الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صفقة "إس 400" مع تركيا "عرض عضلات" روسي في سوريا

صفقة "إس 400" مع تركيا "عرض عضلات" روسي في سوريا

18.07.2019
رائد جبر


موسكو
الشرق الاوسط
الاربعاء 17/7/2019
تواصلت تداعيات تسليم مكونات الأنظمة الصاروخية الروسية المتطورة من طراز "إس 400" إلى تركيا، وبرزت تعليقات تربط الحدث الذي وصف بأنه "الأبرز في مسار العلاقات الروسية - التركية" بتطورات الوضع حول سوريا، على صعيدي الانعكاسات على الوضع الميداني في هذا البلد، من جانب، ودلالات المشهد الاستعراضي المتعمد لـ"الجسر الجوي" الذي أقامته موسكو خلال الأيام الخمسة الماضية لإتمام عمليات التسليم من الجانب الآخر.
في الشق الأول، ركز محللون روس على الأهمية الكبرى لتكريس "التحالف" الروسي - التركي، في مرحلة معقدة مرتبطة بالوضع في إدلب، وبمساعي الأطراف المنخرطة في النزاع السوري لبلورة رؤية لآفاق الحل النهائي في سوريا.
ولفت خبراء إلى أن "التعزيز الواضح للتعاون التقني العسكري بين تركيا وروسيا يبدو مهماً، ليس فقط على المدى الطويل، ولكن أيضاً في الوقت الحالي، في ظروف الحديث عن خلافات بين موسكو وأنقرة حول إدلب، وكون المشكلة السورية لم تحل بالكامل، ومع القناعة الروسية بأن دور أنقرة في إنهاء النزاع له أهمية كبرى".
وتترك الصفقة، وفقاً لتقديرات روسية، أثراً كبيراً على احتمالات تقريب وجهات النظر التركية الأميركية حول الوضع في الشمال السوري، وهو أمر كانت موسكو تراقبه بدقة وعن كثب، خصوصاً في إطار الحديث عن إنشاء منطقة آمنة أو عازلة على طول الحدود.
وكان لافتاً في هذا المجال، أن التعليقات التي صدرت عن الحكومة السورية حول الصفقة، تجنبت توجيه انتقادات لها، واكتفت بالتركيز على أن هذا الأمر "لا يثير قلقاً لدى دمشق"، وفقاً لبيان الخارجية الروسية الذي أعاد تأكيده أمس، سفير النظام في موسكو رياض حداد.
وبدلاً من استخدام اللغة المعتادة لجهة وصف تركيا بأنها قوة احتلال، قال حداد إنه "في الوقت الحالي تركيا تؤدي دور دولة ضامنة في إطار عملية آستانة، إلى جانب روسيا، وتنسق خطواتها مع القيادة الروسية. لهذا السبب يمكن القول إن هذه المسألة (الصفقة) ليست في دائرة اهتمامنا".
أمر آخر في الصفقة يتعلق بسوريا، إذ برزت تقديرات بأن تركيا قد تنشر المنظومات الروسية المتطورة في المناطق الحدودية مع سوريا، وهذا أمر إذا صح فهو بالتأكيد محور نقاش تفصيلي مع موسكو، وستكون له أهمية خاصة، لأن الصواريخ الروسية المتطورة ستكون قادرة على رصد تحركات الطيران والأهداف الأجنبية في الأجواء السورية والمناطق المحيطة بها من جهة البحر ومن جهة الشمال.
لكن أكثر ما لفت الأنظار هو الشق الثاني المتعلق بشكل تنفيذ الصفقة بهذا الأسلوب "الاستعراضي"، إذ لم يسبق لروسيا أن قامت بتنفيذ بنود صفقة عسكرية بهذه الضخامة والأهمية بشكل مكشوف ومفتوح أمام وسائل الإعلام بهذه الطريقة. وبرزت الإعلانات المتتالية خلال الأيام الخمس الماضية عن قيام طائرات شحن عملاقة روسية من طرازي "أنطونوف" و"إيليوشين" تابعة لوزارة الطوارئ بعدة رحلات (بلغت حتى الأمس عشر رحلات)، وسط مراقبة مباشرة ودقيقة من وسائل الإعلام الروسية والتركية.
ورأت تحليلات روسية أن هذا الاستعراض تم تعمده، ليس فقط لتوجيه رسالة إلى الجانب الأميركي الذي لوح بعقوبات ضد تركيا بسبب الصفقة، بل وأيضاً في إطار "عرض عضلات عسكرية روسية" يشكل امتداداً للعروض السابقة التي قدمتها روسيا منذ الإعلان عن تدخلها المباشر في الحرب السورية في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015.
وسارعت وسائل إعلام روسية إلى إبراز "الانتصار السياسي الكبير لبوتين" في إطار تغطياتها، لتضيفه إلى سجل "الانتصارات الميدانية وتعزيز قدرات الجيش الروسي وتجربة طرازات الأسلحة المتنوعة".
والإشارة هنا، فضلاً عن كونها تركز على الاستعراض العلني، فهي تبرز أيضاً فكرة القدرة الروسية على إظهار "السرعة القياسية في تنفيذ عقد تسلح". وتحمل هذه الإشارة بعداً مهماً يقوم على "قدرة روسيا الفريدة على القيام بعمليات نشر أو إعادة نشر وتموضع لقوات أو معدات وتقنيات عسكرية ثقيلة في سرعة قياسية وفي أي منطقة في العالم". تبدو هذه الرسالة الموجهة إلى واشنطن، وإلى الغرب عموماً، مهمة جداً بالنسبة إلى بوتين، وهي تشكل امتداداً مباشراً للإشارات السابقة حول دلالات التدخل الروسي في الحرب السورية، وتأكيد أن "الكرملين قادر على خلط الأوراق في الأزمات السياسية المستعصية".