الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل ستنتقل الحضارات الإنسانية فعلاً من التصادم إلى التحالف؟ (1-3)

هل ستنتقل الحضارات الإنسانية فعلاً من التصادم إلى التحالف؟ (1-3)

12.12.2018
د. محمد عياش الكبيسي


العرب القطرية
الثلاثاء 11/12/2018
لا شك أن الإنسانية تعيش، ومنذ أمد بعيد، حالة من الصدام الحضاري خسرت فيه الكثير والكثير مما لا يُحصى عدداً ولا عديداً، ولم يكن كتاب "صدام الحضارات" للعالم الأميركي المعروف صامويل هنتنجتون إلا انعكاساً لهذا الواقع الذي لا زالت البشرية كلها تعاني كثيراً وتئنّ تحت وطأته، والكاتب -وهو أستاذ مخضرم في جامعة هارفرد- يبشّر بشكل واضح بتغيّر جوهري في عنوان الصدام، من صدام بين الشيوعية والرأسمالية، إلى صدام ثقافي آخر يكون العالم الإسلامي الطرف الأبرز فيه، والذي يصفه المؤلف بـ "الحدود الدموية".
ليس هنتنجتون وحده هو من يبشّر بهذا الصراع أو الصدام، فظاهرة "الإسلاموفوبيا" كلها تعزز بشكل واضح مثل هذا التوجه، إضافة إلى الشعارات التي أطلقتها القيادة الأميركية في حملتها الأخيرة على العراق والمنطقة، والتي جاءت بعنوان "الفوضى الخلاقة" و"تصحيح الأخطاء التاريخية".
في العالم الإسلامي هناك أيضاً حالة محفّزة لهذا الصراع -وإن جاءت في الغالب كردة فعل على السلوك الأميركي في المنطقة- فمقولة "صدام الحضارات" تقابلها عندنا مقولة "الفسطاطين" والتفسيرات المتشددة لعقيدة الولاء والبراء، والتغافل عن معاني الرحمة والحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، بمعنى أن هناك حالة من الانتقائية في التعامل مع النصوص الدينية تمليها طبيعة المواجهة والاستفزازات الثقيلة التي تمارسها الغطرسة العسكرية الأميركية في المنطقة. في ظل هذه الأجواء، حمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبالتنسيق مع رئيس الحكومة الإسبانية، مشروعاً عالمياً جديداً بعنوان "تحالف الحضارات"، والذي حظي بدعم ومساندة كبيرة جداً من دولة قطر وعلى مختلف الصعد والمجالات، وتشكلت فعاليات سياسية وثقافية ومجتمعية لدعم هذا المشروع؛ مما هيّأ قطر لتسنّم الموقع الريادي في هذا المشروع، بعد تكليف السيد ناصر بن عبدالعزيز ممثلاً أعلى لمبادرة "تحالف الحضارات" في الأمم المتحدة.
من الواضح هنا أن العالم قد اتجه بشكل سريع وغير متوقع لتبنّي هذا المشروع، وقد تُوّج هذا بتبنّيه من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وبالإجماع، ثم توالت المنتديات الدولية لإنضاج هذا المشروع، بينها منتدى مدريد، ومنتدى اسطنبول، ومنتدى البرازيل، ومنتدى الدوحة.
لقد تضمّن المشروع أهدافاً محددة، يمكن إجمالها في الآتي:
-إشاعة احترام الديانات والثقافات المختلفة.
-ترسيخ الترابط بين كل المجتمعات الإنسانية في مجالات البيئة والتنمية.
-العمل على ترسيخ قواعد الأمن والسلام العالمي.
-العمل على تكوين إرادة سياسية مشتركة لمكافحة حالات الاستقطاب والأحكام المسبقة التي تبعث على الشك والتوتر في العلاقات.
إن النجاح الواسع الذي حققته هذه المبادرة يعكس -إلى حدّ كبير- الشعور العالمي بالحاجة إلى وضع حدّ لحالة الصدام التي لم تعد في صالح أحد، حتى تلك الأطراف التي تظن أنها الأقوى والأقدر على حسم الصراع لصالحها. وعلى سبيل المثال فقد كانت تجربة الغزو الأميركي للعراق تجربة قاسية بالنسبة للأميركيين، لم يفقدوا فيها الآلاف من جنودهم وأسلحتهم فحسب، بل فقدوا أعز شيء عندهم، وهو سمعتهم الحضارية والأخلاقية، والتي ذبحوها هم بأيديهم في الفلوجة وبوكا وأبي غريب، والتي لا زال الضمير الإنساني متشككاً في قدرة الأميركيين على معالجتها وتصحيح أخطائهم فيها.;