الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تستطيع روسيا حسم الصراع في سوريا

هل تستطيع روسيا حسم الصراع في سوريا

25.06.2016
محمد زاهد جول


القدس العربي
الخميس 23-6-2016
بفضل السياسة الأمريكية تظن روسيا أنها أصبحت هي الآمر الناهي في الصراع الجاري في سوريا، بعد خمس سنوات من الحرب فيها من دون نهاية. فأمريكا وهي تسعى لاستدامة القتال والمعارك في سوريا سعت إلى توسيعها، ولم تمنع أي مغامر من القدوم إليها والمشاركة في معاركها وحربها وتدميرها وقتل أهلها.
وقد عملت أمريكا منذ السنة الأولى للاقتتال في سوريا على إمساك مجريات المعارك فيها، بحيث لا يتمكن أحد من حسمها لصالحه مهما بذل من جهود عسكرية، ومهما امتلك من قدرات عسكرية وطائرات حربية متقدمة، أو صواريخ باليستية وغيرها، ومهما أرسل من جنود أو متطوعين، سواء كانت إيران أو روسيا أو غيرها، فامريكا لن تسمح لإيران بالقضاء على المعارضة السورية، كما لن تسمح للسعودية وتركيا وقطر ومن معها بالقضاء على الأسد ومحوره الطائفي، وبذلك فإن أمريكا ما لم تتدخل فعلاً وليس قولا لحل هذه الأزمة فإن القتال في سوريا سوف يتواصل لسنوات طويلة.
وعندما تشعر أمريكا بالحرج من إيران، أو من السعودية بناء على وعودها واتفاقياتها المتناقضة مع أطراف الصراع، فإنها ترجع الأمر إلى حجج كثيرة، كان آخرها إلقاء المسؤولية على الطرف الروسي، الذي أتت به أمريكا على مراحل للتورط في سوريا، كان آخرها تدخله العسكري المباشر بتاريخ 30/9/2015 ثم إعلانه الرسمي في بداية شهر مايو 2016 عن الانسحاب العسكري من سوريا، من دون ان ينسحب سياسيا ولا يتوقف عن دعم جيش الأسد ومحور إيران، وبالأخص بعد توقيع اتفاق 22 شباط 2016 بين روسيا وأمريكا، باسم وقف الأعمال العدائية في سوريا، الذي تبنته الأمم المتحدة بتاريخ 27/2/2016.
كانت روسيا قد أبدت تغييراً مفاجئاً ثم أعلنت تدخلها أولاً، ثم عندما أعلنت عن انسحابها العسكري بعد تدخل دام خمسة أشهر تقريبا، ثبت لها بوجه قاطع أن محاولتها القضاء على الثورة السورية عسكريا مستحيل، ثم تبين لها ان الضغط العسكري الهائل الذي ضربت فيه مناطق المعارضة وفصائل الثورة السورية بالطائرات والصواريخ الباليستية الروسية لم يستطع أن يفرض عليها الهزيمة، ولا قبول الحل السياسي الذي تطرحه روسيا بالنيابة عن الأسد وإيران في جنيف 3 على يدي دي مستورا. وبعد تأكد روسيا فشل ضغوطها العسكرية والسياسية، فإنها لا تريد الاعتراف بعجزها عن حل المسألة السورية، وسمحت لبشار الأسد بأن يواصل جرائمه بقتل الشعب السوري واستعمال البراميل المتفجرة، بل أجرت تطويرا عليها بالخراطيم المتفجرة لتقتل أعدادا أكبر من الشعب السوري، ومعها المليشيات الإيرانية الطائفية التي تقتل على الهوية الطائفية بكل قسوة، سواء في دمشق أو في حلب أو في إدلب أو غيرها، وحيث أن روسيا تعلم أن أمريكا لا تمانع هذا القتل والتدمير الممنهج على الشعب السوري بغض النظر عن مصدره، فإنها أي روسيا أصبحت تمارس عمليات القتل نفسها للشعب السوري، وهي تدعي السياسة الأمريكية نفسها بالسعي للحل السياسي في جنيف، بخداع أطراف الصراع في سوريا، بأنها ترعى حلاً سياسياً ومفاوضات بين بشار والمعارضة في جنيف، ولذلك أخذت روسيا تكذب على الدول العربية، وبالأخص الخليجية منها، بأنها طرف قادر على الحل السياسي وراع له، لأن روسيا تريد المساعدة من الدول العربية والتغطية على جرائمها بسكوتها عن قصف الطائرات الروسية للمدنيين، وتدميرها للأسواق المستشفيات والمساجد وغيرها، أو خداعها كما حاولت خداع الحكومة التركية قبل إسقاط الطائرة الروسية المعتدية على الأجواء التركية.
ولكن روسيا بحكم وجودها العسكري أكثر من أمريكا داخل سوريا، وبحكم شراكتها في محور الأسد وإيران في قتل الشعب السوري فإنها أقدر من امريكا في ادعاء أنها قادرة على إيجاد حل سياسي، بدليل أنها تفرض الاتفاقيات والهدن بين المتقاتلين مع أمريكا أو بدونها، كما فعلت في الهدنة الأخيرة لمدة ثمان وأربعين ساعة، وهي تعلم انها تفرض الهدنة لصالح الطرف الذي يمارس القتل، وهو جيش الأسد وميليشيات إيران المقبلة من ايران والعراق ولبنان وغيرها، فكان آخر الهدن التي أعلنت عنها روسيا في حلب اعتبارا من منتصف ليل الخميس 15/6/2016، بعد أن خسر الأسد كثيرا من المعارك مع المعارضة السورية، بينما قالت وزارة الدفاع الروسية مساء الأربعاء في بيان لها إنه "بمبادرة من روسيا يدخل نظام تهدئة حيز التنفيذ في حلب لمدة 48 ساعة في 16 يونيو بهدف خفض مستوى العنف المسلح وتهدئة الوضع"، فروسيا تتدخل لفرض هدنة عندما يحتاجها جيش الأسد والإيرانيون وحزب الله اللبناني فقط.
المؤسف أن هذا القرار العسكري من وزارة الدفاع الروسية جاء وكأنه رد فعل على تحذير وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لروسيا وبشار الأسد من مغبة عدم احترام وقف الأعمال العدائية، وقول كيري وزير الخارجية الأمريكي بعد لقائه نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، خلال زيارة للنرويج "على روسيا أن تفهم أن صبرنا ليس بلا حدود، وهو في الواقع محدود جدا في ما يتعلق بمعرفة ما إذا كان الأسد سيوضع أمام مسؤولياته أم لا"، بينما كانت هناك مساعدة لجيش الأسد ومحور ايران، وهذه المساعدة قضية متفق عليها بين روسيا وأمريكا.
فمن يصدق أن يصدر هذا التحذير الأمريكي بحضور وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى روسيا، بينما الجيش الإيراني وميليشيات الحرس الثوري الإيراني هي التي تسيطر على الأراضي التي يحكمها بشار الأسد وروسيا معا، فلماذا لم يوجه كيري هذا التحذير إلى جواد ظريف وهو يقف إلى جانبه، إن في ذلك دلالة على أن إيران لم تعد صاحبة القرار في سوريا، أو هكذا يريد كيري أن يوهم العالم، وإذا كان ذلك صحيحا فإن إيران وجيشها وحرسها الثوري ومليشياتها العالمية أصبحت مجرد أداة عسكرية قاتلة بيد الروس والأمريكان معا أولاً، وفي هذا التصريح الأمريكي دلالة على أن أمريكا قادرة على فعل شيء إذا نفد صبرها ثانيا، أي أنها هي صاحبة القرار مع روسيا أيضاً، ولكن وبعد خمس سنوات من قتل الشعب السوري، وقتل أكثر من نصف مليون سوري، وتشريد أكثر من عشرة ملايين في كل أنحاء العالم، لم ينفد صبر امريكا بعد، وربما تحتاج أمريكا إلى خمس سنوات اخرى حتى ينفد صبرها.
هذا التصريح الأمريكي أو التحذير لروسيا ينبغي أن يدفع السياسة الروسية إلى البحث عن حلول أخرى في سوريا، غير العسكري والإبادة البشرية التي مارسها الجيش الروسي في الأشهر الخمس الأولى من تدخل روسيا العسكري، وغير الحلول السياسية العقيمة التي تبقي القاتل بشار الأسد في الحكم، لأنه بقاءه في الحكم الشكلي هو استمرار لتوريط روسيا في سوريا، وهي تمارس القتل في الشعب السوري، بينما كيري ومن يحمل وجهة نظره من الساسة الأمريكيين يستمتعون برؤية الموت والدماء والقتل في سوريا، فالهدن التي تدعو لها روسيا لن تساعد على الحل، كما أن الأعمال العسكرية لم تساعد على الحل، وفشل روسيا في إلزام بشار الأسد على الرحيل يتم بضغوط أمريكية عن طريق إيران، وهذا سوف يورط روسيا أكثر وأكثر في سوريا، وهذا يعني أن الطرفين الدوليين روسيا وأمريكا عاجزتان وحدهما عن إيجاد حل عسكري وسياسي للصراع، او انهما راغبتان باستمراره وترعيانه ولا ترعيان عملية السلام في جنيف إلا إعلامياً، وإلا فإن روسيا عاجزة عن الحل العسكري والسياسي، وهي متورطة في سوريا مثلها مثل إيران وتوابعها الطائفية، ولن تستطيع التخلص من الصراع في سوريا إلا وهي خاسرة ولو بعد حين.