الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حول مؤتمر سوتشي

حول مؤتمر سوتشي

06.02.2018
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 5/2/2018
منذ أن أسهمت روسيا بشكل مباشر في تخفيض حدة المعارك بسوريا، حاولت تظهير نجاحها الميداني عبر جولات أستانا، بالتعاون مع تركيا وإيران، من أجل ضبط الميدان العسكري، ما يسمح لها بإطلاق مسار سياسي، يتناسب مع رؤيتها للمسألة السورية برمتها، وقد أرادت أن يكون المسار السياسي بديلاً عن العملية الانتقالية، بالصيغة التي جاءت في قرار الأمم المتحدة 2254، الذي نص على "تشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات برعاية أممية".
وقد تم التعويل على مفاوضات جنيف من أجل تحقيقه، لكن روسيا فعلياً عملت على تحويل معادلات الميدان العسكري، لخفض سقف تطلعات المعارضة من الحل السياسي، وبناء مسار مختلف كلياً عن مسار جنيف.
أرادت موسكو إيجاد شرعية لطرحها السياسي، القائم على البدء من بحث الدستور السوري، ولأجل ذلك قامت بتوسيع قاعدة المدعوين إلى "مؤتمر الحوار الوطني" في سوتشي، الذي دارت أعماله على مدار يومي 30 و31 يناير/كانون الثاني الماضي، وقد ضمّت قائمة المدعوين إلى المؤتمر حوالي 1600 شخصية سورية من داخل سوريا وخارجها، في مسعى لجعل المؤتمر نفسه مصدر الشرعية للجنة الدستورية التي ستنبثق عن المؤتمر، من أجل صياغة دستور جديد لسوريا.
ترى موسكو أن الوصول إلى التغيير في نظام الحكم في سوريا، يجب أن يكون متدرجاً، وتتناقض هذه الرؤية مع آليات جنيف التي تهدف إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي، من شأنها بحسب موسكو أن تقوّض مؤسسات الدولة في سوريا، وبالتالي فهي ستقوّض الكثير من مصالح موسكو، لمصلحة دول إقليمية، حليفة للمعارضة السورية، وفي هذا الجانب تتقاطع موسكو وطهران، حيث ترغب طهران في ضمان أكبر نفوذ لها من داخل مؤسسات الدولة والنظام السياسي، وأجهزته الأمنية.
وعلى الرغم من وجود عقبات كبيرة في وجه هذه الرؤية، إلا أن موسكو أصرّت على عقد "مؤتمر الحوار الوطني" بمن حضر، بحيث تقوم لاحقاً بتدوير الزوايا، وحلحلة العقد، خصوصاً مع قوى المعارضة الرافضة، وهي الآلية ذاتها التي اتبعتها في مفاوضات أستانا، حيث رفضت الكثير من الفصائل المسلحة حضور "أستانا" عند انطلاقته، لكن سرعان ما عادت وانخرطت فيه، وبالتالي فإن موسكو تجد بأن المطلوب بداية هو تأمين شرعية "مؤتمر الحوار الوطني"، وجعله مرجعية من مرجعيات الحل السياسي، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة لاحقاً إلى بناء ترتيبات مع قوى المعارضة الرافضة للمسار الروسي، بل وجعل المؤتمر نفسه، وما سينبثق عنه، عاملاً دافعا للمعارضة السورية، بحيث تخشى أن تبقى خارج إطار التسويات.
 
لكن موسكو عبر هذه المقاربة تتغافل عن مسألة جوهرية، وهي أن الدول الإقليمية كانت راغبة في تخفيض الصراع المسلح في سوريا، وأن أمريكا لم تمانع أن تلعب روسيا دوراً أساسياً في هذا المجال، لكن ترتيبات الحل السياسي مسألة تمسّ ترتيبات مجمل منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإن أي حل سياسي لا يأخذ في الحسبان محصلة المصالح الإقليمية، لن يكون من السهل تمريره، وسيكون من السهل خلط الأوراق من جديد.
كما أن مسائل جوهرية في صلب الحل السياسي لا تنال الأهمية المطلوبة، فمسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار واحدة من المسائل المعقّدة التي ينبغي أن يشملها الحل السياسي؛ إذ لا يمكن إقناع ملايين اللاجئين بالعودة إلى بلدهم، قبل إحداث تغيير ملموس في بنية وشكل النظام السياسي، فالهوّة الموجودة في سوريا لا تقتصر على خلاف سياسي بين نظام ومعارضة، فقد تحوّلت بفعل ممارسات التهجير، إلى علامة افتراق واسعة بين تلك الملايين وبين النظام السياسي.
اقتصار مسعى "مؤتمر الحوار الوطني" على تشكيل لجنة دستورية لا يصب في مصلحة بناء توافقات سورية سورية، أو بناء توافقات روسية مع أمريكا ودول الإقليم؛ إذ إن التأسيس لدستور جديد مسألة وطنية وسياسية، ولا يمكن لها أن تحدث من دون بناء خطوات ثقة كبيرة، وفي مقدمتها إطلاق سراح آلاف المعتقلين، وإطلاق الحريات، وبناء مناخ وطني يسمح للسوريين بالتفاعل فيما بينهم، من أجل الخروج من الثنائيات التي أوجدتها السنوات السابقة، وإعادة الثقة لهم بإمكانية مشاركتهم في وضع عقد وطني جديد، عبر ممثليهم الحقيقيين!