الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب العبور الكردية

حرب العبور الكردية

30.10.2014
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الاربعاء 29-10-2014
أعلن مسؤولون أكراد في إقليم كردستان العراق عن تحرّك قافلة عسكرية من 40 دبابة وآلية تحمل رشاشات ومدافع وذخائر مع 80 من مقاتلي البشمركة من إربيل متجهين الى مدينة عين العرب (كوباني) الكردية السورية التي يهاجمها تنظيم "الدولة الإسلامية" منذ قرابة شهر، كما أعلنوا أن 72 مقاتلاً آخر سيتبعونهم عبر الجو للإنضمام لمقاتلي حزب "الاتحاد الديمقراطي" و"وحدات الحماية الشعبية" الذين يدافعون عن المدينة ضد الهجوم.
عبور هذه القوات الكردية العراقية باتجاه سوريا يبدو نتاج عملية جراحية دقيقة تمثل اتفاق حدّ أدنى بين أجندات الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وأكراد العراق، ويبدو حزب "الاتحاد الديمقراطي"، ذراع حزب "العمال الكردستاني" التركي داخل سوريا، مضطرّا للتلاؤم معها، في انكسار مؤقت لاتفاق موضوعي له مع النظام السوري (ودعم ماليّ إيراني)، تم بموجبه تسليم مناطق كردية سوريا للحزب، مقابل كسر إمكانيات تحالف العرب والأكراد ضد نظام دمشق، وإبعاد الفئات الكردية المناصرة للثورة السورية عن الساحة، نفياً واعتقالاً واغتيالاً في بعض الأحيان.
مقابل هذا التحالف الموضوعي كان صوت صالح مسلم، رئيس الحزب المذكور، مجيّراً لتجسيد هذه العلاقة العضوية، ولعلّ أسوأ تصريحاته وأكثرها تقصّداً لتخريب العلاقة بين العرب والكرد كانت إنكاره أن نظام الأسد استخدم السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري، وكان إطلاق هذه التصريحات من ممثّل مفترض لشعب تعرّض للقصف بالسلاح الكيماوي سابقاً كان المقصود منه تأجيج غضب الضحايا على الضحايا، وهي اللعبة المفضلة التي يلعبها النظام مع كافة التشكيلات الاجتماعية والإثنية والطائفية في سوريا.
حراك تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا معاً، هشّم التركيبة التاريخية للحدود السورية العراقية، وأعادها إلى لحظة التأسيس بعيد الحرب العالمية الأولى التي طبخها الفرنسيون بإزاحة الملك فيصل الأول عن عرش سوريا، وهزيمته بجيشهم القادم الى ميسلون من لبنان، وكرّسها البريطانيون بتمهيد تقسيم فلسطين، وتأسيس إمارة شرق الأردن، وثبّتها ضباط جائعون للسلطة على ضفتي الفرات ودجلة، فأطاحوا بأسس الاجتماع والسياسة التقليدية وفتحوا الباب لكابوس امتدّ أكثر من خمسين عاماً.
تنظيم "الدولة الإسلامية" نتاج لا عقلاني لهذا الكابوس الطويل الذي شاركت قوى إقليمية (من إيران حتى إسرائيل) في عدم إمكانية انتهائه عقلانياً، غير أن تكسير التنظيم المذكور للحدود أعاد، عملياً، المنطقة بأكملها الى تلك اللحظة المؤسسة، وهو ما جعل من أردوغان، يبدو نوعاً من أتاتورك جديد يحاول الحفاظ على حدود بلاده التي تتهدّدها المخاطر، لكن هذه المرة، ليس من قبل الجيوش التي تحاصرها لتفتيتها، كما في الحرب الكونية الأولى، بل من سياسات حلفائه الأمريكيين.
وعلى الصعيد المحلّي، فإن الأكراد، يشكلون التحدي الأكبر لصيغة تركيا الحاليّة، تجمعهم معاناة من بطش تاريخي مديد ضدهم، ورؤيتهم فيما فعله أكراد العراق، وحزب "الاتحاد الديمقراطي" في سوريا، باباً لدولة قوميّة كرديّة لم يسمح لها تأسيس الشرق الأوسط الجديد أن تتشكل.
ومن هنا يتّخذ عبور أكراد العراق نحو عين العرب السورية لنجدة أخوانهم هناك، معنى مشابهاً لما يفعله تنظيم "الدولة الإسلامية" من لمس خيالات الخلافة الإسلامية، وما يقتضيه ذلك من بغض للحدود القائمة وعمل على تهديمها.
وإذا كان تحالف الأكراد العراقيين مع الغرب وولاؤهم له برّر "اللهفة" الغربية لحمايتهم هناك، فإن التدخل الأمريكي دفاعاً عن حزب كرديّ معاد لتركيا، ومتحالف مع بشار الأسد، بدعوى استهدافه من "الدولة الإسلامية" (في تجاهل لكل ما يفعله النظام والتنظيم في باقي أرجاء سوريا من جرائم) جعل الأمر يبدو دعماً للنظام السوري ولكيان كرديّ مناهض لتركيا، وهي أجندة يمكن للأمريكيين بيعها للإيرانيين والنظام السوري، كما يستطيعون فرضها بسلاحهم وأموالهم على أطراف عديدة، لكنّها، في النهاية، لن تصرف في السوق الهائلة الاضطراب ل"الشرق الأوسط"، وقد تكون نتائجها على الأكراد السوريين عكس ما يخطط له الأمريكيون.
بعض النشطاء السوريين طلعوا بمقولة إن سوريا دولة تقع جنوب كوباني، ساخرين من تعامل الأمريكيين مع البلدة السورية الصغيرة، كما لو كانت أهم من القضية السورية نفسها، في ترتيب فظيع للأولويات يضع الأكراد في عين العاصفة الكبرى التي تهبّ على المنطقة بدلاً من تأطيرها ضمن إطارها العامّ.
عبور الأكراد من العراق إلى سوريا، على ضآلة حجمه، قد يكون عبوراً من تاريخ قاس إلى تاريخ أقسى، والشكر في ذلك يعود، مجدداً، إلى أمريكا!