الرئيسة \  مشاركات  \  إنه ينادينا ـ28ـ

إنه ينادينا ـ28ـ

23.10.2014
الدكتور عثمان قدري مكانسي





لكل شيء ثمنٌ ،غالياً كان أم رخيصاً ، وكلما غلا الشيء ونفُس ارتفع ثمنُه. ونصرُ الله غالٍ لا يدفع ثمنه إلا المجاهدون العاملون الذين يبذلون الروح والنفس والمال والوقت في سبيل الله .ومن نصرَ الله َ في العمل الصالح والبعد عن الزلل أعزّه الله ورفع قدره وجعل الدنيا لخدمته والآخرة مأواه ، والمؤمن يعلم علم اليقين أن الناصر هو الله ( وما النصر إلا من عند الله ،إن الله عزيز حكيم ) الأنفال 10، وما نحن في جهادنا إلا ستارٌ لقدرة الله ( فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم ، وما رميتَ إذ رميتَ ولكنّ الله رمى ، وليُبليَ المؤمنين منه بلاءً حسَناً ..) الأنفال 17. فأنا أرمي والله تعالى يأذن بإصابة الهدف ، وأنت أطلقتَ القذيفة نحو العدو، فجعلها الله جلت قدرته في مركز الإصابة ومنتصف الهدف ، فنلنا – إذ ذاك - بفضل الله أجر المجاهدين الذين أثبتوا عبوديتهم لله وإيمانهم به ،فقوّى عزيمتهم وثبّت قلوبهم ، وجعل نصره على أيديهم.وما أروع القاضي الفاضل – وزير الناصر صلاح الدين يزف إلى الأمة الإسلامية نصر الله على أيديهم فيحمده أن جعلهم أهلاً لذلك النصر وأجراه على أيديهم..
"يا أيها الذين آمنوا ؛ إن تنصروا الله ينصرْكم ويُثَبِّت أقدامكم، والذين كفروا فتَعساً لهم وأضلَّ أعمالَهم" سورة محمد صلى الله عليه وسلم 7-8.
ونرى الكفار الذين يحاربون الله تعالى ويمكرون بعباده ويعملون ليل نهار للقضاء على الإسلام وأهله ولإطفاء نور الحق يبذلون ما يستطيعون للوصول إلى هدفهم ، فيخزيهم الله ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله ، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ، ثم يُغلبون ، والذين كفروا إلى جهنّم يُحشرون ) الانفال36، فهم يخططون ويصرفون الأموال في خدمة مآربهم فلا يصلون إليها،حين يكون المسلمون واعين متحدين متمسكين بشرع الله وحبله المتين، فيصيب الكافرين اليأسُ والقنوط ، وتدور الدائرة عليهم، هذا في الدنيا ، ومن حلّت عليه التعاسة لم يُفلح  وخاب تخطيطه وضل مسعاه ، ثم مأواهم النار خالدين فيها جزاءً وفاقاً.
وقد نرى في عالمنا نصراً للعدو علينا ، فنعلم أننا خرجنا من دائرة الإيمان الكامل ووقعنا في المحظور الذي يؤخر النصر، وما علينا إلا أن نؤوب سريعاً إلى الطريق المستقيم.
فالمولى تعالى - في هذه الآية - يأخذنا إلى طريق الصلاح ويهدينا إليه ويعرّفنا كيفية الوصول إلى الهدف المنشود في هذه الحياة.
ثم ينادينا مولانا قائلاً :
"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ ، ولا تُبطلوا أعمالَكُم"سورة محمد صلى الله عليه وسلم 33
إنّ دربَ الهداية الإيمانُ بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وفي طاعتهما ، فمن آمن أحبَّ ، ومن أحبّ أطاع، وما أحكم قول الشاعر :
              تعصي الإله وأنت تزعم حبَّه !     هذا لَعمري في القياس بديعٌ
              لو كان حبُّك صادقاً لأطعتَه         إنّ المحبَّ لمن يُحبُّ مطيعٌ
وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:  كلُّ أمتي يدخلون الجنةَ إلا من أبى . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنةَ ، ومن عصاني فقد أبى، رواه البخاري رحمه الله في صحيحه.
ولن يُقبل العمل إلا بطاعتهما فمن حاد عن شرع الله لم يُقبل منه عمله ولا إيمانه ( إن الدين عند الله الإسلام ) آل عمران 19.(ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران 85، قواعد ربّانية تاخذ بيد المؤمن الواعي إلى حيث النجاحُ والفلاحُ بأقصر الطرق وأحكَمِها.
وغير ذلك الخسارة والبُطلانُ ، وما أسوأ موقف من ظنَّ أنه ينجح في مسعاه بعيداً عن أمر الله وشرعته ، وسنة رسول الله وإرشاده. ولْنتمعّنْ في قوله سبحانه ( ولا تُبطلوا أعمالكم ) فكل منّا يعمل،  والعاقل يبني عمله على أساس متين فيرتفع بناؤه عالياً مكيناً ، والجاهل المكابر يبنيه على شفا جُرُف هار، فينهار به – باطلاً- في قعر جهنّم حيث يسترحم فلا يُرحم ، ويستجدي فلا يُؤبه له،
إنه سبحانه ينادينا ، فهل سمعنا النداء يقلوبنا ووعيناه بأفئدتنا ، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور.