الرئيسة \  واحة اللقاء  \  غزة وإدلب.. وبالعكس

غزة وإدلب.. وبالعكس

07.05.2019
معن البياري


العربي الجديد
الاثنين 6/5/2019
للوزير البلغاري السابق، نيكولاي ملادينوف، مسمّى وظيفي، هو المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط. ويحتاج واحدنا إلى أرطالٍ من سعة الفهم، ليتيّقن مما يؤدّيه هذا الموظف الأممي (الرفيع؟) في أثناء مزاولته وظيفته هذه. ويتم هنا تذكّرّه بمناسبة دعوتِه، في تغريدةٍ له أمس، "إلى وقفٍ فوري للتصعيد، والعودة إلى تفاهمات الأشهر القليلة"، والمعنيون بدعوته هذه إسرائيل والفلسطينيون في قطاع غزة. وأن تقرأ كلاما كهذا، في غضون الاعتداءات الإسرائيلية الجارية منذ يومين على القطاع وناسِه، والتي سقط جرّاءها شهداء مدنيون، بينهم رضيعة ووالدتها، وجرحى عديدون، يعني أن تعجب من أوهامٍ تتملّك مدارك المنسق (!) ملادينوف، وهو يقول ما يقول، سيما عن تفاهماتٍ سبق أن تم التوصل إليها، مفترضا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي سترعوي، طالما أن الذي يدعوها إلى ما يدعوها إليه يمثّل الأمم المتحدة. وفي إسطنبول، دعا أعضاء الهيئة العامة لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، "إلى المحافظة على اتفاق إدلب، والالتزام ببنوده، وتحقيق وقف إطلاق نار شامل وكامل من جميع الأطراف السورية". والإشارة في قول هؤلاء هي إلى اتفاق الرئيسين، التركي أردوغان والروسي بوتين، في سوتشي في سبتمبر/ أيلول الماضي، على تجنّب الحرب في منطقة إدلب في الشمال السوري، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح هناك. ومع الاحترام لأصحاب الدعوة هذه، عجيبٌ أن يفترضوا أن ثمّة آذانا ستسمعهم، وأن الروس الحاكمين في سورية، وأهل النظام في دمشق، وهم الذين يأمرون برمي الصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية على المدنيين في إدلب وريفها الجنوبي (وعلى ريف حماه)، سيحفلون بدعوةٍ كهذه، سيما من كيانٍ مرفوضٍ، وما انفك يتآكل.
أطفال ونسوة وشبان وشيوخ مدنيون، بينهم متطوعون في الدفاع المدني، قضوا في اعتداءات القصف الجوي، المتعدّد الأسلحة والصواريخ، وبالقذائف المدفعية على بلدات ريف إدلب، وقد استهدفت في الأيام الخمسة الماضية مباني سكنية وممتلكاتٍ للأهالي وأفرانا وأسواقا، وعطّلت عمليْ مستشفيين، بعد أن كانت في الشهر الماضي قد أزهقت أرواح أكثر من مائة مدني، واستهدفت خمس مدارس وعدة حقول زراعية. وظلت الأخبار التي توالت عن أعداد موثقةٍ للصواريخ والقنابل العنقودية (وغيرها)، وكذا للضحايا والخسائر، تمرّ من دون اكتراثٍ بكل قصة إدلب وجوارها، حتى إذا استجدّت الموجة الأشرس من الاعتداءات الروسية، بمشاركة برّية من قوات النظام، فطنّا إلى أن قصة اتفاق سوتشي وتفاهماته إنما هي على المستوى نفسه من ركاكة قصة مناطق خفض التصعيد، ومثيلاتها في اجتماعات أستانة، وسائر هذه المتوالية المضجرة.
ولا تزيّد في الزعم إن ثمّة مقادير من المشابهة بين المتواليتين، السورية المضجرة أعلاه والفلسطينية المضجرة لجولات محادثات التهدئة التي لم تنجز أي تهدئة، وكأن الفلسطيني في قطاع غزة منذورٌ لانتظار القتل بين نوبةٍ ونوبة. ولذلك، من قلة الذوق اعتبار بعضٍ بين ظهرانينا أن التوحش الإسرائيلي الجاري، منذ يومين، كما جولاتُه السابقة، تسبّبت به صواريخ للمقاومة الفلسطينية. فيما هي إسرائيل تختار مواقيتها الخاصة، لمحاولات فرض معادلاتها، الأمنية والعسكرية والسياسية، وتصنع الذرائع التي تشاء، من أجل أن يعرف العالم أنها وحدَها صاحبة قرار الحرب والتهدئة، وأن لا معنى لوجود يحيى السنوار وزياد النخالة في القاهرة، وأن حركتي حماس والجهاد الإسلامي كيانان إرهابيان، وإن على الفلسطينيين في القطاع أن يعرفوا هذه الحقيقة، حتى لا يكونوا مُتاحين لوجبات الصواريخ العمياء. والمسألة هنا أن الحاكمين في الدول العربية وحدَهم من يتبنّون هذا الكلام حقائق، ويروْن منجاة أهل غزة، وعموم الفلسطينيين، في أن يرتدّوا عن فكرة المقاومة.
تطمئن إسرائيل إلى أنه ما من نظام عربي يردعها، ويعاقبُها، وتسخر من نيكولاي ملادينوف ومسمّاه الوظيفي. وتطمئن سلطة غاز السارين الحاكمة في دمشق، بعوْنٍ مسلحٍ معلنٍ من سلاح الطيران الروسي، إلى أن ما من قوة أخلاقية وسياسية تكفّ أذاهما، وتهزأ هذه من ائتلافٍ معارضٍ، ومن مسميات هياكله وانتخاباته. وفي الأثناء، تتوالى الأخبار عن تمويت ناسٍ وتدمير حقول ومبانٍ في إدلب وغزة، والعكس صحيح.