الرئيسة \  واحة اللقاء  \  على بايدن وبوتين توفير وقتهما

على بايدن وبوتين توفير وقتهما

17.06.2021
ليونيد بيرشيدسكي

 
الشرق الاوسط 
الاربعاء 16/6/2021 
كانت المرة الأخيرة التي استضافت جنيف قمة أميركية - روسية عام 1985، عندما التقى ميخائيل غورباتشوف، وكان حينها لا يزال حديث العهد بدوره كأمين عام للحزب الشيوعي السوفياتي، رونالد ريغان، الرئيس الأميركي الذي اشتهر بمقولته: "الناس لا تقع في المشكلات عندما يتحدثون إلى بعضهم، وإنما عندما يتحدثون عن بعضهم". 
ويبدو هذا تفسيراً جيداً، وإن كان ليس التفسير الوحيد، للسبب وراء اعتقادي أنَّ قمة جنيف، المقررة هذا اليوم 16 يونيو (حزيران)، بين جو بايدن وفلاديمير بوتين، لا يمكنها النجاح ولن تنجح بالتأكيد حتى بالمعايير منخفضة المستوى التي أقرَّها المراقبون لها. 
الحقيقة أن التفسير الذي يطرحه البيت الأبيض حول أن بايدن بحاجة لمقابلة بوتين نظراً لاصطباغ أسلوب اتخاذه القرارات بطابع شخصي، لا يبدو منطقياً. في الواقع فإن العلاقات بين بايدن وبوتين تنتمي إلى نمط من العلاقات يزيده التواصل الشخصي سوءاً. 
جدير بالذكر في هذا الصدد أن بايدن وبوتين سبق وأن عقدا اجتماعاً واحداً مطولاً فيما بينهما، وذلك في 10 مارس (آذار) 2011، ووصف بايدن اللقاء على نحو مفصل في كتابه "عِدني يا أبي" الذي نشره عام 2017. كان بايدن، نائب الرئيس آنذاك، قد سافر إلى موسكو لإقناع بوتين بأن خطة واشنطن لتمديد نطاق منظومة الدفاع الأميركية المضادة للصواريخ إلى شرق أوروبا، ليست تحركاً عدائياً ضد روسيا. من جانبه، أوضح بوتين تماماً عدم تصديقه لهذا الأمر، وهاجم بايدن عندما تحوّلت المحادثة إلى ضم روسيا لأجزاء من جورجيا. 
وقال بايدن إنه كان على اتصال منتظم عبر الهاتف برئيس جورجيا آنذاك، ميخائيل ساكاشفيلي، لحثه على الامتناع عن أي عمل استفزازي. وخلال المقابلة، قال له بوتين: "نحن نعلم بالضبط ما تقوله لساكاشفيلي عبر الهاتف". 
وانتهت المحادثة بتوجيه رئيس الوزراء آنذاك بوتين الدعوة لبايدن لإبداء الإعجاب بفخامة مكتبه، ورد بايدن على ذلك بقوله: "من المذهل معاينة ما يمكن للرأسمالية فعله، أليس كذلك؟" بيد أن الاحتمال الأكبر يميل لأن تكون هذه الملحوظة الساخرة قد أخطأت في إصابة هدفها، خاصة أن بوتين لم يقدم نفسه قط كعدو للرأسمالية، بجانب أن مكاتب كبار المسؤولين كانت على ذات القدر من الفخامة في عهد الشيوعيين. 
وكتب بايدن أنه قال لبوتين وهو يبتسم: "سيدي رئيس الوزراء، أنا أنظر في عينيك وأعتقد أنه ليس لديك روح". ونظر إلى بوتين للحظة ورد الابتسامة وقال: "إننا نفهم بعضنا، وكان هذا صحيحاً". 
بمعنى آخر، فإن بايدن لم يهتم بما إذا كان قد أهان بوتين، الذي يعرف عنه كونه مسيحياً أرثوذكسياً متديناً. وفي المقابل، رد بوتين على ذلك بما يمكن تفسيره فقط بأنه إعلان عداء. ومنذ هذا اللقاء شديد الفتور، تحدث الرجلان عن بعضهما أكثر من حديثهما إلى بعضهما. 
من ناحيته، كرر بايدن مراراً ادعاءه بخصوص افتقار بوتين إلى روح، وأضاف إلى ذلك في وقت قريب أنه يعتبر بوتين "قاتلاً" وهدد بجعله يدفع ثمن تدخله المزعوم في الانتخابات الأميركية. ورد بوتين بقوله: "هو مَن يقول إنني فعلت ذلك"، مضيفاً أنه ما من خيار أمام الولايات المتحدة سوى التعامل مع روسيا بشروط روسيا. 
بطبيعة الحال، فإن الكيمياء الشخصية ليست كل شيء في العلاقات بين الزعماء. وعلى ما يبدو، كان بوتين يشعر بالإعجاب تجاه دونالد ترمب، ومع ذلك أخفق الاجتماع الكبير الوحيد بينهما، في هلسنكي 2018، في تحقيق أي شيء. رغم ذلك، سيحول النفور المتبادل والواضح بين بوتين وبايدن دون إنجاز أي تقدم، حتى ولو كان التقدم في المتناول. وترتبط فكرة الاحتراف السياسي لدى بايدن بدرجة كبيرة بمدى تمتع الشخص بشخصية محبوبة وموهبته في الثرثرة. في المقابل، ينصب اهتمام بوتين على الحسابات الباردة. 
وبينما يحمل بايدن معه النماذج النمطية للشخصيات المرتبطة بحقبة الحرب الباردة المتعلقة بمسؤولي الاستخبارات السوفياتية "كيه. جي. بي" والشيوعيين السوفيات، نجد أن بوتين الذي يصغره بعشر سنوات يحمل بداخله مظالم ترتبط بما بعد الحرب الباردة. 
وفي خضم هذا الصدام بين الشخصيتين، لا توجد مساحة لنمط الثقة الشخصية القادرة على تخطي الأزمات، على غرار الثقة التي كانت قائمة بين غورباتشوف وريغان، أو تلك التي كانت قائمة، لبعض الوقت على الأقل، بين بيل كلينتون وبوريس يلتسين. 
المؤسف أن حالة الكراهية بين بايدن وبوتين تعكس العلاقة بين البلدين، التي أصبحت أقرب للموت عنها إلى الحياة، حالة يفضلها الزعيمان لما تحمله لهما من منافع سياسية متبادلة. من جانبه، فإن بوتين الذي راهن كثيراً على التنديد بالمعارضة الروسية باعتبارهم "عملاء أجانب" يتحركون تبعاً لأوامر الغرب، بحاجة إلى وجود الولايات المتحدة كعدو. 
أما بايدن، فلا يملك رفاهية الظهور بمظهر مَن يتودد إلى بوتين. جدير بالذكر في هذا الصدد أن بايدن تحاشى، الشهر الماضي، فرض عقوبات ضد شركات التشغيل الألمانية المشاركة في مشروع خط أنابيب "نورد ستريم 2". ورغم أنه كان يحاول من خلال ذلك الإبقاء على علاقات طيبة مع ألمانيا التي تعد حليفاً محورياً للولايات المتحدة، فإن هذا لم يعفه من الاتهامات بأنه متراخٍ في التعامل مع روسيا. 
وتعرض بايدن بالفعل لانتقادات شديدة بسبب أسلوب تعامله مع روسيا، ويبدو أن بعض المعلقين يظنون أن بايدن يملك الأدوات اللازمة لنسف حكومة بوتين من الوجود، لكنه لسبب ما يفضل عدم الإقدام على ذلك. 
باختصار، فإن بايدن لا يمكن أن يخسر إذا ظهر بمظهر الصارم في تعامله مع بوتين. على النقيض، فإن ظهوره بمظهر شخص غير صارم بما يكفي تجاه روسيا يضعه على الفور في مرمى الانتقادات. 
وفي ظل هذه الطبقات المتعددة من غياب الثقة الشخصية والمواءمة السياسية، فإنه لا توجد قضايا تذكر بين الولايات المتحدة وروسيا يمكن للاثنين مناقشتها على نحو يضمن النفع المتبادل. 
عندما التقى ريغان وغورباتشوف عام 1985 كان لقاؤهما كزعيمين للقوتين العظميين الوحيدتين والدولتين القادرتين ليس فقط على تدمير بعضهما، وإنما العالم بأسره. وكان هذا العبء من المسؤولية المشتركة القوة الموجهة لما دار في اجتماع فيينا. 
أما اليوم، فإنه رغم استمرار اعتماد الولايات المتحدة وروسيا في قوتيهما على ترسانتيهما النوويتين الواسعتين، فإنه بدلاً من أن تفرض الترسانتان على الدولتين شعوراً بمسؤولية مشتركة، نجد أن هذا التوازن في القوى يشجع بوتين على اتخاذ تحركات عدوانية في الجوار المباشر لروسيا والشرق الأوسط وأفريقيا مع إفلاته من العقاب. وعليه، فإن الحفاظ على التوازن النووي يبدو القضية الوحيدة المنطقية المشتركة بين الدولتين.