الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تعاني تركيا من مأزق في سوريا؟

هل تعاني تركيا من مأزق في سوريا؟

19.02.2020
عماد إبراهيم السعدي



القدس العربي
الثلاثاء 18/2/2020
استقرت نسبياً منطقة شرقي الفرات السورية، بعد قرار الولايات المتحدة بقاء قوات لها في المنطقة وتكبيلها تركيا بتفاهم أو اتفاق أمريكي – تركي أوقف عملية "نبع السلام" في مرحلتها الأولى. عقب هذا التفاهم بخمسة أيام تفاوض الأتراك والروس في سوتشي على ما تركه الأمريكي وراءه – كلياً أو جزئياً – من مناطق شرقي وشمال شرقي سوريا، مفاوضات " الذئاب الجائعة" تلك كانت الأطول والأصعب بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ويمكن اعتبارها مؤشراً لبدء نهاية توافقات أستانة وسوتشي بين الجانبين إضافة لإيران، وبدأ كل طرف بمحاولة سحب البساط من تحت أقدام الآخر في صراع على النفوذ. وهذا ما كان يتوقعه الأمريكيون وينتظرونه، وبالفعل حدث سريعا لأسباب كثيرة سيأتي ذكرها، وليس فقط لاستعجال بوتين وتوقه للإعلان للمرة الثالثة عن نصره في سوريا، الأمر الذي لا يبدو إنجازه ممكناً وإن حدث لن يكون هذا العام على الأقل.
في الصدام الحالي بين تركيا وروسيا في إدلب شمالي سوريا، لا أحد يستطيع المغامرة بقتال يمكن أن يخرج عن السيطرة، وبالتالي تطور الحرب مستبعد تماما في هذه المرحلة بالغة التعقيد.
وفق المعطيات الحالية، ليس أمام الرئيس اردوغان سوى القبول بتسوية مع روسيا لحفظ ماء الوجه، فهذه المرة لن يتمكن فيها اردوغان من إنهاء القتال بصفقة رابحة يحيكها مع الرئيس الروسي بوتين كما جرت العادة منذ معارك حلب عام 2016 وما تبعها في 2017 من عمليات عسكرية تركية "درع الفرات وغصن الزيتون" وتهجير ريف دمشق وحمـص ودرعا إلى الشـمال السـوري ، لأنه ببـساطة كل الأوراق باتت مكشـوفة في سـوريا ورقعة اللعـبة الروسـية – التركيـة في سـوريا باتت محـددة تمـاما.
عموما، الأتراك باتوا يدركون أخطاء مقاربتهم للصراع على سوريا، رغم استمرارهم بنهج الذرائعية والتبرير لتحقيق مصالحهم، من ذلك تصريح الرئيس اردوغان حول إدلب خلال زيارته الحالية لباكستان: "الخطوات التي اتخذناها مؤخراً في إدلب هدفها إنقاذ أربعة ملايين إنسان من الموت". الرئيس يتجاهل الدور التركي في تجميع هؤلاء الناس في الشمال السوري نتيجة عملية "الترانسفير" أوالتهجير القسري للمدنيين من مختلف مناطق سوريا حين انخرطت تركيا مع شركائها الروس والإيرانيين في لعبة "مناطق خفض التصعيد" وسلسلة تفاهمات الاستانة وسوتشي.
 
حروب سخيفة
 
ما يحدث الآن في إدلب متصل بما قبله، فمنذ نيسان/إبريل الماضي، حين بدأت قوات بشار الأسد وروسيا وإيران حملة عسكرية تستهدف ريف حماة الشمالي وإدلب، حينها أوقفت روسيا العملية العسكرية الواسعة التي استمرت حتى شهر آب/أغسطس 2019 لأسباب متعددة من بينها الضغوط الأمريكية، وطُرحت فكرة التخلص من مشكلة جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) لاستكمال عملية القضاء التام على تنظيم داعش من خلال نقل عناصر فتح الشام من غير السوريين إلى ليبيا وحل الجبهة، والسير بالعملية السياسية بإتجاه الحل النهائي في سوريا على أساس قرارات مجلس الامن، حينها التقط الروس والأتراك أيضا إشارات عن نية الولايات المتحدة الخروج بشكل كامل من سوريا، وبدأت التحضيرات الروسية – التركية لما بعد هذا الحدث الأهم بالنسبة لهم، وبالفعل أعلن الرئيس ترامب عن ذلك بعد شهر ونيف في تغريدة مما جاء فيها: "حان الوقت لتخرج الولايات المتحدة "من الحروب السخيفة التي لا نهاية لها في سوريا".
هذا الخبر هو أقصى ما يتمنى سماعه بوتين ، فخروج الولايات المتحدة يُبقيه سيد اللعبة في سوريا والمالك الحصري لكل أوراقها، أما طموحات شركائه الأتراك في أستانة وسوتشي، فيمكن التفاهم معهم والتوصل لتسوية ما، لهذا أوقفت روسيا حربها على الشمال السوري، وأيدت في ما بعد تركيا وعملية "نبع السلام" إلى حد وقوفها ضد مشروع القرار الأوروبي في مجلس الأمن الذي يدعو تركيا إلى إنهاء عمليتها العسكرية.
الأتراك بدورهم بدأوا حملة إعلامية والتهديد والوعيد منذ محادثة اردوغان – ترامب الهاتفية قبيل تغريدة ترامب تلك، وأعلن على إثرها اردوغان عن عزمه القيام بعملية عسكرية كبيرة لإنشاء منطقة آمنة تقضي على كابوس طموحات الأكراد بكيان سياسي على حدوده ،هذه العملية التي تحدث الأتراك عنها قبل عامين على لسان رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدرم الذي أوضح حينها ان طموحات تركيا هو إنشاء "منطقة آمنة" على الحدود التركية – السورية بعمق 20-30 كم والسيطرة على المنطقة الممتدة من شرق مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي مروراً بمدينة منبج في ريفها الشرقي، وصولاً إلى جنوب بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي وصولًا إلى الحدود العراقية.
لكن ما لذي حققته تركيا من كل هذا؟ أوقفت الولايات المتحدة العملية العسكرية التركية في مرحلتها الأولى، أي الشريط الحدودي بين رأس العين وتل أبيض (بطول نحو 130 كيلومتراً)، بينما كانت تخطط تركيا لاستكمال المنطقة لتشمل كل الشريط الحدودي شرق الفرات أي بحدود (440 كيلومتراً). أما بوتين فأسرع بالتهام مناطق غربي الفرات في ريف حلب الشمالي الشرقي ومدينة منبج في الريف الشرقي التي تركتها الولايات المتحدة للبحث بين الأتراك والروس، بينما فرضت على الأتراك عدم دخول قواتها إلى مدينة عين عرب كوباني، صحيح أن حضور روسيا و قوات الأسد في معظم هذه المناطق رمزي، لكنه كبّل الأتراك مثلما فعل اتفاقهم مع الولايات المتحدة الذي وضع حداً لعملية نبع السلام في بدايتها.
 
إشكاليات معقدة
 
ما يحدث في الشمال السوري الآن هو نتاج الإشكاليات المعقدة التي أنتجها الإنسحاب الأمريكي المحدود واتفاق اردوغان – بنس، الذي وضع حداً للمطامح التركية في شرقي الفرات وأدى إلى سيطرة روسيا وقوات الأسد على مناطق سورية واسعة، ثم وبعد خمسة أيام اتفاق اردوغان – بوتين، الذي كان مخيباً للآمال بالنسبة لتركيا، فروسيا وفق الإتفاق لا تعترف بما تسمّيه تركيا مناطق آمنه بل تحيل الحديث إلى منطقة "عملية نبع السلام" فقط، أما الترتيبات بين البلدين خارج عملية نبع السلام، فستنتشرالشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري على طول الحدود السورية – التركية خارج منطقة نبع السلام بعمق 30 كلم، كما ستسيّر أنقرة وموسكو دوريات مشتركة على طرفي منطقة العملية في الشرق والغرب بعمق 10 كلم.
إذا استثنينا مناطق في إدلب تتفهم روسيا أهميتها الأمنية لتركيا لقربها من حدودها، يريد بوتين ما هو خارجها ولو كان ركاما، وفي الوقت نفسه يريد أن تفعل تركيا ما بوسعها من أجل عودة اللاجئين تمهيداً لعملية إعادة الإعمار. أيضا يطرح بوتين فتح باب الحوار الرسمي والتعاون المشترك بين أنقرة ودمشق والمعابر الحدودية مقابل أن تسهل روسيا تفعيل اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا عام 1998، هذه الاتفاقية التي تتيح لتركيا ملاحقة العناصر الكردية المسلحة التي تعتبرها تهديداً لحدودها وأمنها داخل الأراضي السورية، أي إبعاد عناصرYPG لأبعد من 30 كلم من حدودها، وبالتالي تقويض طموحها بالتحول إلى كيان سياسي انفصالي في الشمال السوري.
أما في ما يتعلق بالطلب من تركيا ببذل الجهد من أجل فصل العناصر المعتدلة من المعارضة المسلحة عن تنظيم فتح الشام (النصرة سابقا ) كمقدمة لنزع سلاحهم فتركيا تربط البحث بهذا الملف بتنفذ روسيا لتعهداتها السابقة منذ عملية "غصن الزيتون" بإخراج عناصر YPG مع أسلحتهم من منبج وتل رفعت، بعد أن تجاوزت تركيا فكرة دخول منبج.
حلحلة هذه الملفات يحتاج إلى وقت، ومناورات مزعجة للطرفين، لكن الواضح أن استمرار الأوضاع الحالية سيزيد من خسارة الاتراك، من دون أن تربح روسيا فعليا، لكن الضحية بالتأكيد سوريا بأرضها وشعبها كله وخاصة النازحين.