الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف وصلنا إلى اللجنة الدستورية؟

كيف وصلنا إلى اللجنة الدستورية؟

06.10.2019
أحمد عيشة


سوريا تي في
السبت 5/10/2019
يوم الإثنين 23 أيلول، أعلن أنطونيو غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة، تأسيس اللجنة الدستورية، بعد عشرين شهراً من الإعلان عنها كأحد مخرجات مؤتمر سوتشي في 30 كانون الثاني 2018، الذي دعا إليه اجتماع أستانا في 8 كانون الأول 2017، وحضره ديمستورا، المبعوث الدولي الخاص لسوريا السابق، على أن تضمّ خبراء سوريين من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، ومهمتها إعادة كتابة الدستور بما يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، لتليها انتخابات ديمقراطية.
وكان القرار 2254 الشهير، وهو مشروع قرار أميركي يعتمد على بيان جنيف للعام 2012، قد صدر بعد تصويت مجلس الأمن في كانون الأول 2015، ونصّ على بدء محادثات السلام في سوريا في كانون الثاني 2016، وعلى ضرورة إنجاح المفاوضات بين السوريين: تحت الإشراف الأممي، وأن تنتج هيئة حكم ذات مصداقية، تشمل الجميع وتكون غير طائفية، مع اعتماد مسار صياغة دستور جديد لسوريا في غضون ستة أشهر، وإجراء انتخابات في غضون 18 شهراً بإشراف أممي. 
المهم أن بيان جنيف -الأساس للقرار 2254- هو رؤية دولية وعربية (مجموعة العمل من أجل سوريا) للحلّ في سورية، من دون إشراك سوري واحد، سواء كان من طرف المعارضة أو النظام، ولم يشر البيان إلى مصير بشار الأسد، وترك الباب مفتوحاً للتفسيرات المختلفة بين الدول الكبرى، إذ أكدت موسكو أن مصير الأسد يقرره السوريون.
تتالت الاجتماعات في جنيف بدءاً من شباط 2014 حتى فشلها في شباط 2017، نتيجة لتعنت النظام في مواقفه وإصراره على وضع قضية الإرهاب، في إشارة إلى كل من يقاومه، على رأس أولويات القضايا التي نص عليها القرار الدولي أساس التفاوض، وحوّله بمساعدة ديمستورا إلى سلاله الأربعة (مكافحة الإرهاب ودستور جديد، وانتخابات وحكم غير طائفي). ناهيك عن تحول خطير في موقف ديمستورا تجاه المعارضة، وانتقاله للحديث عن معارضات (كما كان من قبله الجعفري، مندوب النظام)، في مؤشر على تحوّل الأمور إلى السيطرة الروسية.
كانت أولى علامات السطوة الروسية، الصفقة الروسية الأميركية حول السلاح الكيمياوي التي أتت في أعقاب استخدام النظام ذلك السلاح في الغوطة الشرقية في آب 2013 وقتل قرابة 1300 إنسان، وانتهت من دون أي عقاب للنظام بعد التهديدات الكثيرة، وثانيها التدخل العسكري المباشر في نهاية أيلول 2015 وما أنتجه من تغيير مدمر في التوازن العسكري لمصلحة النظام، الذي كان أبرز محطاته شق الريف الشمالي
أوكلت مهمة تشكيل اللجنة إلى المبعوث الخاص لسورية، وعملياً إلى الدول الضامنة الثلاث، والتي اختُزلت إلى روسيا وتركيا
لحلب في شباط 2016، مما مهد الطريق لسقوط شرق حلب في نهاية ذلك العام، الأمر الذي استثمرته روسيا جيداً في الدعوة لمسار تفاوضي بديل انطلق في أستانا، وكان من نتائجه مؤتمر سوتشي الشهير الذي فرض قضية اللجنة الدستورية كأولوية، تليها انتخابات ديمقراطية. وغيّب تماماً قضية هيئة الحكم الانتقالي، مما فرّغ القرار 2254 من مضمونه.
أوكلت مهمة تشكيل اللجنة إلى المبعوث الخاص لسورية، وعملياً إلى الدول الضامنة الثلاث، والتي اختُزلت إلى روسيا وتركيا، بينما أوكل إلى الأمم المتحدة اختيار ممثلي المجتمع المدني والقبائل والنساء، بعد موافقة روسيا وتركيا عليهم. استغرق الأمر من بداية الإعلان عنها حتى يوم تشكيلها 20 شهراً، وهو ما يشير إلى مدى الخلاف والتعقيد حول دورها من جهة، ومن جهة ثانية نيّة روسيا في استثمار الوقت، بحيث تجعل مسار أستانا وسوتشي بديلاً فعلياً لمسار جنيف.
بعد الإعلان عنها في 23 أيلول الماضي، توالت ردات الأفعال بين السوريين، وخاصة من الصف المعارض، لدرجة التناقض الكبير الذي يعكس فجوة هائلة في مواقف المعارضة، فمنهم من عدّها "انتصاراً للشعب السوري"، ومنهم من عدّها "خديعة كبرى للسوريين"، وخرجت مظاهرات في الداخل المحرر ترفضها، وتطالب بالعودة إلى بيان جنيف الذي دعا إلى هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات كاملة.
كانت معظم المواقف كسابقاتها عبارة عن ردات فعل، من دون إجراء تقييم نقدي لمسار الثورة والمعارضة الذي أوصلنا إلى صيغة اللجنة الدستورية، التي كانت تلخيصاً مكثفاً للانسحاب الأميركي أولاً من سوريا، والتخلي عن الدعوة لرحيل الأسد، ولتفويض الروس على الأقل بالحسم العسكري أو التغاضي عنه (شريطة ألا يستخدم الأسلحة الكيمياوية)، وثانياً، للصراعات العربية البينية وانعكاساتها المدمرة على الثورة السورية، والانسحاب مؤخراً من دعمها، ولجوء بعض الأطراف الخليجية إلى دعم قوات (قسد) نكاية بتركيا، والترويج لعودة النظام السوري للجامعة العربية، وأخيراً، وهو الأكثر أهمية، الصراعات بين تيارات المعارضة وتحولها إلى "معارضات" ومنصات، بدءاً من معارضة الذهاب إلى جنيف وانسحاب كتلة المجلس الوطني من الائتلاف وعودته فيما بعد، وصولاً إلى الإدخال القسري لكتلة قدري جميل المتشددة لصالح النظام الأسدي أكثر من النظام ذاته، مما جعلها كتلة متناقضة المواقف والرؤى، وجعلها عرضة لكل أنواع النقد الشعبي والرسمي.
أما على صعيد الفصائل العسكرية، التي أنهت قسماً منها هيئة تحرير الشام، فإنها لم تقم، وخاصة بعد هزيمة حلب وما شكلته من نقطة انعطاف في مسار الثورة، بمراجعة عملها، ولم تلجأ إلى عملية توحيد قائمة على المهنية والتراتبية، رغم المحاولات الخجولة
اللجنة الدستورية صيغة روسية للحل في سوريا، وسط الحالة السائلة للصراع الذي لم تكتمل لوحته بعد، وانعكاس لحالة الضعف التي تعانيها المعارضة بشقيها السياسي والعسكري
التي تجري مؤخراً، بل تابعت في نفس العقلية القائمة على مفهوم الغزوة والغنيمة، وذهبت إلى أستانا غير موحدة، مما أضعف كثيراً من موقفها أمام النظام. وكذلك، لم تتمكن القوى والشخصيات السياسية المعارضة خارج الائتلاف من تشكيل حالة أو منصة وطنية، تجسد مطالب الشارع الثوري بحيث يمكنها أن تكبح القوى المعارضة الرسمية عن تقديم مزيد من التنازلات التي تُفرض عليها من الدول الراعية، لأسباب تتعلق بمصالح أخرى بين الدولة الضامنة، وتكون على حساب قضية السوريين.
اللجنة الدستورية صيغة روسية للحل في سوريا، وسط الحالة السائلة للصراع الذي لم تكتمل لوحته بعد، وانعكاس لحالة الضعف التي تعانيها المعارضة بشقيها السياسي والعسكري، وفقدان الثقة والإجماع الوطني وحالة اليأس الذي يعيشه السوريون من جراء خذلان المجتمع الدولي. ورغم ذلك، فالنظام لا يسيطر حتى الآن سوى على 60 في المئة من سورية، ومعظم الأماكن مدمرة، ولا يمكنه إعادة إعمارها، وعلى الرغم من التفويض الأميركي بالحسم العسكري، فليس بالضرورة أن يشمل هذا التفويض الحل السياسي.