يقزّم الصراع الوطني في سوريا، ويجعل منه مجرد صراع على السلطة بين النظام وفصائل معارضة ذات توجه إسلامي، وهو التوجه الذي أسهمت في إيجاده ودعمه قوى إقليمية وغربية، ويغفل هذا التوجه الروسي مسائل كثيرة، وفي مقدمتها أن النظام السوري، بعد كل ممارساته السلبية تجاه الحراك الشعبي، لم يعد مؤهلاً بتركيبته الراهنة لأن يقود البلاد إلى حالة الاستقرار، بما في ذلك الاستقرار الأمني، فما الحال إذن مع تأمين غطاء الشرعية الوطنية.
إن منطق السلام في دول هشّة مثل سوريا، لا يمكن أن يبنى على منطق الإخضاع، فهذا المنطق هو الذي فجّر الحراك السوري، فقد مارس النظام حالة إخضاع مستمرة للمجتمع السوري، وقواه الحية، لعقود؛ لكن ذلك لم يمنع المجتمع من الانفجار، كما أن مستوى العنف الممارس في الإخضاع يطرح في المقابل مستوى ردود الأفعال، فلو أن المجتمع السوري امتلك وسائل تعبير حقيقية، من أحزاب ونقابات واتحادات ومجتمع مدني، لما شاهدنا هذا الكم الهائل من العنف، الذي مارسته الأجهزة التنفيذية للسلطة السياسية، ولا ردود أفعال من ذات الطبيعة، دفعت عشرات الآلاف من السوريين لحمل السلاح.
من الواضح أنه ما من ممانعة إقليمية ودولية للتوجه الروسي، في حسم المعارك على طريقته، وإنشاء مصالحات شكلية، وهو ما يدفع بعض المناطق في سوريا إلى حالة من الاستقرار المؤقت، وهو ما يحتاج إليه الروس لإعلان انتصارهم؛ لكن هذا الاستقرار المؤقت لن يكون قابلاً للصمود، فالاحتياجات التي يطرحها الاستقرار ستكون كبيرة، وستشكل تحديات هائلة للوجود الروسي نفسه، ولن يكون ممكناً بأي شكل من الأشكال إيجاد عقد اجتماعي جديد بين السوريين، أو خلق مناخ من الثقة فيما بينهم، كما أن مستوى الانقسام الاجتماعي سيكون مرشّحاً للازدياد، ناهيك عن الصراعات التي ستنشأ بين قوى الأمر الواقع التي تشكلت خلال السنوات السابقة، والتي ستسعى إلى حماية مكتسباتها بأي ثمن.