الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تستطيع إيران استخدام أذرعها هذه المرّة؟

هل تستطيع إيران استخدام أذرعها هذه المرّة؟

22.05.2019
علي حسين باكير


سوريا تي في
الثلاثاء 21/5/2019
مع ارتفاع منسوب الحرب الكلامية بين الولايات المتّحدة وإيران، والحشود العسكرية الجارية على قدم وساق بين الجانبين، يتصاعد التوتر في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفي الخليج بشكل خاص. ووسط هذا الجو المشحون، تنقسم الأطراف بين مؤيّد لمزيد من التصعيد ومحرّض عليه، وبين معارض له وداعٍ للحوار من أجل سحب فتيل الأزمة.
البيانات الرسمية للأطراف المعنيّة مباشرة بالأزمة تشير إلى انّ واشنطن وطهران لا تريدان خوض حرب مباشرة. وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كان قد صرّح قائلاً انّه "لن تكون هناك حرب لأننا لا نريد الحرب"، ومثله أشار قائد الحرس الثوري إلى أنّ "إيران لا تسعى إلى حرب لكنّها لا تخاف منها." يؤمن كثيرون أنّ إيران لا تمتلك القدرات اللازمة التي تخوّلها خوض حرب تقليدية مع الولايات المتّحدة، إذ لا تمتلك طهران أي فرص حقيقية لربحها. لكنّ في المقابل، يعتقد بعضهم أنّ أدوات الحرب اللاتناظريّة التي يمتلكها النظام الإيراني تخوّله تحدّي واشنطن إقليمياً ونقل المعركة بعيداً عن أراضيه، وهو ما يخدم الهدف النهائي له أي حماية النظام الإيراني لنفسه.
لطالما اعتمدت إيران على هذه الحجّة لتبرير توسّعها الإقليمي، وغالباً ما يتم تبرير هذا التوسع من قبل مناصري النظام الإيراني في الشرق والغرب بالقول إنّه توسّع دفاعي يهدف إلى حماية النظام الإيراني من أي اعتداء خارجي. وككل مرّة، حينما يتم مناقشة الحرب المحتملة بين الطرفين، يتم إدراج أذرع إيران الإقليمية في لبنان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين ضمن مصادر القوّة الإيرانية، كما يتمّ اعتبارها بمثابة خيار مفتوح لطهران للرد على أي ضغط او اعتداء يطولها.
وبخلاف المرّات السابقة أعتقد أنّها المرّة الأولى التي سيكون من الصعب جداً على النظام الإيراني استخدام بعض أذرعه هذه
لا يوجد أدنى شك بأنّ هذه الأذرع "لا سيما الميليشيات الشيعية منها"، هي بمثابة جزء عضوي من النظام الإيراني، تأتمر بأوامره، وتدافع عن مصالحه، وتحمي نظامه وإن خالف ذلك مصالح وتوجّهات الدولة التي يوجدون فيها. لكنّ القول بأنّ استخدام هذه الأذرع متاح بشكل مطلق أمر غير دقيق في أحسن الأحوال. وبخلاف المرّات السابقة أعتقد أنّها المرّة الأولى التي سيكون من الصعب جداً على النظام الإيراني استخدام بعض أذرعه هذه.
يعتبر حزب الله في لبنان من أشهر وأقدم أذرع إيران الإقليمية وأكثرها ثروة وعدداً وخبرةً وتسليحاً. أمينه العام حسن نصرالله افتخر ذات يوم بأنّه مجرّد جندي في جيش الولي الفقيه. حزب الله جاهز دوماً للدفاع عن مصالح إيران وعن نظام الولي الفقيه متى ما احتاج الأمر ذلك، لكنّ حزب الله ليس في أفضل حالاته اليوم. الحزب يعاني من أزمة مالية خانقة وغير مسبوقة على الإطلاق. هذه الأزمة أدّت وتؤدي إلى تململ جزء كبير من أنصاره المنتفعين أو حتى من أولئك الذين قاتلوا معه أو من أجله وظلّوا يحصلون على تقديمات مالية واجتماعية لقاء خدماتهم. الدخول في حرب من أجل إيران في ظل هذه الظروف تعني الانتحار حتماً.
إسرائيل على أتمّ الاستعداد لإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وبخلاف حرب العام ٢٠٠٦، لن يكون هناك أموال لإعادة إعمار لبنان هذه المرّة، ولن يكون هناك أموال لتعويض الموالين لحزب الله وإسكات قاعدته الشعبية، ولن يكون هناك شعب سوريا لاحتضان أي لاجئين أو نازحين من لبنان باتجاه سوريا، كما أنّ باقي شرائح الشعب اللبناني سيكون الكيل قد طفح بها لا سيما أنّ البلد على شفير الانهيار التام دون الحاجة إلى حرب!
في المقابل، تتمتع الميليشيات العراقية بهامش أكبر من المناورة، لكنّها هي الأخرى تعاني مشكلات حقيقية. الولايات المتّحدة كانت قد وضعت الحكومة العراقية في صورة مسؤولياتها وما سيحصل في حال قامت هذه الميليشيات بمهاجمة أهداف أميركية او مصالح أميركية في العراق. الأهم من ذلك بطبيعة الحال أنّ واشنطن ستحمّل إيران هذه المرّة المسؤولية عن أي هجوم تشنّه أذرعها ضدّها. في سوريا، الميليشيات الشيعية في موقف ضعيف أيضاً، فهي تتعرض لقصف إسرائيلي ممنهج، كما أنّ عدد الاشتباكات بينها وبين القوات الروسية كان قد تزايد مؤخراً، ولذلك فهي ليست في موقع يسمح بتوجيه ضربة كبيرة لأميركا أو حتى لإسرائيل.
تبقى الساحة اليمنيّة هي الساحة الوحيدة المتخلّصة من أي قيود لأنّها عملياً ساحة حرب منذ عدّة سنوات. تكليف إيران للحوثي بعمليات ضد السعودية والإمارات أمر ممكن كما جرى مؤخراً، لكن من الصعب أن يتم تخطي ذلك إلى شنّ هجوم على أهداف أميركية أو على مصالح أميركية، لأنّ مثل هذا الأمر سيحرر واشنطن من الضغوط في الملف اليمني وسيتيح لها تقديم دعم علني أكبر ضد الحوثي الأمر الذي قد ينتهي بخسارته كليّاً.
خيار إيران الوحيد هو القيام بضربات منخفضة المستوى ولا تستجلب ردّ فعل كبير مدمّر، تماماً كما حصل حتى الآن سواء في استهداف الناقلات البحرية أو في استهداف مواقع نفطية سعودية أو حتى في إطلاق صاروخ كاتيوشا بالقرب من مواقع أميركية، لكنّ مثل هذه العمليات لا تعدو كونها رسالة ولا تترك تأثيراً كبيراً على الجانب الأميركي كما أّنها لا توقف الضغط الأميركي المتصاعد على إيران سياسياً واقتصاديا وعسكرياً. وبالتالي فإنّ بقاءها هذه العمليات ضمن الإطار المنخفض لن ينفع النظام الإيراني بالشكل الذي كان عليه الأمر سابقاً.
خلاصة القول إنّ استخدام إيران لأذرعها الإقليميّة هذه المرّة سيكون مقيّداً ومحدوداً للغاية بسبب ظروف هذه الأذرع من جهة، وظروف البلدان التي توجد فيها من جهة أخرى، علاوةً على وجود تهديد أميركي صريح بتحميل إيران المسؤولية عن أي أعمال مباشرة لهذه الأذرع ضد الولايات المتّحدة ومصالحها وهو ما سيفرض معادلة جديدة تتلقى إيران بموجبها الضربات بالنيابة عن أذرعها.