الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جيش سورية

جيش سورية

04.12.2016
ميشيل كيلو


العربي الجديد
السبت 3/12/2016
تقول التقارير الآتية من حلب إن الإعلان عن تشكيل "جيش حلب"، وحل الفصائل وإنهاء وجودها الاسمي والفعلي، أطلق موجةً عارمةً من البهجة والأمل في نفوس محاصري حلب، على الرغم مما يتعرّضون له من جرائم حرب تقتل يومياً، وتجرح عشرات منهم. وتقول الأنباء الواردة من كل مكان إن الشعور بالفرح لم يقتصر على الحلبيين، بل شمل جميع السوريين الذين طال انتظارهم هذه الخطوة التي يعتبرونها بحق إنقاذية، بعدما كاد اليأس يقتل من لم يقتله رصاص النظام والفرقة والانقسامات والخلافات والأدلجات المتطرّفة، وانعدام الوطنية والتهور المذهبي، وما أنتجه في حياتنا من فسادٍ وأحقاد، وحرّض عليه من جرائم.  هذه خطوة بألف. ولئن كان القيام بها ضرورةً حتمها تفادي هزيمةٍ ساحقةٍ يرجح أنها كانت ستنزل بالمقاومين والشعب في ما بقي لهما من المدينة، فإن الصراحة تقتضي القول إنه كان من الأفضل لو أنها لم تأت تحت الضغط، بل أتت مبكراً في سياق تخطيط عسكري إيجابي يعالج استباقيا، وليس لحاقياً، فشل نمط التنظيم الفصائلي الذي تأكّد عجزه الصارخ عن مواجهة تحالف الأسدية/ إيران/ روسيا، وما لديه من قدراتٍ ميدانية واحتياطية في الرجال والسلاح، وتفوق تقني كاسح لا سبيل إلى التخلص منه بغير تطوير أشكال تنظيمية من المقاومة، تستطيع احتواءه وكبح فاعليته، وتنمية قدرات المقاومين بالتدريج، بما يمكّنهم من إقامة واقع ميداني عصيٍّ على الكسر، مهما حشد الأعداء من قوى، واستخدموا من سلاح.
والحقيقة أن شعور الفرح والأمل غمر السوريات والسوريين في كل مكان أيضاً، لاعتقادهم أنه من الأفضل أن تأتي متأخراً من أن لا تأتي أبداً، وأن صمود حلب يتطلب عملاً من نوع مختلف، خصوصاً أنه ليس مسألة محلية أو هامشية، وأن حلب غدت من المراكز التي تدور فيها معركة الثورة الرئيسة، بسبب ما يتكدس فيها من مرتزقةٍ وغزاة، ويستخدم من سلاح فتاك لم يسبق أن استخدم في الحروب، وتلازمت الهجمة على المدينة مع قضم الروس والنظام الحثيث والخطير حاضنة المقاومة الاجتماعية في مختلف مناطق سورية، بما يمكن أن يترتب على ذلك من تحوّل جذري في الصراع لصالح النظام والاحتلال الروسي/ الإيراني.
لا عجب إن اعتبر تشكيل جيش حلب وحل جميع التنظيمات الرد المطلوب على مخاطر جسيمة، كان يبدو وكأن أحداً لن يتمكّن من وقفها أو النجاة منها، وها قد أتى رد إنقاذي عليها، زاد من أهميته أن الجيش لم يشكل جيش فصائل، بل أتى بديلا لها ومثّل، لهذا السبب، الاستجابة المطلوبة لما يريده السوريون، ويتوقعونه: حل التنظيمات في جيش موحد، على ألّا يقتصر حلها على موقعٍ بعينه، بل يمتد إلى مختلف المناطق، ليكون الهدية التي يربط الشعب مصيره بها، ألا وهي جيش سورية الذي لم يعد هناك أي منقذ سواه، ليس فقط لأن الآمال معلقةٌ على صموده في الحرب ضد التحالف الأسدي/ الروسي/ الإيراني، وإنما كذلك لأنه سيكون أقدر على خوض حربٍ ضد الإرهاب، تقنع العالم أن الثورة السورية استعادت معادلتها الأصلية: الخيار الديمقراطي بديلاً وحيداً لنظام الاستبداد الأسدي، الذي يجعل رحيل الأسد ممكناً عبر حل سياسي، يطبّق وثيقة جنيف بقوة تصنع البديل المنتظر له الذي يستحيل تحقيق مصالح أي طرفٍ خارجيٍّ، من دون الاعتراف به، والعمل على تلبية مطالبه، وفي مقدمها رحيل الأسد، وإقامة نظامٍ يشارك في إقامته جميع السوريين، ويكون لهم جميعا.
تقول الأخبار إن الفارق بين الوضع الفصائلي ووضع الجيش سرعان ما أعطى نتائج ميدانية إيجابية، من خلال صد هجمات مكثفة، قام بها شبيحة النظام ومرتزقة إيران على الشيخ سعيد، واستعادة مبان ومواقع كان هؤلاء قد احتلوها قبل يوم.
والآن: نبارك لحلب جيشها، فهل نبارك في الأيام القليلة المقبلة لسورية بتشكيل جيشها هي أيضا، أم علينا انتظار لحظة الانهيار النهائي، قبل أن نقوم بما يمليه علينا العقل، وتحتمه المصلحة، وتفرضه الوطنية، وصار كل مواطن سوري يؤمن أن الهزيمة واقعةٌ لا محالة بدونه؟