الرئيسة \  تقارير  \  "حرب الظل" تتسع... إيران تشتبه باغتيال إسرائيل عالمين بالسم

"حرب الظل" تتسع... إيران تشتبه باغتيال إسرائيل عالمين بالسم

16.06.2022
الشرق الأوسط أونلاين


واشنطن: “الشرق الأوسط أونلاين”
الاربعاء 15/6/2022
تشتبه إيران في قيام إسرائيل باغتيال عالمين إيرانيين بتسميم طعامهما. إذا تأكدت شكوك طهران، فستكون هذه أحدث عملية اغتيال في حرب الظل بين البلدين التي وصلت إلى حد جديد مع اقتراب إيران من القدرة على تصنيع أسلحة نووية.
وحسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، تخرج العالمان من أفضل الجامعات الإيرانية، وتمتعا بصحة جيدة قبل أن يمرضا فجأة في أواخر مايو (أيار)، وينتهي بهما المطاف في وحدات العناية المركزة في مستشفيين بمدينتين مختلفتين تفصل بينهما مسافة 400 ميل تقريباً قبل أن يموتا.
وتعتقد طهران أن إسرائيل قتلتهما بتسميم طعامهما، حسب مسؤول إيراني وشخصين آخرين على صلة بالحكومة تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما بسبب حساسية الموضوع. كان أحدهما، أيوب انتظاري، مهندس طيران يعمل في مركز أبحاث عسكري، والآخر، كمران أغملائي، كان جيولوجياً.
ومما زاد الغموض الذي يكتنف مقتلهما، أن وسائل الإعلام الإسرائيلية والقنوات الإخبارية الفارسية في الخارج ذكرت أن أغملائي كان يعمل في منشأة نطنز النووية الإيرانية. لكن أصدقاء أغملائي نفوا ذلك، وقالوا إنه عمل في شركة أبحاث جيولوجية خاصة. ولم تستطع الصحيفة تأكيد إن كانت لديه أي علاقات مع الحكومة أو أي برنامج أسلحة.
انتظاري حاصل على درجة الدكتوراه في الطيران وعمل في مشاريع تتعلق بالصواريخ وتوربينات الطائرات لمركز فضاء حكومي في مدينة يزد، على بعد حوالي 390 ميلاً جنوب شرقي العاصمة طهران.
وظهرت على انتظاري أعراض التسمم الغذائي بعد حضور عشاء دعي إليه في يزد، حسب موظف في فريق مسؤول إيراني رفيع. اختفى مضيف حفل العشاء وبدأت السلطات بالبحث عنه، حسب الموظف، الذي لم يتم تحديد هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث علناً.
كان أغملائي قد عاد لتوه إلى طهران من رحلة عمل إلى مدينة تبريز شمال غربي البلاد عندما أصيب بغثيان وإسهال شديد، وازدادت عوارضه سوءاً يوماً بعد يوم حتى فشلت أعضاؤه، وتوفي.
إذا كانت هذه الوفيات المتشابهة بشكل غامض، كما تشك إيران، عمليات قتل مستهدفة، فستتناسب مع نمط حرب الظل مع إسرائيل والقائمة بين الطرفين بسرية لتجنب حرب شاملة.
اليوم، يبدو أن حرب الظل تلك تتفاقم. في الأسبوعين الماضيين فقط، هزت سلسلة من الوفيات المرتبطة بإسرائيل إيران. يبدو أن إسرائيل وسعت أهدافها من شخصيات بارزة مرتبطة بالبرنامج النووي إلى عسكريين وعلماء من المستوى الأدنى.
وامتنعت متحدثة باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت، عن التعليق على الحادث الأخير داخل إيران.
لكن إسرائيل عملت في الخفاء لسنوات لتقويض برامج إيران النووية والأسلحة، بما في ذلك عمليات القتل المستهدف للخبراء المشاركين في تلك المساعي. كما هاجمت مواقع عسكرية إيرانية طورت طائرات مسيّرة وصواريخ متطورة.
حاولت إيران بدورها استهداف المواطنين الإسرائيليين في جميع أنحاء العالم، وسلحت ومولت ميليشيات إقليمية معادية لتل أبيب، مثل “حزب الله” في لبنان.
لكن الجزء الأكبر من الصراع تمحور حول البرنامج النووي. تعارض إسرائيل بشدة الجهود، وإن كانت متعثرة، لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية - الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في عام 2018، وخفف الاتفاق العقوبات الاقتصادية على طهران مقابل تقييد النشاط النووي الإيراني.
تعتقد إسرائيل أن الاتفاق لا يحد من أنشطة إيران النووية بدرجة كافية في وقت تشعر فيه بقلق عميق من أن طهران على مقربة من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع سلاح نووي.
لكن مؤيدي الاتفاق النووي يقولون إنه سيحد من تخصيب إيران لليورانيوم، وسيسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة باستئناف مراقبة البرنامج النووي الإيراني وتقليل خطر تطوير إيران لأسلحة نووية.
أكدت إيران منذ فترة طويلة أن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية فقط. لكن تقييماً استخباراتياً أميركياً قبل سنوات خلص إلى أن البلاد كان لديها في السابق برنامج أسلحة نووية، ثم أوقفته في عام 2003.
إذا انهارت المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وسرعت إيران من أنشطتها النووية، أو قللت من التعاون مع مراقبي الأمم المتحدة، فإن الحرب السرية مع إسرائيل قد تتحول إلى صراع مفتوح.
وقال محلل الشؤون الإيرانية في مجموعة “أوراسيا” هنري روما، إنه “سواء كان هناك اتفاق نووي أم لا، فمن المرجح أن يتكثف هذا النوع من النشاط... طهران توسع نفوذها حول إسرائيل، وتل أبيب توسع نفوذها أعمق داخل إيران”.
تشير الوتيرة المتسارعة للهجمات في إيران، جنباً إلى جنب مع التعليقات الأخيرة للقادة الإسرائيليين، إلى تحول في استراتيجية إسرائيل.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، في اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالبرلمان: “العام الماضي كان عام تغيير مسار استراتيجية إسرائيل تجاه إيران. لقد انتقلنا إلى سرعة أعلى. نحن نتصرف في جميع الأوقات والأماكن، وسنواصل القيام بذلك”.
خلال الأسابيع الماضية في إيران، تم اغتيال العضو البارز في “الحرس الثوري” الإيراني صياد خدائي، بعد إطلاق نار عليه من سيارة مارة في طهران. كما قتل مهندس شاب بوزارة الدفاع في هجوم بطائرة مسيّرة. وسقط عضو بارز آخر في “الحرس الثوري” بشكل مريب من شرفة منزل. ثم مات العالمان.
توفي انتظاري (35 عاماً) في 31 مايو. وقال زميل من منشأة الأبحاث العسكرية، حيث كان يعمل على وسائل التواصل الاجتماعي، إنه كان بصحة جيدة في الليلة التي سبقت مرضه فجأة، وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أنه لم يصب أي شخص آخر في عائلته بالمرض رغم أنهم تناولوا جميعاً الطعام نفسه.
وقدم محافظ يزد، حيث يسكن انتظاري، لأسرته شهادة تعزية عدته “شهيداً”، وشكر الأسرة على تضحيتها للوطن. تمنح إيران لقب “الشهيد” تكريماً لمن قتلوا بنيران العدو أو أثناء أداء واجبهم تجاه بلدهم. وصف عضو مجلس مدينة يزد وفاته بـ”الرعب البيولوجي”.
لكن في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للأمن الإيراني، تراجع المسؤولون بسرعة عن وصف انتظاري بـ”الشهيد”، وعن تفاصيل أخرى يمكن أن تشير إلى هجوم إسرائيلي آخر - وهو أمر يمكن أن يحرج السلطات.
وسحب مكتب العلاقات العامة للمحافظ تسمية “الشهيد” بعد يومين، قائلاً إنه خطأ. ونفى مكتب المدعي العام في يزد أن يكون انتظاري مهندس طيران، وبدلاً من ذلك قال إنه موظف عادي في شركة صناعية.
تُظهر الصور ومقاطع الفيديو المنشورة في وسائل الإعلام الإيرانية، التي يرجع تاريخها إلى عام 2019، انتظاري وهو يقدم عرضاً تقديمياً للرئيس آنذاك حسن روحاني في شركة “غدير” للتوربينات الصناعية، حيث عمل انتظاري. كانت هذه الصور متسقة مع فكرة أنه كان يعمل في هذا المرفق الحكومي، وذكر بيان صادر عن رابطة خريجي جامعته أنه كان بالفعل مهندس طيران.
قال محمود انتظاري، أحد أقارب أيوب، على صفحته على “إنستغرام”، إن المهندس كان قلقاً من أن حياته في خطر بعد أن ظهرت صوره مع روحاني في وسائل الإعلام المحلية. كان من المفترض أن تظل الصور، كما قال لقريبه، سرية.
تعامل المسؤولون الإيرانيون بشكل صامت مع قضية أغملائي (31 عاماً) الذي توفي في 2 يونيو (حزيران).
وكانت الإشارة الرسمية الوحيدة لوفاة أغملائي هي بيان تعزية من رئيس “جامعة تربية مدرس” في طهران، قال فيه إنه طالب دكتوراه في الجيولوجيا. وزعم البيان بعد ذلك أنه توفي بنوبة قلبية في مسقط رأسه، إيزه، وهي منطقة صغيرة للطبقة العاملة في مقاطعة خوزستان الجنوبية.
قال الصديق الذي قدم تقريراً عن مرضه فجأة بعد تناول الطعام، إن الأسرة تنتظر نتيجة تقرير تشريح الجثة من مكتب الطبيب الشرعي الذي تديره الحكومة. ولكن نظراً للحساسية المحيطة بالقضية، يشعر الأقارب بالقلق من احتمال عدم مشاركة نتيجة التشريح معهم.