الرئيسة \  واحة اللقاء  \  متى يتحرر العراق من "وصاية الفقيه والميلشيات"؟

متى يتحرر العراق من "وصاية الفقيه والميلشيات"؟

22.10.2014
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الثلاثاء 21-10-2014
التقى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع المرجع الشيعي الاعلى اية الله علي السيستاني في منزله في مدينة النجف امس في زيارة هي الاولى من نوعها منذ توليه المنصب قبل اكثر من شهر .
وحسب تصريحات العبادي فقد تلقى منه توجيهات تتعلق بـ " ضرورة اسناد الوضع العسكري في البلاد والاهتمام بالمواطنين والمتطوعين في مقاتلة داعش، والانفتاح على الاخرين والوحدة الوطنية وملاحقة الفاسدين "، كما اشار الى رفض دخول اي قوات برية الى العراق.
وجاءت زيارة العبادي للسيستاني غداة استكمال تشكيل حكومته، وخاصة حقيبة الداخلية التي ذهبت الى محمد سالم الغبان، وهو قيادي في ميلشيا "فيلق بدر" الشيعية المتهمة محليا ودوليا، بارتكاب جرائم طائفية.
وبالرغم من الاهداف النبيلة التي ترمي اليها "وصايا" المرجعية الشيعية لرئيس الوزراء، الا انها في النهاية "ذات طبيعة سياسية" وليست "روحية او دينية"، وهو ما يطرح اسئلة بشأن طبيعة علاقة النظام برجال الدين، وكذلك دور الميلشيات في الحكم الفعلي للبلاد.
الواقع ان المرجعية الشيعية لم تتوقف عن الاضطلاع بدور سياسي بارز في العراق، منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، عندما اصرت على التعجيل باجراء الانتخابات في اسرع وقت ممكن، من دون تهيئة الاجواء التوافقية المناسبة، وهو ما أسس لمبدأ المحاصصة الطائفية التي مازالت اساسا للنظام السياسي حتى اليوم، كما خلق حالة من الاستقطاب الطائفي سرعان ما تحولت الى حرب اهلية في العام 2006. واثبتت المرجعية " قوة حاكميتها السياسية" مؤخرا عندما اجبرت رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على الرحيل، وهو ما عجزت عن تحقيقه ضغوط القوى السياسية من انصاره وخصومه مجتمعة.
ولا شك في ان سر هذه القوة يكمن في المقام الروحي الرفيع الذي تشغله المرجعية عن جدارة في قلوب كثير من العراقيين، الا ان ثمة خلطا للأوراق هنا يستدعي اعادة للنظر في التركيبة البنيوية للنظام السياسي الذي اصبح خاضعا الى " وصاية الفقيه وتسلط الميلشيات". ومن النقاط التي يجدر ملاحظتها في هذا المجال:
اولا- ان ابداء المرجعية الشيعية آراء سياسية لا تحظى دائما بالاجماع الشعبي او السياسي، قد يعرضها لما يعانيه اي سياسي بشكل شبه دائم من انتقادات او اتهامات، ومنها الانحياز الى اتباع مذهب دون آخر او دعم اجندة اقليمية دون اخرى، وهذا لا يتفق مع مكانتها الروحية الرفيعة التي يفترض ان تبقى فوق الخلافات.
ثانيا- ان قيام رئيس الوزراء العراقي بزيارة المرجع الشيعي وتلقي توجيهات منه، يكرس شعور العراقيين من غير اتباع المذهب الشيعي، بانهم وقعوا تحت حكم طائفي، خاصة ان العبادي لا يتلقى نصائح سياسية من مراجع سنية او مسيحية عراقية.
ثالثا- قد يبدو العبادي معذورا في "حجه" الى بيت السيتساني، كما فعل من سبقوه خلال السنوات العشر الماضية، خاصة وهو يدرك انه لولا دعم المرجعية لما اصبح رئيسا للوزراء. وهنا تبرز الحاجة الى بناء حالة من الوعي السياسي الشعبي تفصل بين احترام المكانة الروحية للمرجعية، وحقيقة ان النظام السياسي يجب ان يقوم على مبدأ المواطنة بغض النظر عن الاعتبارات الدينية او الايديولوجية. وهو كلام سهل قوله، الا ان ترجمته عمليا قد تحتاج الى سنوات من نهضة ثقافية شاملة.
رابعا- قد يكون تلخيصا بليغا للمأزق في العراق، ان منصب وزير الداخلية التي يفترض ان تواجه الاستقطاب او الاقتتال الطائفي قد حصل عليه قيادي في ميلشيا طائفية. انه نظام "ميلشياوي" في بنيانه، وهو ما يفسر لماذا يزداد المأزق السياسي والامني عمقا. الواقع المؤلم انه لا يوجد ضوء في نهاية النفق. وقد انضمت ميلشيا "الحشد الشعبي" الشيعية مؤخرا الى قائمة مشابهة تضم فيلق بدر وسرايا السلام وعصائب الحق وغيرها. وهي متهمة جميعا باعمال عنف طائفية. وكان طبيعيا ان يضغط السنة باتجاه تشكيل ميلشيا "الحرس الوطني" في غرب العراق وشماله، وسط معارضة قوية من المعسكر الشيعي. بينما اصبح الجيش العراقي كالحاضر الغائب، خاصة بعد ما عاناه مؤخرا من انتكاسات قوية في الانبار امام قوات داعش التكفيرية المحسوبة على السنة وتكاد تسيطر على نصف مساحة العراق.
لقد انفجر العراق طائفيا فعلا،على خلفية النفوذ الايراني الواسع على الارض والهيمنة الجوية لامريكا وحلفائها، ووصاية المرجعية الشيعية، وتسلط الميلشيات الطائفية، سواء سنية او شيعية. اما العملية السياسية فتحولت الى قنبلة دخان للتغطية على التقسيم العرفي – الطائفي المؤلم الحاصل، والذي ترك وراءه قرابة المليوني نازح.