الرئيسة \  واحة اللقاء  \  يوم هدرت النواعير بالدّم

يوم هدرت النواعير بالدّم

04.02.2019
سليمان نحيلي


حرية برس
الاحد 3/2/2019
لم تنهمر بالمطر الحنونِ سماء حماةَ في ذاك الصباح الشّتويّ!
هطلت بالقنابل والحمم والحقد..!
ولم تهدرْ بالماء نواعيرها في ذاك الصباح..
هدرتْ بالدّمِ ولون النجيعِ والنّواح..!
والأرض لم تبزغْ عن غُررِ العشب المبشّر بربيعٍ قادمٍ بعد أيام..
بزغتْ من الأرض دبابات ومدافع رمت بالموتِ والفزعِ أهالي المدينة النائمينَ الآمنين بحمى العاصي..
العاصي أبدَ الجريانِ على طبع أنهار الشام، وعلى ظلم طغاة الشام…!
تأتي ذكرى مجزرة حماة، وفي القلب نارٌ لم تَنُس بالرغم من مرور ثمانٍ وثلاثين عاماً وألف حزنٍ على ارتكاب نظام الأسد الأب لها، والتي زاد سعيرها وريثه في الإجرام ابنه بشار على مدار ثماني سنوات مضت منذ ربيع 2011 وحتى هذه اللحظة.
مازالت صبيحة يوم الثاني من شباط من عام 1982 ماثلةً حيّةً في أذهان الشعب السوري ما دامَ العاصي يجري.
بطبع من الغدر المتأصل في نفوس آل الأسد وجيشه العقائدي ومع خيوط الفجر الأولى شنّت قوات حافظ الأسد بقيادة شقيقه الأصغر العقيد المجرم رفعت قائد قوات سرايا الدفاع حملةً عسكرية وحشيّةً بمؤازرة القوات الأمنية والفصائل الحزبية على مدينة حماة.
حماة.. تلك المدينة القلب من الوطن والتي كانت توزّع على شقيقاتها الخير والماء والعصافير وشوق الضفاف.
ادعى النظام أنّ هذه الحملة كانت لإنهاء عصيان الإخوان المسلمين، إلا أنه كان للطاغية مآربُ أخرى تجاه مدينةٍ أبتْ الظلم والاستبداد، مآرب أراد منها حافظ الأسد وزبانيته أن يجعل من حماه أمثولةً وعبرة لكل معارضٍ وقف في وجه الطغيان وصرخ لا لنظامٍ كان شعاره الزور هو الحرية إلى جانب الوحدة والاشتراكية.
ولتفادي الاحتجاجات الشعبية والإدانات الدولية، فرض النظام على المدينة طوقاً من الحصار والتعتيم الإعلامي المطبق.
وكما عادة الجيوش في حروبها مع الأعداء بدأ الجيش العقائدي هجومه بالقصف التمهيدي من الجو والبر على المدينة، قيل لبعض الجنود يومها أنهم ذاهبون لمحاربة إسرائيل، ولم يدرِ الجنود أنّ الطغاة لايزوّرون التاريخ فقط بل والجغرافية فكان الطريق إلى “إسرائيل” يمر ّمن حماة.
كانت تلك الحملة حرباً بكل قسوة الحرب لكنها على حماة كانت حرباً وحشيةً استبيحت فيها المدينة على مدار 27 يوماً، فكانت الإبادة الجماعية عنوانها الشامل ،دخل الجنود مدججين بحقدٍ طائفيّ المدينة بيتاً بيتاً، ولم تدّخر بنادقهم وسكاكينهم رجلاً ولا امرأةً، كبيراً أو صغيراً أو حتى جنيناً في رحم أمه، قتلوا ومثّلوا واغتصبوا ونهبوا وأحرقوا ودمروا، وأُزيلت أحياء بكاملها عن الوجود وخاصة الأحياء الأثرية في قلب المدينة وسُوّيت أكثر من (70) مئذنة من مساجدها و(4) كنائس في الأرض ولم يشفِ غلّهم إلا سقوط أكثر من (40) ألف شهيد تمّ دفنهم في مقابر جماعية، وفقدان(15) ألف شخص إثر المجزرة لا يُعرف حتى هذه اللحظة أهم أمواتٌ أم أحياءٌ في سجون النظام العسكرية؟ ونزوح زهاء(100)ألف من سكانها إلى مختلف أنحاء سورية وخارجها.
وكعادة الجبان المنتصر على عدوٍ ضعيف أعزل، وإرضاءً لساديّتهم وحقدهم -وفي مشهد ورثه الطاغية بشار عن أبيه وعمه وطبّقه بحذافيره في حربه على الشعب السوري الثائر ربيعَ العام 2011- نادى عبيد البعث وعُبّاد الصنم حافظ على من تبقّى من الأهالي عبر مكبرات الصوت للخروج من منازلهم إلى الاجتماع في إحدى الساحات لإقامة مهرجان جماهيري يهتفون فيه بحياة قاتل أبنائهم، فيما أجهز أحفاد هولاكو على من آثر البقاء في منزله خوفاً من الموت.
أمّا منظمة العفو الدولية فقد وصفت تلك المذبحة في حينها بأنها (مجزرة القرن العشرين) تلك المنظمة وغيرها التي سدّت أبوابها في وجه الكثير من الحقوقيين السوريين المعارضين الذين طالبوا بمحاكمة مرتكبي الجريمة والمسؤولين عنها، ويفتح تحقيق دولي بشأنها، تلك المنظمات التي ثبت أنّ أقصى ما تضطلع به من مهام هو التوصيف ليس إلّا، وليبقى بذلك منفذ الجريمة رفعت الأسد محاطاً بكل أنواع الحماية في قصره في باريس، وليكون بقاؤه دون محاكمة في بلد الحريات والثورة الفرنسية وصمة عارٍ بحق العالم المتحضر الذي يدّعي الانسانية، وشاهداً ماثلاً على تواطئٍ دوليّ مع المجرم في ارتكاب مجزرة رهيبة مسيجة بصمتٍ تفوح منه رائحة التواطؤ التآمري والاشتراك الجرمي.
وبذلك انتهت فصول الروايةِ المجزرةِ التي تركت آثاراً سلبية على السوريين كافة، بحيث بقي الخوف معشعشاً في نفوس السوريين إلى ثلاثين سنة قادمة حتى كسروا حاجز الخوف الرهيب عند انطلاقة الثورة السورية ربيعَ العام 2011.
صحيح أن تلك المجزرة وقعت بالفعل،لكن التاريخ لن يرحم فجريمة حماة وسائر جرائم بشار لا تسقط بالتقادم مهما مرّ عليها الزمن، ولابدّ أن يأتي ذلك اليوم الذي سينتصر فيه السوريون الأحرار لدماء شهداء كل مجازر آل الأسد بحق الشعب السوري الأصيل.
فأعمار الطغاة وإن عمّروا محدودةٌ، وللظلم جولةٌ وللحق جولات والعاصي لن يكفّ عن الجريان