اخر تحديث
الخميس-25/04/2024
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
مشاركات
\ بين القهوة .. والتمر أم بين الطبل .. والزَمر
بين القهوة .. والتمر أم بين الطبل .. والزَمر
09.05.2018
عبدالله عيسى السلامة
في إحدى الدول المحسوبة على (العالم الإسلامي ) في آسيا ، وفي أحد المعاهد الشرعيَّة ، كان المدرّس يلقي ، على طلابه ، درساً في السياسة الشرعيَّة ، وتطبيقاتها في الماضي والحاضر . وبعدما استعرض لهم ، بعضاً ممّا كتبه ، عدد من فقهاء المسلمين كالماودي ، وابن تيميّة ، وابن القيّم ، والجويني .. وأضرابهم .. حول (ولاية الأمر) ، ومعانيها وتطبيقاتها .. سأله أحد الطلاب :
- أستاذ.. من وليّ الأمر، في بلاد المسلمين ، اليوم ؟
- قال الأستاذ ببساطة :
ليس للمسلمين في العالم اليوم ، وليّ أمر واحد ،لأنهم غير خاضعين لدولة واحدة، فهم دول شتـّى ، فيها شعوب مختلفة ، يحكمها رجال عدّة ..
قال الطالب :
- فهل يعني هذا ، أن لكلّ دولة وليّ أمرها الخاصّ بها ؟
قال الأستاذ:
- أجل .. هذا هو الواقع مع الأسف .
قال طالب آخر:
- أستاذ.. من وليّ الأمر، في بلادنا ؟
قال الأستاذ ببساطة :
- إنه " فلان " رئيس الدولة .. ألا تعرف من يحكم دولتك ؟
قال الطالب :
- أرجو المعذرة أستاذ.. فأنا حقاً لا أعرف من يحكم دولتي .. فهل أنت متأكّد ، من أنه فلان " رئيس الدولة " ؟
قال الأستاذ متردّداً :
- دعني أسألك أنا : إذا لم يكن رئيس الدولة ، هو وليّ الأمر، في بلادنا ، فمن تراه يكون ؟ وهل بذهنك أنت شخص آخر؟
قال الطالب :
- لا أعرف ، أستاذ.
رفع طالب آخر يده ، مستأذناً بالكلام ، وقال :
- بل يعرف ، أستاذ.. وأنت تعرف ، أن الحقائق تخالف الظواهر!
قال الأستاذ ، بلهجة مضطربة :
- ماذا تعني !؟
قال الطالب :
- لا أعني شيئاً .
قال طالب آخر ، بعد أن استأذن بالكلام :
- أستاذ ، إنّ الحديث عن الواقع ، فيه حرج ، لك وللطلاب .. فأرجو أن تأذن لنا ، بضرب أمثلة ، من التاريخ .
قال الأستاذ ، متردّداً:
- حسناً .. ماذا لديك من أمثلة ، بهذا الصدد ؟
قال الطالب :
أستاذ ، كلنا نعلم ، أن أباطرة الرومان ، وأكاسرة الفرس ، كانوا يعيّنون لهم وكلاء ، من العرب ، يسمّونهم ملوكاً ، مثل ملوك الغساسنة ، على حدود الشام ، الذين كان يعيّنهم القياصرة ، للهيمنة على القبائل ، المجاورة لإمبراطورية ، روما ، وإخضاعها ، وتوظيفها ، في خدمة المصالح الرومانيّة ، وتجنيد رجال منها ، للمشاركة في حروب روما ، ضدّ دولة الأكاسرة الفارسيّة . وكذلك كان يفعل الأكاسرة ، حين يعيّنون ملوكاً ، للهيمنة على القبائل المجاورة لدولتهم ، لتوظيفها ، واستخدامها ضدَّ إمبراطورية روما ..!
وكثيراً ما اشتبكت هذه الممالك العربيّة ، فيما بينها : مملكة الغساسنة في الشام ،
ومملكة المناذرة في العراق .. كثيراً ما اشتبكت فيما بينها ، في حروب ، لمصالح القياصرة والأكاسرة ..!
والسؤال المطروح ، الآن ، أستاذ ، هو :
هل كان ولاة أمر العرب ، في تلك الفترة – وأعني القبائل العربيّة ، الخاضعة لملوك الغساسنة والمناذرة – هل كان ولاة أمر العرب ، حينذاك ، هم هؤلاء الملوك الوكلاء ، أم السادة الكبار، الذين عيّنوهم وسمّوهم ملوكاً ؟
أطرق الأستاذ قليلاً ، ثمَّ رفع رأسه ، وسأل الطلاب :
- هل يودّ أحد منكم ، أن يجيب ، على سؤال زميله ؟
قال طالب متضاحكاً :
- أستاذ..السؤال واضح ، والجواب واضح ، والأمر لا يحتاج إلى عبقريّة! لو كانت لك مزرعة ، وعيّنت عليها وكيلاً ، لإدارة شؤونها ، وشؤون العاملين فيها ، فهل تتصور، أنت ، أو الوكيل الذي عيّنته ، أو العاملون في المزرعة .. هل يتصوّر أحد منكم ، أن الوكيل هو سيّد المزرعة ، ووليّ أمرها وأمر العاملين فيها !؟
قال الأستاذ بهدوء :
- ولكن الأمر، هنا ، مختلف ؛ فنحن لسنا في مزرعة خاصّة ، ولسنا في مملكة ، يحكمها الأكاسرة أو القياصرة .. إننا في دولة مستقلة ، ذات سيادة ..!
- استأذن طالب بالكلام ، وقال ، متضاحكاً:
لطيفة حكاية السيادة هذه ، يا أستاذ .. فمن أين جاء ت ؟ أعني : من أين تستمدّ الدول سيادتها ؟ من قرارات شعوبها .. التي تختار الحكّام وتعزلهم ، أم من قرارات الوكلاء ، الذين يعيّنهم الإمبراطور، أم من قرارات الإمبراطور، نفسه ، الذي يعيّن الوكلاء، ويضغط عليهم كما يشاء، ويهدّدهم بالعزل والطرد ، متى شاء !؟
قال الأستاذ ، متردداً :
- الأصل أنها تستمدّ سيادتها ، من قرارات شعوبها.. إلاّ أن للضرورة أحكاماً !
قال طالب ، بعد أن استأذن بالكلام :
- أستاذ .. أرجو عدم المؤاخذة ..أيّة ضرورات ، وأيَّة أحكام !؟ نحن أمام حالة واضحة كالشمس .. والسؤال المطروح واضح كالشمس ، ويحتاج إلى إجابة واضحة ، يبنى عليها موقف واضح محدّد :
- من وليّ أمر المسلمين – كلّ شعب مسلم في بلاده – الذي تجب طاعته ، ويَحرم الخروج عليه ، إلاّ إذا رأى المسلمون منه " كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان " كما ورد في الحديث الشريف ؟ من هم أولو الأمر، الذين أمرنا الله ، بطاعتهم ، في قوله : " وأطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول ، وأولي الأمر منكم " ؟ هل ثمّة إجابة واضحة .. أستاذ ، للحالة التي نحن فيها ؟
صمت الأستاذ ، ورفع طالب آخر يده ، فقال ، بعد أن استأذن بالكلام :
- أستاذ .. أرجو ألا تحسّ بالحرج ، فنحن هنا نناقش موضوعاً واقعياً ، نبحث له ، عن تأصيل شرعيّ ؛ فنحن أمام مسألة علميّة شرعيّة ، نبحثُ فيها عن إجابة محدّدة ، لسؤال محدّد ! وإذا كانت السياسة ، في الإسلام ، بحاجة إلى تأصيل أو تأطير، شرعي ، فهذا ممّا لا تتحمّل ، أنت ، أو أيّ من الحاضرين ، مسؤوليته ! وإذا كنت لا تعرف الجواب ، على السؤال المطروح ، فبامكانك الاستئناس ، بالقول المأثور: ( من قال لا أعلم فقد أفتى) أو بالقول الآخر المأثور : (قول : لا أعلم ، نصف العلم ) .
استأذن طالب آخر، وقال ، مداعباً :
- أستاذ .. أنا أعرف الجواب .
قال الأستاذ ، بهدوء : تفضّل .
قال الطالب :
- أستاذ .. وليّ أمر القوم ، الذي تجب طاعته ، ألا ينبغي أن يكون منهم ؟
قال الأستاذ : بلى .
قال الطالب : وكلمة : (منهم) ألا تشمل العيش معهم ، والأكل ممّا يأكلون ، والشرب ممّا يشربون !؟
قال الأستاذ ، متردداً :
ربّما تشمل ذلك ، ولكن ليس هذا هو الأساس .
قال الطالب :
وإذا كانت تشمل ذلك ، فهل يأكل الإمبراطور، التمر الذي نأكله ، ويشرب القهوة التي نشربها ؟
قال الأستاذ ، باسماً : لا .
قال الطالب : فإذاً ؛ ليس ، هو ، وليّ أمرنا ! فمن شرب قهوتنا ، وأكل من تمرنا ، فهو وليّ أمرنا !
ضحك الطلاب ، وقال طالب آخر، متابعاً الحديث ، في السياق نفسه :
ومن طبّل بطبلنا ، وزمّر بزَمرنا ، فهو وليّ أمرنا !
انفجر الطلاب بالضحك ، وتابع أحدهم ، قائلاً :
- أستاذ .. أخشى أن نصل إلى قاعدة : ( من عاش بين جوارينا ، وشرب من خمرنا ، فهو وليّ أمرنا ) .
ارتفعت موجة الضحك ، وبدأ الأستاذ بتهدئة الطلاب ، فقال :
- أرجو ألا تنقلب الحصّة ، إلى حصّة مداعبة ومزاح .. فنحن ، كما تعلمون ، نناقش مسألة جادّة وخطيرة !
قال طالب : أستاذ نرجو عدم المؤاخذة .. فنحن ينطبق علينا قول الشاعر :
(كالطير يرقص مذبوحاً من الألم ) .
قرع الجرس ، مؤذناً بانتهاء الحصّة . وخرج الأستاذ وطلابه ، وما يزال السؤال يرنّ ، في أذهان الجميع ، منتظراً الإجابة ، من كلّ من يعنيه أمر نفسه وشعبه وبلاده !