الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فاقم الأزمات.. من المسؤول؟!

فاقم الأزمات.. من المسؤول؟!

02.09.2014
د. عبدالله خليفة الشايجي



الاتحاد
الاثنين 1-9-2014
في سياق التحولات والتعقيدات في المشهدين الإقليمي والدولي هناك تطورات لافتة في مواجهة الإرهاب الذي باتت واجهته العريضة "داعش"، وتداعيات الفوضى في أكثر من عاصمة عربية، وخاصة بغداد ودمشق وصنعاء وطرابلس.. ولا يمكن إغفال تطورات الأوضاع كذلك في الخلافات البينية ودبلوماسية اللحظات الأخيرة لإنقاذ مشهد بات على مفترق طرق.. وهناك أيضاً وقف إطلاق النار في غزة بين طرفين أنهكا ولم يتحقق الكثير من مطالبهما.. وكذلك الانزلاق الخطير في اليمن التي يقرع الحوثيون أبواب عاصمته صنعاء، وتدخل مجلس الأمن وإصدار بيان يتهمهم لأول مرة بأنهم عائق أمام الحوار. وكذلك ليبيا التي استقالت حكومتها، والتي تتصارع فيها حكومتان وبرلمانان. وفي المشهد الدولي هنالك أيضاً أوكرانيا التي اتهمت روسيا بغزوها. وقد رد الرئيس الروسي بوتين مشبّهاً العملية العسكرية في شرق أوكرانيا بالغزو النازي لروسيا في الحرب العالمية الثانية. وفي هذا نرسم خيطاً يجمع تلك التطورات والتعقيدات التي تتقاطع فيما بينها على امتداد المشهدين الإقليمي والدولي.
فقد بدا المشهدان الإقليمي والدولي من اليمن إلى العراق وسوريا وغزة وصولاً إلى شمال أفريقيا، وامتداداً إلى أوكرانيا وروسيا وحتى الولايات المتحدة، في حالة تمدد وسط متغيرات كبيرة، تؤسس لواقع مختلف جديد بتداعيات غير مسبوقة. فالولايات المتحدة تعترف بعدم وجود استراتيجية للتعامل مع "داعش" في سوريا، وقد تراجع الرئيس أوباما مجدداً عن توسيع العمليات العسكرية من العراق، واعترف الناطق باسم وزارة الدفاع بأنها تكلف الخزينة الأميركية 7,5 مليون دولار يومياً، وبتكلفة تصل إلى نصف مليار دولار منذ منتصف يونيو 2014. وفي سوريا أمر أوباما ببدء القيام بعمليات رصد وتحليق للطائرات من دون طيار فوق محافظتي الرقة ودير الزور لرصد أهداف محتملة لقصفها. وقد أكمل "داعش" احتلاله الكلي لمحافظة الرقة، بعد سيطرته على مطار الطبقة العسكري، وإعدام أكثر من 200 جندي سوري!
وكان لافتاً تكرار أوباما أن نظام الأسد فقد الشرعية، وأنه لن يكون هناك خيار بينه وبين "داعش" بل يجب ألا يكون للسوريين خيار فقط بين بقائه وبين التنظيم الإرهابي. وبدوره أعلن الرئيس الفرنسي أن الأسد لا يمكن اعتباره شريكاً في مكافحة الإرهاب. وفي بريطانيا، وتخوفاً من خطر التهديد الأمني والإرهاب رفعت السلطات مستوى الحذر من عمل إرهابي إلى ثاني أعلى درجة "خطير" أي "Severe"، تخوفاً من احتمال وقوع عمل إرهابي بسبب نشاط "داعش" و"جبهة النصرة" في سوريا والعراق.. وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد أعلن أن هناك حوالي 500 شخص يحملون الجنسية البريطانية يقاتلون مع "داعش" و"جبهة النصرة" في سوريا والعراق! ويُخشى عند عودتهم من احتمال ارتكاب أعمال إرهابية.
ولكن أكثر ما كان لافتاً في تطورات الأسبوع الماضي هو اعتراف أوباما بأنه لا يملك استراتيجية للتعامل مع "داعش" وخطره في سوريا! وأنه قد طلب من القيادات العسكرية تقديم خيارات وخطط للتعامل مع التنظيم في سوريا، والحاجة إلى تحالف من دول المنطقة التي سيقوم وزير الخارجية جون كيري بتكليف من أوباما بزيارتها لبلورة التحالف المطلوب لمواجهة "داعش". وكذلك إدماج السنة في الحكومة العراقية قيد التشكيل، وتقديم خيار واقعي للسوريين غير الأسد و"داعش". ولكن يبدو ذلك كله تنظيراً وترفاً لا يعكس جدية تعامل إدارة أوباما مع خطورة تنظيم "داعش" الذي يصفه مع ذلك بالورم السرطاني، وسيحتاج لوقت طويل للتعامل معه. وهكذا يستمر تهديد "داعش" ليتحول إلى خطر وتهديد عالمي!
أما التطور المهم الآخر الذي فرض نفسه بقوة في الأسبوع الماضي فقد كان مساعي رأب الخلاف والتباين الخليجي مجدداً، ومحاولة تجاوز الفتور في العلاقة بين العواصم الخليجية. وعشية الاجتماع الوزاري لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الذي عُقد يوم السبت في الرياض لبحث مدى التزام دولة قطر بـ"وثيقة الرياض" قام وفد رسمي سعودي رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية ووزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات السعودية بزيارة لقطر والبحرين والإمارات في محاولة أخيرة لرأب الصدع في العلاقات البينية بين دول مجلس التعاون.
وأياً كان القرار الذي اتخذه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم السبت الماضي، يبدو أن فرص حلحلة وتسكين الخلاف، هي أحد أفضل السيناريوهات التي تضبط إيقاع الخلاف وتمنعه من التفجر بعد ستة أشهر من أزمة سحب السفراء.. واللافت أن جميع الأطراف ومعها النخب الأكاديمية والمثقفون الخليجيون كلها تدفع باتجاه التسكين والتهدئة وتغليب المصلحة العامة، ليبقى مجلس التعاون الخليجي هو أنجح وأكثر مؤسسة إقليمية تماسكاً ونجاحاً في جسد الأمة العربية المترهل.
كما شهد الأسبوع الأخير من شهر أغسطس أيضاً التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بسبب حالة الانهاك الكلي لطرفي العدوان الإسرائيلي على غزة، بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بقيادة "حماس" بعد خمسين يوماً من العدوان وما يشبه حال تعادل، لا غالب ولا مغلوب، لأن كلا الطرفين لم يحققا أهدافهما، على رغم استطلاع للرأي في صحيفة "معاريف" أكد أن 61% من الإسرائيليين لا يعتقدون أن إسرائيل انتصرت في الحرب. وهذا يفسر احتفالات "حماس" وأنصارها في غزة بما سموه الانتصار على العدوان الذي لم يكسر المقاومة، ولم يسحب سلاحها، وأقر بفتح المعابر ورفع الحصار وتوسيع مساحة الصيد، ومناقشة قضية المطار والميناء والأسرى لاحقاً.. وقد قبلت إسرائيل وقف إطلاق النار بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها، وهذا ما علقنا عليه منذ بداية العدوان مؤكدين أن هذه الحرب لن تحقق أهداف أي من الطرفين بسبب رفعهما للسقف.. واليوم هناك هدنة طويلة الأمد قد تخرق في المستقبل كما كان حال الهدنتين السابقتين.
كما انزلق اليمن أيضاً نحو المزيد من التدهور والتفكك والحرب الأهلية في تهديد غير مسبوق، حيث يقرع الحوثيون أبواب صنعاء، وقد صدر قرار من مجلس الأمن يدينهم ويطالبهم بالانسحاب من عمران.. كما صدر اتهام واضح من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لإيران مباشرة بدعم المتمردين الحوثيين. فيما يتراجع اليمن بسرعة في قائمة الدول الفاشلة بشكل يثير القلق على مستقبله ويتهدد دول الجوار.
وفي الأخير لاشك أن كل هذه الأزمات والاحتقانات، يُلام في تفاقمها طرفان، الأول هو الطرف العربي الذي لم ينجح بعد في بلورة مشروع إقليمي عربي يُحصّن ويحمي النظام العربي ومكوناته ودوله وشعوبه ويستشعر المخاطر والتهديدات وتغير التحالفات. والثاني هو الولايات المتحدة الأميركية، التي ساهمت سياساتها وغيابها ورفع يدها عن قضايا وأزمات المنطقة في تفاقم هذه الأزمات، ثم تأتي لتتدخل متأخرة وببطء وبتردد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الواقع، بعد أن يكون الشرخ قد اتسع كثيراً على الراقع.. وللحديث صلة، إن شاء الله.