الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صمت الكرملين على الغارات الاسرائيلية

صمت الكرملين على الغارات الاسرائيلية

11.12.2018
بسام مقداد


المدن
الاثنين 10/12/2018
بدا الكرملين ، على خلفية الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، أسير الخطاب المتشدد ، الذي استخدمه في مقاربة حادثة سقوط الطائرة الروسية في أيلول الماضي مقابل الساحل السوري . فلم تبادر موسكو إلى الرد ، كما توعدت في حينه ، على الغارات الإسرائيلية هذه ، واضطرت إلى "ابتلاعها بصمت" ، حسب الصحيفة الروسية "sp" منذ يومين .
وتشير المواقع الإعلامية الإسرائيلية الناطقة بالروسية ، إلى أن هذه الغارات لم تكن الأولى بعد حادثة الطائرة ، بل سبقتها غارات أخرى منذ تشرين الأول/أوكتوبر المنصرم ، وهو ما أكد عليه نتنياهو نفسه ، بعد لقائه مع بوتين في باريس ، بقوله أن الطلعات الجوية للطيران الإسرائيلي فوق سوريا لم تتوقف . وعلى عادتها ، بعد كل غارة ، نشرت صحيفة "news.ru" الروسية في طبعتها الإسرائيلية لائحة بالغارات الإسرائيلية على مواقع في سورية منذ العام 2013 ، ذكرت فيها أن الغارة الأخيرة قد سبقتها غارة في شهر تشرين الأول/أوكتوبر الماضي ، وغارة أخرى في 22 تشرين الثاني /نوفومبر استهدفت موقعا إيرانياً قرب دير الزور ، قتل بنتيجتها شخصان إيرانيان ، أو من الميليشييات التابعة لإيران .
لكن اللافت في الغارة الراهنة ، وعلى العكس من السرية ، التي كانت تحاط بها الغارات السابقة ، هو الضجيج الإعلامي الإسرائيلي الذي رافقها ، وبلغ حد الإستفزاز الصريح للكرملين في بعض الحالات . فقد نقل موقع "vesty" الإسرائيلي الناطق بالروسية عن المعلق العسكري لموقع " Ynet" الإسرائيلي رون بن إيشاي قوله ، بأن صواريخ  S-300 في سوريا لن توقف إسرائيل . وقال بأن للغارة الأخيرة دلالات أساسية ، تأتي في طليعتها الإشارة إلى أن إيران تواصل ترسيخ مواقعها في سوريا ، بغية إنشاء رأس جسر شرقي ، يخلق "محوراً لبنانياً سورياً" قرب الحدود الشمالية لإسرائيل .
الدلالة الثانية للغارة ، التي يراها المعلق الإسرائيلي ، هي أن إسرائيل قد اضطرت ، بعد حادثة الطائرة الروسية ، إلى تخفيض نشاطها فوق سوريا لتفادي الإحتكاكات "غير الضرورية" مع الروس" ، ولم تقم في هذه الأثناء سوى "بغارتين أو ثلاث" ، على المواقع الإيرانية في سوريا . لكن ، وعلى ضوء المعطيات الجديدة حول تجديد إيران نشاطها في سوريا ، ومواصلة التصعيد من قبل الروس بشأن حول الطائرة ، تجد القيادة الإسرائيلية نفسها "مضطرة للتخلي عن سياسة ضبط النفس " . ويقول بأن نتنياهو قد حذر أكثر من مرة ، خلال الأسابيع الأخيرة ، بأن إسرائيل لا يسعها القبول بتصاعد التهديد الإيراني عند حدودها الشمالية ، وهي تحتفظ لتفسها بحق القيام بما "تراه ضرورياً" لضمان أمنها. غير أن كلمات نتانياهو لم تلق أذناً صاغية لا في دمشق ولا في طهران ولا في موسكو ، على قوله ، ولذا أتت الغارة الأخيرة لتشير إلى التبدل في الموقف الإسرائيلي ، وإلى أن صواريخ S-300 الروسية ، التي يتموضع الإيرانيون تحت مظلتها ، لن تتمكن من منع إسرائيل من القيام بمهمات الحفاظ على أمنها.
أما "جيروزاليم بوست" فقد ذهبت أبعد من ذلك في استفزاز الكرملين ، ونقلت عنها نوفوستي في ترجمة لمقالة كتبتها منذ يومين تحت عنوان " في خضم المواجهة مع إيران في سوريا ، قد يتعين على إسرائيل تحدي روسيا" . وتنقل الصحيفة عن القائد السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان" آموس يادلين قوله ،  أن ثمة مسألتين لا تساوم عليهما موسكو : الجنود الروس لا ينبغي أن يقتلوا لدى مهاجمة إسرائيل الأهداف الإيرانية ، وليس على "أمان" العمل لإسقاط نظام الأسد . وطالما بقي الأمر كذلك ، سوف يحافظ الروس على موقفهم السابق ، بأن لإسرائيل الحق بالتعامل مع ما تعتبره خطراً مما يبنيه الإيرانيون من بنى تحتية عسكرية في سوريا . كما تنقل الصحيفة عن القائد السابق لهذه القوات في سوريا غيرشون هاكوهن قوله ، بأن العقبة الرئيسية بالنسبة لاتخاذ القرار في إسرائيل ليس وجود التقنيات الروسية ، بل وجود العسكريين الروس الفعلي على الأرض ، والذين ليس لإسرائيل مصلحة في "إلحاق الأذى بهم" . 
وتخلص الصحيفة إلى القول ، بأنه لدى النظر إلى جملة النتائج المترتبة على الواقع المستجد ، قد يتعين على  الدولة اليهودية ، لكي تحافظ على عدم المساس بخطوطها الحمراء ( منع طهران من إقامة رأس جسر دائم لها في سوريا ، ونقل الأسلحة إلى "حزب الله " في لبنان)  ، أن تتحدى روسيا في المجال الدبلوماسي ، و"قد يكون في المجال العسكري" أيضاً .
لم تحظ الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا باهتمام يُذكر من قبل المواقع الإعلامية الروسية ، سوى من قبل صحيفة الشوفينيين الروس "SP" ، التي كتبت في 4 الشهر الجاري تحت عنوان "لماذا ابتلع الكرملين بصمت الهجوم الإسرائيلي على سوريا" تقول ، بأن روسيا اكتفت بما رد به حزب الله من بروباغندا على الغارة . وتستند الصحيفة إلى صمت تل أبيب التقليدي في مثل هذه الحالات لتشكك بوقوع الغارة نفسها، لكنها تتساءل لماذا لم يرد أحد عليها في حال أنها قد وقعت ، ومن له مصلحة في مثل هذه الإشاعة في حال عدم حدوثها .
وتنقل الصحيفة عن مستشرقة روسية قولها ، بأن لدى إسرائيل ما يكفي من الأسباب لشن مثل هذا الهجمة على سوريا ، كما لديها أيضاً ما يكفي من الأسباب لترويج مثل هذا الخبر الكاذب عنها . وترى هذه المستشرقة أنه ، وبغض النظر عن وقوع الغارة أم لا ، إلا أن من الواضح أن الإسرائيليين قرروا القضاء على حزب الله . كما أنها لا تستبعد ، في الوقت عينه ، أن تكون الآزمة السياسية داخل إسرائيل قد أجبرت نتنياهو على استئناف العمليات الإسرائيلية داخل سوريا .
وعلى العكس من شكوك هذه المستشرقة ، تنقل الصحيفة عن خبير عسكري روسي تأكيده الجازم ، بأن الخبر كاذب ، وأن ليس من غارة إسرائيلية على سوريا . وينتقد مسارعة بعض وسائل الإعلام المركزية الروسية إلى نشر "هذا الخبر الكاذب" ، ويقول بأن "بعض الرفاق " يعمدون إلى تقديم ما يرغبون به بأنه واقع. ويذهب الرجل بعيداً في اتهاماته هذه ، ولا يُعفي منها وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" ، التي تعمد ، على قوله، في الفترة الأخيرة  إلى الإستشهاد بمختلف المدونين . ويقول بأن المشاهد ، التي تم بثها ، تشبه كثيراً المشاهد من الغارة ، التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في نيسان/أبريل الماضي ، ويعبر عن ثقة تامة ، بأن الإسرائيليين لا يجرؤون على مهاجمة مواقع صواريخ S-300 لوجود عسكريين روس عندها يقومون بتدريب الأطقم السورية على استخدامها.
بغض النظر عن تشكيك الشوفينيين الروس هذا وعتبهم على الكرملين لعدم رده على الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا ، إلا أن القرار الإسرائيلي بالعودة إلى علانية الغارات ، يشي بأن إسرائيل تستشعر حرجاً ما يعتري الموقف الروسي في سوريا والمنطقة ككل. وليس الخطاب الإعلامي الإسرائيلي وحده ما يشير إلى هذا الشعور المستجد لدى الإسرائيليين ، بل ما يؤكده أكثر هو سلوك القيادة الإسرائيلية في الأليام الأخيرة حيال لبنان ، الذي تدرك تماماً مدى الإهتمام ، الذي توليه له روسيا في الفترة الأخيرة .