الرئيسة \  تقارير  \  هل يشعل "الكونغرس" حربا باردة جديدة مع الصين؟

هل يشعل "الكونغرس" حربا باردة جديدة مع الصين؟

02.02.2023
طارق الشامي

هل يشعل "الكونغرس" حربا باردة جديدة مع الصين؟
طارق الشامي
الاندبندنت عربية
الأربعاء 1/2/2023
سيكون من الصعب على الرئيس الصيني شي جينبينغ تحمل مزيد من التصعيد في السياسات الأميركية (أ.ف.ب)
منذ التقى الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ في إندونيسيا، خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واتفقا على استئناف الحوار بين البلدين، اتسمت العلاقات بالهدوء، وتراجعت المخاوف من اندلاع حرب حول تايوان، لكن التحدي الجديد لهذه الجهود يظهر الآن في شكل لجنة جديدة لـ"الكونغرس" بقيادة الجمهوريين من المتوقع أن تحقق في عديد من المجالات الأكثر إثارة للانقسام في العلاقات الصينية - الأميركية، الأمر الذي يهدد بدفع البلدين إلى مواجهة على غرار الحرب الباردة، فما طبيعة هذه اللجنة وصلاحياتها، وما الملفات التي ستحقق فيها، وهل تصبح العلاقات الأميركية مع الصين ضحية النزاعات السياسية بين الديمقراطيين والجمهوريين؟
تقدم حذر
على رغم أن المخاوف من اندلاع حرب حول تايوان ما زالت قائمة فإنها ضعفت كثيراً مقارنة بالأشهر التي سبقت لقاء الرئيسين بايدن وجين بينغ في بالي بإندونيسيا، كما هدأت التوترات الأخرى نسبياً بين العملاقين بعد الاتفاق على استئناف الحوار رفيع المستوى بينهما في المجالات الأقل حساسية، وتعزيز الاتصالات في المجال الاقتصادي، مما يشير إلى أن كلا الجانبين حريص على البناء على هذا الزخم عندما يصل أنتوني بلينكن إلى الصين، بالخامس من فبراير (شباط)، في أول زيارة لوزير خارجية أميركي إلى بكين منذ عام 2018.
لكن التحدي الجديد أمام تحسين الأجواء والجهود الحثيثة لخفض سقف التوترات يطل برأسه الآن في شكل لجنة جديدة بقيادة الجمهوريين أنشأها هذا الشهر كيفين مكارثي، رئيس مجلس النواب، بهدف التحقيق في التهديدات الإلكترونية والتجارية والعسكرية للصين ضد أميركا، وهي القضايا الأكثر إثارة للانقسام في العلاقات الصينية - الأميركية.
لجنة الصين المختارة
اتخذت اللجنة المختارة الجديدة في شأن الصين التابعة لمجلس النواب اسماً يعبر عن أهدافها وتوجهها وهو "المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والحزب الشيوعي الصيني"، ومع ذلك فهي لا تتمتع بأية سلطة تشريعية ولا تستطيع سن قوانين أو تعديلها، لكن يمكنها إصدار مذكرات استدعاء وعقد جلسات استماع عندما تبدأ قريباً، كما ستقدم توصيات سياسية بحلول نهاية العام حول وضع التقدم الاقتصادي والتكنولوجي والأمني للصين ومنافستها مع الولايات المتحدة.
غير أن تشكيل اللجنة التي تضم سبعة ديمقراطيين و13 جمهورياً غالبيتهم من الصقور المتحفزين لدور الصين المتنامي، وتصريحات مكارثي أمام مجلس النواب بأن هناك إجماعاً على انتهاء الثقة في الصين الشيوعية، يشير بوضوح إلى قدرتها على إجراء تحقيقات واسعة، وإلى أن أهداف اللجنة لا تقتصر على حظر الاستثمار في الصين من قبل صناديق التقاعد الأميركية، ومكافحة سرقة الملكية الفكرية، ومبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان لردع استخدام الصين للقوة العسكرية، بل تمتد إلى تسليط الضوء على ما يصفه بعضهم بعمليات التأثير للحزب الشيوعي الصيني داخل أميركا.
ويشمل هذا التأثير حظر استخدام تطبيق "تيك توك" الصيني في الولايات المتحدة، واتهام بكين بمحاولة شراء الأراضي الزراعية الأميركية، ودور الصين في إنتاج "الفنتانيل" وهو مادة أفيونية اصطناعية عالية الفاعلية تستخدم كمسكن، لكن يساء استخدامها في الولايات المتحدة عن طريق خلطها مع الهيروين أو الكوكايين، وتتسبب في وفاة مدمني المخدرات مع الجرعات الزائدة.
قلق قديم
لا يبدو قلق "الكونغرس" الأميركي في شأن بكين أمراً جديداً، فقد بدأ منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي بعد انتصار الشيوعيين في الصين عام 1949، إذ انطلق منذ ذلك الحين نقاش محموم حول من كان السبب في خسارة الصين أدى إلى تحقيق من قبل لجنة فرعية للأمن الداخلي بمجلس الشيوخ حاولت تحميل الأكاديميين والدبلوماسيين الأميركيين ذوي الميول اليسارية مسؤولية ما حدث، مما أضر جيلاً كاملاً من الخبراء في الشأن الصيني، وساعد في تأجيج صعود السيناتور الجمهوري جوزيف مكارثي (لا علاقة له برئيس مجلس النواب الحالي)، الذي قاد حملة مطاردة للمتعاطفين مع الشيوعيين في الخمسينيات من القرن الماضي.
وطفت على السطح موجة أخرى من المخاوف في أواخر التسعينيات مع فضيحتين متعلقتين بالصين، إحداهما تتعلق بمساهمات مالية صينية لدعم الحملات الانتخابية لقيادات ديمقراطية عام 1996، والأخرى حول بيع تكنولوجيا الفضاء الأميركية للصين، ومع ذلك فقد قرر الرئيس بيل كلينتون مع اقتراب نهاية فترة ولايته عام 2000 منح الصين وضع العضو الدائم في العلاقات التجارية العادية، ولهذا أنشأ "الكونغرس" الذي سيطر عليه الجمهوريون لجنتين في شأن الصين، أولاهما اللجنة التنفيذية لـ"الكونغرس" في شأن الصين، والثانية هي لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية - الصينية، لتقديم تقرير سنوي إلى "الكونغرس" من كلتا اللجنتين.
حرب باردة جديدة
وبينما تفحص اللجنة التنفيذية لـ"الكونغرس" حول الصين بشكل رئيس قضايا حقوق الإنسان وتمتلك صلاحيات استدعاء فإنها نادراً ما تستخدمها، كما تفحص لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية - الصينية التداعيات الأمنية على الولايات المتحدة في علاقاتها مع الصين، لكنها تكتفي بسماع شهادات طوعية من المسؤولين والأكاديميين، ولهذا لم يكن هناك كثير يمكن أن يعول عليه "الكونغرس" من هاتين اللجنتين، مقارنة بالتصميم الجديد للجنة المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والحزب الشيوعي الصيني، التي ستجري تحقيقات رفيعة المستوى في أي جانب من جوانب العلاقات بين أميركا والصين تقريباً، وتختلف كذلك في الجوانب الرئيسة التي قد تسبب مشكلات، بخاصة بالنسبة إلى جهود الرئيس الصيني شي جينبينغ لتهدئة الشركات الغربية التي تشعر بالقلق من سياساته الأخيرة والتوترات في شأن تايوان.
كما يقود اللجنة رئيس شاب (38 سنة) هو عضو مجلس النواب مايك غالاغر، الضابط السابق في استخبارات البحرية الأميركية، الذي تخرج في جامعة "برينستون" المرموقة، والحاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة "جورج تاون"، وهو يختلف تماماً عن الرئيس بايدن في وصفه للصين، فبينما يتحدث بايدن عن ضرورة تجنب حرب باردة جديدة معها، يجادل غالاغر بأن هذه الحرب جارية بالفعل، وأنه يجب على أميركا تسريع الإجراءات التشريعية والتنفيذية حتى تنتصر على الصين، وهو في سبيل ذلك يبدو مدركاً للحاجة إلى التنسيق مع لجان "الكونغرس" الأخرى، والحفاظ على دعم الحزبين له في معركته المستقبلية.
تباينات مكتومة
يشير موقع صحيفة الـ"إيكونيميست" إلى أن اختيار 13 جمهورياً غالبيتهم من الصقور المعروفين بمواقفهم المتشددة حيال الصين، سيطغى في النهاية على التمثيل الديمقراطي في اللجنة، وإن كان يعتقد أنهم سيمثلون مناطق تعبر عن السكان الأميركيين الآسيويين حتى لا تسهم اللجنة في تصاعد العنف ضد المجموعات العرقية من أصول صينية أو آسيوية مثلما حدث في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وهو ما يعكس قدراً من التباينات المكتومة في التوجهات النهائية بين الجمهوريين والديمقراطيين على رغم اتفاقهما العلني على الهدف.
وفي حين لا يزال من غير الواضح ما القضية التي ستعالجها اللجنة الجديدة أولاً، إلا أن غالاغر يشير إلى أن الأولوية القصوى هي معالجة ما يقول إنه تراكم أسلحة ومعدات عسكرية، بقيمة تتراوح من 18 إلى 19 مليار دولار وافقت عليها واشنطن لبيع تايوان أسلحة متقدمة لكن لم يتم تسليمها بعد، بينما يطمح غالاغر في حظر "تيك توك"، تطبيق الوسائط الاجتماعية المملوك للصين، أو بيعه لكيان أميركي، مشيراً إلى مشكلات أمان البيانات واستخدام بكين المحتمل لــ"تيك توك" كسلاح للدعاية توضح سبب الحاجة إلى اللجنة.
التحدي الأبرز
غير أن الجدل المتصاعد حول "تيك توك"، والعلاقات مع بكين بشكل عام، يسلطان الضوء أيضاً على التحدي الرئيس الذي يواجه الإدارة الأميركية حول كيفية تحديد معايير العلاقة الاقتصادية مع دولة تعتبرها المنافس الاستراتيجي الرئيس للولايات المتحدة، ويصفها كثيرون في "الكونغرس" بأنها "عدو مباشر"، بينما يرفض الرئيس بايدن فكرة أن الولايات المتحدة تشرع في "حرب باردة جديدة" مع الصين.
ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، اتخذ بايدن بالفعل خطوات لجعل سلاسل التوريد لأشباه الموصلات والبطاريات الكهربائية والمواد الصناعية والأدوية أكثر مرونة من خلال تقليل اعتماد الولايات المتحدة على الموردين الأجانب، وعلى رأسهم الصين، لكن الإدارة تقول في الوقت نفسه إنها تنتهج استراتيجية "حديقة صغيرة وسياج مرتفع"، التي من شأنها تقييد انتقال التقنيات المتقدمة إلى الخارج بما فيه الصين، لكن مع السماح بمواصلة معظم تجارة البضائع السنوية التي تبلغ قيمتها 650 مليار دولار تقريباً.
ويدور الجدل في واشنطن حول المدى الذي يجب قطعه في العلاقات الاقتصادية الضعيفة مع الصين على خلفية العداء الشعبي تجاهها، إذ أظهر استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث، العام الماضي، أن 82 في المئة من الأميركيين لديهم وجهة نظر غير مواتية تجاه الصين، أي أكثر من ضعف الرقم الذي كان عليه عام 2012 عندما تولى الرئيس شي جينبينغ منصبه.
مواجهات محتملة
ينذر التصعيد الجديد بمواجهات محتملة، حيث سيكون من الصعب على الرئيس الصيني شي جينبينغ تحمل مزيد من التصعيد في السياسات الأميركية، فعلى رغم أن المسؤولين الصينيين خففوا من حدة خطابهم في الأسابيع الأخيرة، وأن شي لا يغفل فكرة أن اللجنة الجديدة بلا أسنان، وأن كثيراً مما تفعله ليس إلا مسرحاً سياسياً، فإنه قد يصل إلى المرحلة التي لا يرغب فيها بإلقاء مزيد من اللحوم الحمراء لصقور "الكونغرس"، ومن غير الواضح إلى متى سيستمر صبر بكين التي انتقدت في الماضي اللجنتين اللتين تركزان على الصين، كما فرضت في عام 2020 عقوبات على اللجنة التنفيذية لـ"الكونغرس" واثنين من أعضائها الجمهوريين.
ويخشى بعض المتخصصين الصينيين الذين يقدمون المشورة للحكومة أن يحاول الجمهوريون اختطاف السياسة الأميركية حيال الصين ودفع البلدين إلى مساحة أعمق في مواجهة على غرار الحرب الباردة، إذ يقول دونغ تشونلينغ، من المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي مؤسسة فكرية مرتبطة بوزارة أمن الدولة الصينية، إن اللجنة الجديدة ستكون بمثابة "قاذف للحجارة"، مما يقوض أي جهود يبذلها بايدن للعمل مع الصين.
ضحية التنازع الأميركي
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، من المرجح أن تتقارب سياسات الحزبين تجاه الصين، وقد تصبح العلاقات مع بكين ضحية النزاعات السياسية الأميركية، إذ يمكن للجنة أن تجعل من الصعب على بايدن إدارة العلاقات مع الصين على رغم أن إدارته لا تظهر أية علامة على تخفيف موقفها في شأن القضايا الرئيسة، مثل تايوان أو تجارة التكنولوجيا، لكنها تريد العمل مع الصين على بناء "حواجز حماية" لمنع الصراع، كما تأمل التعاون في المجالات ذات الاهتمام العالمي، مثل خفض انبعاثات الكربون والاستعداد للوباء المحتمل التالي.
ويوضح مراقبون أن اللجنة، وإن كانت لا تمتلك سلطة رسمية لوقف المبادرات التي تجسر العلاقة مع بكين، فإن جلسات الاستماع التي ينتظر أن تديرها اللجنة ستؤدي بلا شك إلى تأجيج الرأي العام، مما يحد من قدرة بايدن على المناورة، وهو ما يثير مشكلة محتملة أخرى للرئيس الأميركي، فإذا دفعته اللجنة إلى موقف أكثر تصادمية تجاه الصين فإنه يخاطر بعزل بعض الحلفاء، وخصوصاً في أوروبا، الذين يتشاركون معه بعض المخاوف في شأن سياسات الصين، لكنهم حريصون أيضاً على إعادة التعامل مع بكين، وقلقون من الانجرار إلى مواجهة عسكرية في آسيا.
ومع تحذير الصين رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي من زيارة تايوان بعد تقارير تفيد بأنه يخطط لرحلة في وقت لاحق من هذا العام إلى الجزيرة، تتزايد المخاوف من أن نقطة ساخنة في التوترات المتصاعدة بين بكين وواشنطن قد عادت، لتذكر بالأزمة التي اندلعت العام الماضي حين زارت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي تايوان، مما أثار غضب الحكومة الصينية وزاد من التوترات مع الولايات المتحدة.