الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما حقيقة الانسحاب الروسي من سوريا وسرّ الغياب الأمريكي؟

ما حقيقة الانسحاب الروسي من سوريا وسرّ الغياب الأمريكي؟

16.12.2017
عبدالله حاتم


الخليج
الخميس 14/12/2017
فلاديمير بوتين بنفسه على الأراضي السورية، وصل إلى قاعدة حميميم التي منحها بشار الأسد لموسكو، ليعلن من هناك، الاثنين 11 ديسمبر 2017، انسحاب بلاده من سوريا.
انسحاب شكّك به كثيرون، على رأسهم الولايات المتحدة، وشبّهوه بتكرار سيناريو العام 2016؛ عندما أعلن بوتين بنفسه حينها سحب قواته، لكن بعدها زاد من وتيرة القصف على مواقع المعارضة السورية، لا سيما في حلب.
بوتين هدد من سمّاهم "الإرهابيين" قائلاً: "إذا رفع الإرهابيّون رأسهم من جديد، فسنوجه إليهم ضربات لم يروها من قبل"، مضيفاً: "لن ننسى أبداً الضحايا والخسائر التي تكبّدناها أثناء محاربة الإرهاب هنا في سوريا وفي روسيا أيضاً".
وبالتزامن مع هذه الخطوة، أعلن وفد النظام السوري أنه لن يتابع مفاوضات جنيف مع المعارضة السورية، كما أبلغ المبعوث الأممي الخاص، ستافان دي مستورا، المعارضة بأنها لم تعد تملك أي دعم دولي حالياً، وهدد بأن فشل مفاوضات مؤتمر جنيف سيعني استبداله بالمؤتمر الذي تحضّر له روسيا في "سوتشي"، إلا أنه عاد واعتذر عن كلامه هذا.
ولم يوضح بوتين عدد الجنود الروس الذين سيبقون في سوريا، علماً أن وكالة الصحافة الفرنسية تشير إلى أن روسيا نشرت ما بين 4000 و5000 من قواتها في سوريا في العامين الأخيرين، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن 40 منهم لقوا مصرعهم.
وتنقل وكالات الأنباء عن مصادر حقوقية أن القصف الروسي أدى خلال عامين إلى مقتل أكثر من 6300 مدني، منهم أكثر من 1500 طفل.
- غير واقعي
ورغم أن موسكو توحي بأن السلام في سوريا بات قاب قوسين أو أدنى، فإن المسؤولين الأمريكيين يشكّكون في تصوير الروس لهذا الأمر، حيث أكّدوا أن قوات النظام السوري أضعف من أن تستطيع حفظ الأمن في البلاد.
كما حذّر المسؤولون الأمريكيون، بحسب وسائل إعلام محلية، من أن "داعش وجماعات أخرى في سوريا لديها فرصة كبيرة في إعادة تنظيم صفوفها، خاصة إذا ظلّت المظالم السياسية التي تسبّبت في اندلاع الصراع دون حلّ".
كذلك شكّكت واشنطن في صحة انسحاب روسيا، وقال الميجر بمشاة البحرية الأمريكية، أدريان رانكين غالاوي، وهو متحدث باسم وزارة الدفاع "البنتاغون"، بحسب "وكالة الأنباء الفرنسية": إن "الولايات المتحدة لم تلحظ أي سحب كبير للقوات الروسية منذ إعلان بوتين"، مشيراً إلى أنه "لم يحدث خفض كبير في القوات المقاتلة في أعقاب الإعلانات الروسية السابقة بخصوص عمليات انسحاب مزمعة من سوريا".
واشنطن ليست وحدها من شكّك بالخطوة الروسية، بل حتى تركيا -التي باتت اليوم حليفة وطيدة لها- شكّكت أيضاً على لسان وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، الذي قال، الثلاثاء 13 ديسمبر: إن "خلق انطباع بأن روسيا تنسحب من سوريا هو أمر غير واقعي".
وأشار إلى أن "روسيا سبق أن سحبت جنوداً من سوريا، لكن مع احتدام الاشتباكات أرسلت جنوداً بأعداد أكبر لاحقاً"، في إشارة إلى خطوتها المشابهة عام 2016.
الدكتور باسل الحاج جاسم، الخبير في الشؤون الدولية، والمراقب لمفاوضات أستانة، أوضح في حديث مع "الخليج أونلاين"، أنه من "الصعب الجزم بمدى التزام الروس بإعلانهم الانسحاب؛ لأنه لا أحد يعرف على وجه الدقّة حجم القوات المتواجدة حالياً"، لافتاً إلى أن "الهدف من الإعلان هو لإبعاد صفة الاحتلال التي تتهم أطراف كثيرة روسيا بها".
وأضاف: "أياً كان الإعلان، بما أن هناك قاعدتين عسكريتين روسيتين بشكل دائم، فحتى لو كان هناك انسحاب فعلاً فهذا لن يغيّر من حجم تواجدهم العسكري في سوريا".
- مسار المفاوضات
وربط مراقبون بين هذه الخطوة وبين ما زعموا أنه "ضغوطات روسية" على النظام السوري للتفاوض بجدية في جنيف، فقد ذكر مركز "بيغن - السادات للدراسات الإسرائيلي"، أن "بوتين جاء خصيصاً ليبلغ الأسد أنه لم يعد ملتزماً بالدفاع عنه، بعد التطوّرات الأخيرة ورفضه حضور جنيف".
وكان وفد النظام السوري قد عاد إلى جنيف، الاثنين، للاجتماع مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة، دي مستورا، حيث سبق أن غادرها بعد رفضه إجراء أي نقاش حول مستقبل الأسد، الأمر الذي دفع دي مستورا إلى تحذير وفد النظام من مغبّة أن يكون يعمل على تخريب العملية التفاوضية.
وفي إشارة إلى الضغوط التي تمارسها روسيا على النظام السوري، أكّد الرئيس الروسي، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في أنقرة، عقب لقائه الأسد في حميميم، أنه "يجب وضع دستور جديد لسوريا وتنظيم الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وتفعيل التسوية السياسية في سوريا في إطار جنيف وأستانة"، كاشفاً أنه "تحدّث مع الأسد اليوم للوصول إلى تسوية سياسية".
لكن ما زال بعض المحللين يستبعدون فرضية أن يكون بوتين قد مارس ضغطاً على الأسد من أجل الدخول في مفاوضات جدّية مع المعارضة، من بينهم الدكتور باسل حاج جاسم، الذي أوضح أن الخطوة الروسية في سوريا لن يكون لها أي تأثير؛ لا على مفاوضات جنيف ولا مفاوضات أستانة".
وبيّن في حديثه لـ "الخليج أونلاين" أن "روسيا اليوم هي صاحبة الكلمة العليا داخل الساحة السورية، وأما مدى صحة الأخبار حول ما يُتداول من إبلاغ بوتين الأسد فالأيام وحدها كفيلة بكشف صحة ذلك أو عدمه".
وفي هذا السياق، يشير الحاج جاسم إلى أن "القضية السورية سيحسمها من سيملك كلمة على الأرض، وصاحب المدفع الأكبر، والواضح أن موسكو ترغب بإشراك أطراف أخرى معها في حمل (المعضلة السورية)"، كما قال.
- أين واشنطن؟
من جهة ثانية يلاحظ المتابع أنه رغم الخطوات الاستراتيجية التي تقوم بها روسيا، تبدو واشنطن متفرّجة وتكتفي بالتصريحات المكرّرة، والتي تقلّل من الخطوات الروسية، لكن التصريحات تتضمّن إيحاء بأن واشنطن سلّمت ببقاء بشار الأسد في السلطة، على الأقل حتى عام 2021، بحسب محللين.
كما أصبحت الولايات المتحدة منعزلة عن الجهود الثلاثية؛ الروسية – التركية - الإيرانية، التي تدير مناطق خفض التوتّر في سوريا.
صحيح أن الخارجية الأمريكية أكّدت، الثلاثاء 13 ديسمبر، أن القوات الأمريكية لا علاقة لها ببقاء أو انسحاب القوات الروسية من البلاد، وستبقى في سوريا "حتى عودة الاستقرار"، لكن في نفس الوقت أكدت أن "بقاء الأسد أو رحيله لا تقرّره الولايات المتحدة؛ بل الشعب السوري"، في تحوّل لافت بعد أن كانت تشدد على أن الأسد لا مستقبل له في سوريا، فهل باتت غائبة عما يدور هناك؟
باسل الحاج جاسم أجاب أنه من الخطأ القول إن الولايات المتحدة غائبة عن سوريا، موضّحاً أن "واشنطن موجودة، وإنما لأسباب لا علاقة لسوريا والسوريين بها، بل لدعم مشروعها القديم المتجدّد؛ الفوضى الخلاقة"، كما قال.
ولفت إلى أن "العالم كله يعرف أن واشنطن لم تقدّم أي شيء لعملية جنيف سوى الضغط على المعارضة لإدخال أطراف انفصالية إليها، وأستانة التي اجتمع فيها أصحاب الكلمة الحقيقية في الساحة السورية فضّلت أمريكا أخذ دور المراقب فيها".