الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بين تونس وسوريا

بين تونس وسوريا

26.11.2014
علي نون



المستقبل
الثلاثاء 25-11-2014
لم يُنتخب زين العابدين بن علي لرئاسة تونس بصناديق الاقتراع.. ولم يكن مشهوراً عنه أنه كان ديموقراطياً حريصاً على مبدأ تداول السلطة حرصه على حياته وأمنه.. ومع ذلك فإنه لم يتحمّل أن يُهدَر الدم التونسي فداء بقائه في منصبه رئيساً أبدياً لا يقهره إلا الذي خلقه لأجل مسمّى.
رَاحَ إلى المنفى وأبقى تونس في مكانها. لكنه قدّم مثالاً خادعاً عن إمكانات التغيير بواسطة الشارع بحيث بدا وكأن تكرار ما حصل عنده ومعه في بلد آخر ومع غيره، أمر وارد وممكن.. وحتمي! طالما أن الدنيا صارت معولمة إلى هذا الحد. وطالما أن ثورة الاتصالات صارت صنو البشر أينما كانوا، تخرق الحدود والسدود وتتخطّى وسائل الرقابات النظامية البوليسية المألوفة.. وطالما أن ذلك يعني حصراً وتحديداً أن الحرية صارت مثل الأقدار التي لا تُردّ، وأن النظم والأفكار والماركسيات والبعثيات والشموليات والأصوليات، وكل ما شابه من خرافات، صارت حُكماً خارج الزمن، ولم تعد تليق إلا بالمتاحف وجنباً إلى جنب مع المكتشفات الأحفورية والهياكل العظمية للديناصورات!
.. لكنْ تبيّن أن الفرادة لا تليق إلا ببعض العرب، وبنخب تعيش في الماضي لكنها تدبّ في الحاضر. تمسك بعربة الزمان وتشدّها إلى الخلف، وتعتمد في ذلك على تقنيات القرون الوسطى وفروضها وجزئيات وحشيّتها وتشيعها باعتبارها مرادفة للرفاه والتقدم وخير البشر، ومعاندة للتوحش والإرهاب وثقافة نفي الآخر ونبذه! بل زبدة الحداثة في أصفى تجليّاتها.
يقدم الوضع التونسي مثالاً تغييرياً يكاد أن يكون افتراضياً أكثر منه واقعياً لشدة خصوصيته وحداثته وتميّزه ونجاحه.. في مقابل حالة مضادة تكاد أن تكون افتراضية أكثر من كونها واقعية لشدّة عريها ودمويّتها وتخلّفها وهي التي تمثّلها الحالة الأسدية باقتدار، مدعومة بخزنة ممانعة يمتد شعاعها من حُكم ديني في طهران يجد أبرز تجلياته وإبداعاته بمنع ارتداء ربطة العنق! وسجن فتاة حضرت بين رجال! ويصل إلى حكم ضائع في موسكو جلّ طموحه أن يعتمد الكنيسة كأحد أسلحته للعودة إلى عالم حطّمها ونفاها!
لكن الحكم الديني في إيران مقبول إيرانياً، والحكم الضائع في روسيا مقبول روسياً.. فيما النخبة الأسدية والممانعة الداعمة له، تتميز بتلك الفرادة التي تجعل منها رديفة للعته المزدوج: تعيش في الماضي وتحطّم الحاضر، وجلّ جناها حقول من المقابر وخراب عبثي لا مثيل له حتى في كتب التاريخ.
الفارق الفعلي بين بن علي والأسد هو أن الأول واقعي وعملي والثاني افتراضي وواهم. الأول أنقذ تونس لأنه عرف مسار الزمن ولم يعانده، والثاني حطّم سوريا لأنه افترض قدرة على وقف ذلك المسار ومعاندته: محظوظة تونس. منكوبة سوريا!