الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب عالمية ثالثة.. إصدار جديد

حرب عالمية ثالثة.. إصدار جديد

23.09.2018
يحيى العريضي


العربي الجديد
السبت 22/9/2018
مع تحوُّل منطقة إدلب السورية إلى القضية الأكثر تداولاً في الإعلام هذه الأيام، حيث تُشتَمّ رائحة البارود وأشياء أخرى عالمياً، إلا أن ما سيرد في السطور التالية لا علاقة مباشرة له بساحة الحرب المحتملة هناك، لكنه قد يساهم في فهم السياق. وكأن قوس قزح في منطقتنا من لونين، قد يكونان طرفي الحرب العالمية الثالثة. للأول شكل قوى دولية وتفرعاتها ومغذّياتها وما يتغذّى بها، وفيها سلطات أعلى وسلطات أجيرة. واللون الآخر تمثله شعوب منطقتنا التي يجب أن تُسحق.
إذا وضعنا الأمور في نصابها التاريخي، نجد أن الولايات المتحدة الأميركية دخلت الحربين العالميتين، الأولى والثانية، في الشوط الإضافي لهما، متجنبةً دفع الأثمان العالية بشرياً ومادياً، وجامعةً غنائمهما. يبدو أن منهجية الحرب الثالثة مختلفة، فطبيعة فرقاء الصراع مختلفة هذه المرة. في الأولى والثانية حرب دول مع دول؛ في هذه دول مع شعوب: الدول أميركا وروسيا وأوروبا؛ وأدواتها أيضاً دول، لكنها من ثلاثة أنواع: لاعب يريد حصته ولديه مشروع: (إيران، إسرائيل، تركيا)، مراقب أو ممول أو متعيّش أو متلقٍ آثار العدوان من لجوء وإغاثة وغيرها (ويكثر عددها)، بلطجي تشبيحي يمثل أدوات القتل في ليبيا واليمن وسورية والعراق ولبنان ومصر. في الضفة الأخرى للصراع، تقع شعوب المنطقة التي وُضعت أمام أحد خيارين: الموت أو الاستكانة أو الهزيمة أمام الأنظمة الاستبدادية القائمة؛ الموت رعباً وخوفاً أمام الإرهاب المتمثل في "الإرهاب القاعدي" ومشتقّاته.
يوضح سلوك بعض الأعضاء الأدنى في هذا المحور (تحديداً إيران)، أن مقتل مشروع الكبار يتمثل في فتح أولئك الأعضاء الأدنى دكاكينهم الخاصة، تحسباً للحظة حرق الأعلى لهم،
"دخلت الولايات المتحدة الأميركية الحربين العالميتين في الشوط الإضافي لهما"  كضرورة لإنجاح مشروعه؛ وهذا بالضبط ما حدث لإيران مع أميركا؛ وحتى تجاه شريكتها روسيا في سورية: أرادت إيران أن تبتلع الفريسة المكلفة بإنهاكها، سورية؛ فوقعت في سوء عملها. أما العلة الأخرى فتتمثل في الأداء الفج الإجرامي المحرج لأعضاء الدرجة الثالثة، فهو من نوعين: واحد محرج جداً تصعب تغطية جرائمه أو ترقيع خروقاته (نظام الأسد مثالاً) وآخر أخرق لا يجيد تنفيذ التعليمات (مسلك سلطة بغداد)، فبدل أن ينتفخ مشروع إيران ويتعافى بإيجاد هلال شيعي، يجعل إمبراطورية فارس تصل إلى مياه المتوسط، يتسبّب سلوك أدواتها الأخرق بإيجاد كياناتٍ لا تبعثر الهلال فقط، بل تهدّد بتفسخ الداخل الإيراني نفسه.
في الخلفية التاريخية وتفاعلاتها التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه، تفيد دلائل بأن أميركا صنّعت تنظيم القاعدة واستخدمته في أفغانستان؛ ثم "استخدمته في 11/أيلول"؛ وكان غزو العراق، واحتلاله. كما أن سلطة دمشق (كأداة) صنّعت "عصابات مسلحة" أطلقت عليها مختلف التسميات، بعد أن غسلت دماغها في السجون، فأوجدت الذريعة المناسبة لاستخدامها في ذبح الحراك الشعبي السوري. وكانت إيران وسلطة دمشق سلفاً قد طوّرتا حالة إرهابية في العراق، وظفتاها بداية في العراق لابتزاز الأميركيين، واستخدمتاها لاحقاً في سورية (داعش) . ومن ثم، وبالتعاون والتفاهم بين إيران وسلطة دمشق وأميركا وإسرائيل، تم دفع التجمع الإرهابي ليصار من هؤلاء كلهم إلى ضربه؛ وتكليل كل تلك الجهود الخبيثة المجرمة بتقسيم جديد للمنطقة: العراق ثلاث قطع وسورية خمس قطع. وهنا حتّم الوضع القائم على الجميع أن يضعوا أوراقهم على الطاولة في حالة انكشاف غير مسبوقة؛ فـ"الشيطان الأكبر" أميركا، و"قائد المقاومة والممانعة" إيران، عبّرا سابقاً وعلناً عن استعداد للتحالف في وجه البعبع الجديد "داعش"، والذي ساهما في اختراعه ليكون الذريعة لإنجاز البعثرة والدمار والحريق، في العراق أولاً وسورية لاحقا. كان هناك من هو مكلّف بمهمة رسمية، جوهرها إدارة الاهتراء في العراق، ليكون ساحة مستباحة دموية؛ الأمر الذي استلزم، منذ سنوات، الإبقاء على أداة تُدعى نوري المالكي، رئيساً للوزراء فترة ثالثة برعاية إيران، والفساد، وسيادة الدم والاهتراء والنار الطائفية رسمياً. نجح المالكي في الامتحانات الإيرانية الخبيثة والحاقدة، وفشل في الامتحانات الأميركية التي تعتمد الغش المنظم البارد الذي يحفظ ماء وجه معلم المالكي. كلاهما، الأكبر والأصغر، ربما تمنّيا ألّا يكون المالكي فاشلاً، بل بنجابة الأسد في تدبّره عمليات الدم والدمار والبعثرة، فها هو الأخير يأتي على سورية دماراً، عبر تنغيم مع معلميْن: الإيراني والروسي.
اللحظة التي تكتمل فيها عملية تحويل المنطقة إلى رهينةٍ بيد إيران عبر الدمار السوري والخراب اليمني والضياع اللبناني والعطالة الخليجية والمصرية، تلتهب المنطقة ثانيةً بوجه الوكيل الوسط (إيران) والأداة الأدنى؛ لتجد أميركا الفرصة لنفسها بمعاقبة المختطف إيران؛ فتسعى إلى سحبه إلى المستنقعات؛ ويقابلها الخبث الإيراني بمحاولة زجّها أيضاً في ذلك المرجل؛ ليكون الثمن شيئاً من الرخاوة الأميركية تجاه الملف النووي الإيراني بداية، ولتُحْرَم من تلك المكافأة لاحقاً.
هكذا تبدو الأمور على السطح؛ حرب عالمية على نارٍ شبه ساخنة؛ تغذّيها روسيا علّها تخرج من ورطاتها، وعلّها تعود إلى العالمية ثانية. وتعود أميركا إلى نهجها المربح القديم: حصاد الجنى في الفصل الأخير من الحرب؛ إلا أن النموذج الحالي يضعها في قلب المعمعة؛ ليجعل الجنى كبيراً؛ لكن مكلفاً.
المشروع الذي لا بد وأن يقف في وجه مشروع الأعضاء الأعلى والأدنى والأجراء يتمثل في 
"ستكون البداية التحرّر من الاستعمار الايراني الجديد في العراق وسورية ولبنان" المدّ الشعبي؛ لكن الجميع يأخذونه إلى الآن رهينة؛ ففي سورية: نظام الاستبداد الأسدي، وفي لبنان، الارتهان لإرهاب حزب الله؛ وفي مصر وليبيا واليمن يعمّ تفكير بأن هناك من اغتال انتفاضتها، وفي تونس الخوف من استشعار العافية. مهمة هذا المشروع مزدوجة: تحرير وتغيير. تحرير من استعمار مباشر أو استعمار بالوكالة؛ وتغيير لمنظوماتٍ استبداديةٍ أوجدت واقعاً ظالماً انتفضت الشعوب في وجهه. الأمران مرتبطان عضوياً، فلا تحرير بلا تغيير؛ ولا تغيير بلا تحرير. وستكون البداية التحرّر من الاستعمار الايراني الجديد في العراق وسورية ولبنان. ولن تكون فائدة الأعضاء الأعلى متأثرة كثيراً بردع من أراد الارتقاء إلى منافس استعماري أعلى (إيران). والمفارقة أنه يمكن الاستفادة من رغبة إسرائيلية/ تركية تعتقد أنها الكاسب النهائي الأساس من ذلك كله. هذا إضافة إلى الخليج الذي لن يكون غير مغتبطٍ بوضع كهذا. أول انهيارات قفازات "الدومنيو" كان المالكي وزمرته، وستتبعهم زمرة دمشق، وصولاً إلى بعبع بيروت الورقي. عندها، كالعادة يحصد العضو الأعلى في محور الحرب العالمية الثالثة، وبالتوافق مع تركيا وإسرائيل، عضوي الدرجة الثانية … غنائم ما بعد "سايكس – بيكو"؛ وتأخذ روسيا حصتها الوازنة من الكعكة، بوصفها قوة إقليمية كبرى ليس إلا؛ وتروق بركة الدم؛ وربما يأخذ السلام فرصةً باستيعاب بعض طموحات الشعوب في الحرية والتغيير.