الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وفاء الأسد.. من “ساعة كوهين” إلى “رفات بوميل”

وفاء الأسد.. من “ساعة كوهين” إلى “رفات بوميل”

07.04.2019
نزار السهلي


جيرون
السبت 6/4/2019
لم تنجُ متعلقات السوريين، ولم يشاهدها ذوو الضحايا. ورقة كُتب عليها سبب الوفاة “نوبة قلبية”، هي كل ما حظيت به أفئدة السوريين والسوريات المكلومة، وغيرها عشرات الآلاف لم يعثر لها على أي أثر، ربما تم حرقها وتحولت إلى رماد، أو دُفنت من دون أرقام، كما أظهرت صور لجرافات النظام وهي تجرف جثث السوريين، بعد قتلها بدم بارد، في أكثر من مكان في سورية، وحدها المأساة تدفعنا إلى أن نتذكر وقائع الموت، بهذه المفارقة المخزية، مع كل خبر وسلوك يؤكد وظيفة النظام في المنطقة، والأخبار تتوالى من موسكو وتل أبيب لتذكرنا بالفاجعة المستمرة.
مر أكثر من نصف قرن، على موت الجاسوس الإسرائيلي إلياهو كوهين في سورية، وبقيت مسيرته المثيرة، في عهد وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، الذي بفضله تمكن كوهين من اختراق الجبهة في الجولان، ونقل كلّ المعلومات -بمساعدة حافظ الأسد- إلى “إسرائيل”. والقصة معروفة، ولا حاجة إلى إعادة سردها، لكن اللافت في أخبار اليوم هو الزعم بـ “نجاح إسرائيل” في استعادة رفات جثة جندي إسرائيلي (زكريا بوميل) كانت مختفية منذ 37 عامًا، بعد معركة السلطان يعقوب. وقبل عام من الآن، أكدت المصادر الاستخبارية الصهيونية، نجاحها في استعادة ساعة الجاسوس إيلي كوهين التي كان يحتفظ بها النظام السوري، طوال أكثر من نصف قرن.
حادثة نقل رفات الجندي الإسرائيلي “بوميل” من سورية إلى “إسرائيل”، تكشف عن عمق التنسيق الإسرائيلي – الروسي، مع النظام السوري، فهي تأتي بالتزامن مع زيارة نتنياهو إلى موسكو، ولقائه الرئيس بوتين الذي يحرص على سلامة جنود الاحتلال، وحق إعادتهم إلى “مسقط رأسهم” كي ينعموا بـ “دفن ووداع لائق”. بوتين الحريص على إعادة كل الغنائم التي خسرها الاحتلال، أوصى قبل ثلاثة أعوام، من خلال قرار رئاسي، بإعادة دبابة إسرائيلية غنمها الجيش السوري، في تلك المعركة التي قُتل فيها الجندي الذي أُعيد رفاته اليوم.
وبعد أيام من توقيع ترامب قرار الاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان، والغارة الإسرائيلية على محيط مطار حلب؛ يفترض، على الأقل لحفظ ماء “خفير المحرس” في المهاجرين، إبداء موقف يظهر فيه انزعاج حليف الممانعة بوتين، من سياسة ترامب ونتنياهو الذي يُستقبل في موسكو استقبال الأبطال، بحفاوة منقطعة النظير، مع كثير من العطايا المعنوية، قُبيل الانتخابات الإسرائيلية، فبين ساعة كوهين المستردة ورفات بوميل، كثيرٌ من الوضوح، يقدمه الحليفان الروسي والإسرائيلي، ليست الدبابة الإسرائيلية في المنتصف، بل السورية مع الصاروخ الروسي والطائرة التي فتكت بأجساد مئات آلاف السوريين، وهجّرت الملايين منهم في أصقاع الأرض.
في عهد الأسدين الأب والابن، تتساقط أوراق التوت، ولم يعد السوري بحاجة إلى قرائن عن وظيفة الوريث، الذي ورث عن أبيه وظيفةً طورها بما يُلائم الطبيعة المكشوفة، ولسنا بحاجة إلى التدليل على حالة الانحدار والانحطاط التي يتعامل بها المحتل الروسي والإسرائيلي مع النظام، فهو يكثف طبيعة الحالة والوظيفة، منذ بداية الثورة السورية.
في البداية، أدرك النظام حجم “خطيئته”، حين سلّم بعض الجثث لذويها ممهورة بدمغات وحشيته، في درعا وبقية المدن السورية، فأصبح حمزة الخطيب أيقونة، وصار القاشوش وغياث مطر ومئات من الذين تركت ساديته الوحشية أثرًا على أجسادهم، رموزًا ثورية، بعد ذلك أصبح نهج الإخفاء الكلي للضحايا أسلوبًا من أساليب مواجهة الشعب السوري، أما المحتل فقد حرص الأسد على الحفاظ على مقتنيات ضحاياه، والحفاظ على رفات وقبر وسلاح العدو.
في رسائل ساعة كوهين ودبابة وجثة بوميل، تأكيد وحرص من بوتين على نقل رسالة إلى نتنياهو مع كل الغنائم المستردّة. لم تكن الرسالة محصورة بقدرة الأسد على حفظ هدوء المحتل في الجولان، ولا بمساعدة موسكو للأسد، بأن يكون الخفير الأمين على محرس المحتل، يكفي النظر في وجه بوتين في موسكو مع نتنياهو، لنعرف أي عطاء وفير يوفره مخدومهم في دمشق، كل شيء يُختصر، من ساعة كوهين إلى رفات بوميل، فيما اللاجئون من فلسطين في سورية يندبون فاجعتهم، عندما حرقت طائرات الأسد كواشين أرضهم، وبعثرت أثر أحبتهم، وأبقت على الدبابة (ماغاش) والساعة وجثة بوميل، فتلك آثار أبقى وأنفع لتقديم عربون الوفاء.
ختامًا، نورد هذه النكتة، التي تم تداولها قبل 33 عامًا، وسمعتُها في كلية المدفعية في حلب، تقول: “كان هناك جندي سوري يغنم كل شهر دبابة إسرائيلية، فتحول إلى بطل في قطعته وذاع صيته، إلى أن علم بأمره أحد الضباط، فطلبه إلى التحقيق، وهناك قال الجندي للضابط: أعطني الأمان يا سيدي، فقال له: لك ما طلبت، فردّ عليه: يا سيدي، أنا أخدم على الجبهة بسلاح الدبابات، أُعطي للإسرائيلي دبابة سورية، وهو يعطيني دبابة إسرائيلية، هو يُدبّر نفسه هناك، وأنا أُدبّر نفسي هنا”. وهذا ما سار عليه النظام السوري، مُعتقدًا أنه سيتحول -من خلال هذا المسار- إلى بطل ذائع الصيت.