الرئيسة \  واحة اللقاء  \  وهم الحل السياسي في سوريا

وهم الحل السياسي في سوريا

08.05.2018
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 7/5/2018
عرف السوريون خلال سنوات الصراع الماضية عدداً من الأوهام التي أسهمت في دفع الأمور في كافة مستوياتها لتصل إلى ما وصلت إليه، وقد شارك مختلف اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين في صناعة تلك الأوهام وترويجها، بل وجعل بعضها سبباً في المزيد من التعنت، وعدم تقديم التنازلات المطلوبة، من أجل إيجاد مخرج حقيقي، يمنع تمزيق البلاد، وتقسيمها إلى مناطق نفوذ للدول الإقليمية والدولية، وجعل السوريين مجرد بيادق على أرضهم، من دون أن يمتلكوا أي خيارات تذكر في قضيتهم.
ومن بين الأوهام الكثيرة، يمتلك وهم الحل السياسي مكانة بارزة، فمنذ بداية تفجّر الصراع، ظهرت دعوات عديدة للحوار بين السلطة والمعارضة، بل أن السلطة نفسها سمحت للمعارضة السورية بعقد مؤتمر للحوار في العاصمة دمشق، وهو "اللقاء التشاوري" الذي عقد في 27 يونيو/ حزيران 2011، أي بعد حوالي ثلاثة أشهر من بداية الأزمة، لكن نتائج اللقاء، وعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي تضمنتها، فقد لاقت رفضاً من النظام ومن صقور المعارضة على حدّ سواء.
تمسك النظام والمعارضة بشعار "الحل السياسي"، ليس انطلاقاً من قناعة جذرية راسخة بأنه الحل الوحيد، أو يجب أن يكون الحل الوحيد في صراع وطني، فقد اعتمد النظام منذ اليوم الأول للاحتجاجات الشعبية على الحل الأمني/ العسكري، مستنداً إلى ما راكمه من فائض القوة خلال عقود، وإلى تجربة المواجهة بينه وبين تنظيم "الإخوان المسلمين" في مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي، حيث كانت القوة العسكرية هي الحل الذي اعتمده النظام، والتي ضمنت له إخضاع السوريين لثلاثة عقود مقبلة.
من جهتها، فإن المعارضة، بل لنقل صقور المعارضة، وفي مقدمتهم "الإخوان المسلمين"، فقد دعوا إلى حل عسكري صريح، مستندين إلى سابقة تدخل "الناتو" في ليبيا، وإلى قناعة راسخة عند كثر من صقور المعارضة، مفادها بأنه لا يمكن إسقاط النظام إلا من خلال القوة العسكرية، وقد تكرّس هذا الخيار أكثر فأكثر مع ظهور الفصائل المسلحة، المدعومة من الخارج، تمويلاً وسلاحاً.
وعلى الرغم من مرور الصراع السوري في لحظات مفصلية كثيرة، كان من الممكن أن تشكل فرصة سانحة للطرفين في إعادة النظر بمواقفهما وخياراتهما، إلا أنهما لم يستغلا تلك الظروف والتحولات، بل على العكس من ذلك، فقد مضى الطرفان في التمسك بخياراتهما، من دون الأخذ بالحسبان بأن سوريا التي يتصارعان عليها تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى ساحة حرب للقوى الإقليمية والدولية، والتي أصبحت تستخدم الطرفين لمصالحها، وقد سحبت منهما القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة عنها.
وفي السياق نفسه، فإن القوى الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من إعلانها أن الحل في سوريا هو حل سياسي (بيان جنيف واحد، في 30 يونيو/ حزيران 2012)، بل أنه الحل الوحيد، لكن السلوك العملي لجميع تلك القوى يدل، وبما لا يقبل الشك، بأنها لا تريد حلاً سياسياً، بل أنها مضت فعلياً في تبني الحلول العسكرية، ليس فقط كتكتيك من أجل الضغط على أطراف الصراع، للقبول بالحل السياسي، وإنما كسلوك استراتيجي في التعامل مع الصراع، لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، حيث إن كل القوى الخارجية تؤمن بأن الصراع السوري هو صراع من أجل تثبيت خرائط نفوذ جديدة لها، وبالتالي فإن طموحات السوريين وآلامهم ومصائرهم ليس لها مكان على أجندة تلك القوى.
إن اتفاق "خفض التصعيد"، الذي رعته روسيا بشكل أساسي، من أجل تخفيض حدّة القتال، وفرز خطوط التماس، من أجل الدفع بالعملية السياسية، تمّ استخدامه لاحقاً من قبل روسيا نفسها من أجل المضي بالحل العسكري، فقد تبنّت نسقاً واضحاً في الانقضاض على تلك المناطق واحدة بعد أخرى، وقامت إلى جانب إخراج المقاتلين منها، بتهجير أعداد كبيرة من سكانها، وهو ما يتناقض مع اتفاق "خفض التصعيد" نفسه، ومع كل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين، وفي مقدمتها اتفاقية "جنيف الرابعة".
لقد تمّت تعرية الحل السياسي من كل مقوماته، واستهلكت السنوات السابقة آخر رمق في هذا الوهم، وقد تمّ تقزيم الحل السياسي من حل يقوم على أسس محددة، تضمن للسوريين إعادة بناء نسيجهم الوطني، والاتفاق على عقد اجتماعي جديد، مؤسَّس على الحريات والمواطنة، إلى حل سياسي يضمن مصالح الدول المنخرطة في الصراع السوري، بما يسمح بتقاسم النفوذ فيما بينها، والاستثمار طويل الأمد في الثروات النفطية والغازية، ويعزز مكانتها في الصراع الدولي، وهو ما يعني أنه حل سياسي لن يستفيد منه المجتمع السوري، والذي ستمتد مأساته إلى سنوات، وربما عقود أخرى.