الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل انتصر النظام السوري في حلب؟

هل انتصر النظام السوري في حلب؟

04.12.2016
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
السبت 3/12/2016
سجّل النظام السوري تقدّما كبيراً في شرق حلب المحاصر وذلك بعد مراوحة طويلة دامت قرابة أربع سنوات.
ابتدأت ملحمة حلب باكتساح "الجيش السوري الحرّ"، وعلى رأسه "لواء التوحيد" بقيادة القائد الشهير عبد القادر الصالح، شرق حلب في تموز/يوليو 2012، ونتج عن ذلك وضع جديد تتنازع فيه المدينة ثلاث قوى: النظام والميليشيات الحليفة له، و"الجيش الحر"، وقوّات "وحدات حماية الشعب" الكرديّة.
تعرّضت المناطق التي سيطرت عليها المعارضة السورية، دون غيرها، لحالة تدمير شامل قام بها النظام، وساهمت التدخّلات الإقليمية والعالمية في إبقاء الوضع على ما هو عليه حيث وضع خطّ أحمر غير منظور يمنع المعارضة من تجاوز حدودها، سواء باتجاه الوحدات الكرديّة المحميّة أمريكيّا، أو نحو المناطق التي يسيطر عليها النظام، وفي تلك الأثناء تدهورت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لسكان المناطق المعارضة فنزح منها الكثيرون وبقي الصامدون يتعرّضون للتجويع والقتل الممنهجين، وخصوصاً بعد دخول الطيران الروسيّ على خط الغارات ومدّ جيش النظام المنهك وميليشياته بخزّان بشريّ شيعيّ من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان.
شكّلت القوّة الناريّة المكثّفة لروسيا، والاستيراد المستمرّ للقوة البشرية من الفضاء العامّ لإيران وملحقاتها، والسياسة الأمريكية السلبيّة نحو المعارضة السورية أسباباً إضافيّة لتغيير المعادلة، وساهمت في تراجع الطابع المعتدل للمعارضة وفي صعود نجم تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" اللذين ساهما في تآكل الطابع السوري للمعارضة وجعلاها هدفاً لكل هذه الأطراف مجتمعة، مما أضعف بشدّة الأسس التي قامت عليها الثورة، ليس في الداخل فحسب، بل كذلك بين الدول الداعمة والمؤثرة، عربيّاً وغربيّاً.
تناظر كل ذلك مع عودة "مظفّرة" للثورة المضادّة في مصر، وتفسّخ الوضع العسكري والأمني في العراق واليمن وليبيا، والتدخّل الإسرائيلي المباشر في الساحة السورية وفي وزنها النافذ في واشنطن وموسكو، وتحوّل اللاجئين السوريين إلى عبء كبير على دول الجوار مما جعلها تتراجع تدريجياً عن دعم المعارضة، وكانت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيّا نقطة فاصلة أيضاً أدّت، لأسباب كثيرة، إلى تحجيم الدور التركيّ في دعم المعارضة وقصره على محاولة تأمين حدودها ومنع ظهور دويلة تابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وانتصار دونالد ترامب في معركة الرئاسة الأمريكية
لا يمكن، بالتأكيد، اختصار أسباب ما حصل، ويحصل، في سوريا بالأوضاع الإقليمية والعالمية بل يمكن رؤية أسباب هذا التراجع الكارثي للثورة السورية في توجهات وأخطاء تشكيلاتها السياسية وقراراتها العسكرية وصراعاتها، فالتشكيلات السياسية للثورة، كالمجلس الوطني، والائتلاف، قامت على أنواع من التحاصصات الحزبية، ولم تكن مفتوحة للجمهور السوري العام، وأفضت محاولات القوى السورية في الداخل لاستدخال ممثلين للقوى العسكرية والحراكات إلى تحوّل الكثيرين من هؤلاء الممثلين إلى لاجئين في دول الجوار، وإلى اضطراب التواصل بين السياسيّ والعسكريّ، فانفصل الداخل عن الخارج، ولم تستطع تجربة "الحكومة المؤقتة" للمعارضة الاستمرار بسبب الرفض الأمريكي لها، وكان منع تمويلها متقصدا لمنع تحويلها لحقيقة واقعة، من جهة، ولامتناع وجود قرار أمريكي وغربيّ بنزع الشرعية عن نظام الأسد، من جهة أخرى.
تداولت وسائل الإعلام العالمية في الأيام الماضية مشاهد مرعبة للحال الذي آلت إليه حلب، وأثبت النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون استهتارهم الفظيع بالحياة البشرية للمدنيين السوريين، فبعد الكلام عن فتح "ممرات آمنة"، والطلب من "جبهة فتح الشام" الخروج بمقاتليها السبعمئة، بدأ النظام بفتح معسكرات لاعتقال النازحين، كما قام بقصف الهاربين عدّة مرّات، وهو ما يثبت أن كل حججه كاذبة وأنه لا يفرّق حقّاً بين المدنيين والعسكريين، فما بالك بالتفريق المزعوم بين "جبهة فتح الشام" وبقية الفصائل؟
دخول النظام إلى حلب، بهذا المعنى، هو تكريس لأمثولة تسليم البلاد للأجنبيّ للقضاء على أبناء البلد، ودفن فكرة الثورات العربية في "المقبرة السورية"، وسيادة التوحّش في العالم، وهي قصة لا يمكن أن تنتهي كما يأمل الوريث الدكتاتور بشّار الأسد، لأن الحياة، ببساطة، أقوى من ماكينة الموت.