الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل يغير أكراد سورية معادلات التسويات في سوتشي؟

هل يغير أكراد سورية معادلات التسويات في سوتشي؟

07.01.2018
سميرة المسالمة


الحياة
الجمعة 5/1/2018
ينطلق الموقف التركي في مقاربته للحلول المقترحة للصراع السوري من مسألتين أساسيتين: أولاهما، ما يتعلق بأمنه القومي الذي يهدده، وفق تعبيره، "الحزام الإرهابي" في تسمية صريحة للإدارة الذاتية الكردية. وثانيتهما، ما يتعلق بنصيب تركيا من التحكم بالصراع الدولي على سورية، ورغبتها في ضمانة التهدئة "المزعومة" في إدلب وعفرين وفق اتفاقات "خفض التصعيد"، التي وقّعت في جولات آستانة، باعتبار أنها تتعلق مباشرة بالمسألة الأولى الخاصة بمنع قيام دولة كردية تمتد من شرق سورية إلى البحر المتوسط. ولعل هذا ما يفسّر اليوم خفوت الحديث عن المشاركة في مؤتمر سوتشي التي تدعو روسيا اليه، بهدف تنويع خيارات الحلول الروسية، من العسكرية التي توّجتها بمسار آستانة، ومؤتمر سوتشي الذي يؤسّس لعلاقة جديدة بين المعارضة والنظام السوري على أساس التسويات المباشرة، بعيداً من القرارات الأممية الصادرة بخصوص القضية السورية.
وتتحدد جملة التفاهمات التركية الدولية والإقليمية ومنها (التركية- الروسية، أو التركية- الأميركية) في سياق ضمان "الأمن القومي التركي"، بعيداً من تفاصيل وأسباب الصراع السوري- السوري، وغير متطابقة مع مواقف تركيا وتصريحات قادتها الداعمة لمطالب المعارضة السورية، وكل ما يحقق مصلحة تركيا الأمنية هو المعيار الأساسي لها في التفاهمات مع الدول المتصارعة على سورية، وهو ما أدى إلى إعادة العلاقات مع روسيا، على رغم الخلافات التي وصلت إلى حد القطيعة إثر إسقاط القوات التركية مقاتلة حربية روسية من طراز سوخوي 24 (25 /11/ 2015).
وعلى ذلك كان التقارب مع روسيا نتيجة مباشرة لتوتر العلاقات التركية ـ الأميركية حيث اعتبرت تركيا أن الولايات المتحدة تساند عدوها التاريخي "الأكراد"، الذين تعتبرهم امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور والمصنف "بالإرهابي"، ما ساهم بتبني حكومة أردوغان مشروع روسيا "الانشقاقي" عن المسار الأممي التفاوضي السوري-السوري في جنيف، والانجرار وراء مسار آستانة الذي يجمع بين المتناقضين والمتواجهين في الصراع على سورية، أي موسكو وطهران من جانب النظام، وتركيا من جانب المعارضة السورية. وأيضاً، مع تقاطع المصالح مع النظام السوري، الذي يتشارك مع تركيا مخاوفها من التحركات الكردية وانتزاع مناطق الشمال لإعلان كيان مستقل عن سورية، الأمر الذي هيأ الظروف لاستمرار مسار آستانة وعقد اتفاقيات خفض التصعيد العسكرية تحت مظلته.
إلا أن التذبذب الروسي الذي يراوغ في موقفه من القضية الكردية في سورية، بين مراعاة رغبة الولايات المتحدة، التي تسيطر على الشمال والشرق من سورية (مناطق السيطرة الكردية)، والتردد في تنفيذ اتفاق "خفض التصعيد" في مدينة إدلب، والتي وضّحها تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف، خلافاً للتفاهمات الآستانية مع تركيا، بإعلانه أن "المهمة الرئيسية لقواته هي تدمير جبهة النصرة بعد أن اعتبر أن المعركة ضد داعش في جزئها الرئيسي انتهى". ما وضع اشارات استفهام كبرى من قبل تركيا حول جملة التفاهمات التي انبثقت من آستانة، والتي تعطي تركيا وليس روسيا هذه المهمة في إدلب، ما يعني أن واقع التفاهمات الروسية ـ التركية في مسألة تقاسم النفوذ في سورية قد يشهد تغييراً في ملامح الخريطة النهائية، التي كانت تركيا قد اطمأنت إليها، وبدأت بإعادة انتشار فصائل المعارضة وهيكلتها وفق ما يخدم الوجود التركي، والمعركة التي تستعد لها مع هيئة تحرير الشام "النصرة سابقاً".
أيضاً فإن التصريحات الروسية التي أكدت دعوة ممثلي الادارة الذاتية الكردية إلى مؤتمر سوتشي، خلافاً للوعود التي قدمت لتركيا، ولفصائل المعارضة المشاركة في الجولة الثامنة لمحادثات آستانة (كانون الأول من العام المنصرم)، يضع عملية التقارب مع الجانب الروسي على شفا الانهيار وكذلك تفاهمات سوتشي، في وقت تلوح فيه الإدارة الأميركية بإمكانية فتح صفحة علاقات جديدة مع حكومة أردوغان، على رغم وقوف كلا الطرفين على الضفتين المتواجهتين فعلياً.
بناء على ذلك فإن خيارات تركيا اليوم تتراوح بين التمدد باتجاه الانفتاح على المشروع الأميركي، أو المضي في المسارين الروسيين (آستانة وسوتشي)، ما يضعها أمام خيارين مرّين، أي بين التحالف مع داعم عسكري لقوات سورية الديموقراطية التي تناصبها العداء، أو التماس الطريق الروسي إلى "سوتشي" التي تمنح الإدارة الذاتية الكردية الدعم السياسي، من خلال مشاركتها في حوار اعتبرته روسيا مؤسساً للحل السياسي بين "الشعوب" والمكونات السورية.
وفي كلا الخيارين تتخوف أنقرة من تجرّع هزيمة مطالبها بما يتعلق بتحجيم دور أكراد قوات سورية، وإبعاد شبح إقامة "كانتون كردي" على الحدود الشمالية السورية المقابلة لمناطق تركية ذات الأغلبية الكردية، وهو ما دفع القوات التركية- التي تعثرت حركتها أكثر من مرة- لإعلان بدء معركتها مع القوات الكردية، لتحرير منطقة عفرين بهدف تبديد الحلم الكردي بوصل مناطق نفوذهم، من مدينة المالكية شرقاً حتى جبل الأكراد والتركمان على الساحل السوري غرباً، والوصول إلى البحر المتوسط.
ولعل تعويل تركيا على إنهاء الدعم الأميركي للقوات الكردية، لتحقيق استدارة كاملة من طرفها عن المشروع الروسي لايزال يفتقد "الثقة" بسبب التصريحات المتضاربة للمسؤولين الأميركيين حول دعم الأكراد، إلا أنه ومع تلك التصريحات يمكن ملاحظة أمرين في هذا السياق:
-اعلان قيام جيش كردي مع قوميات عربية وشركسية وسريانية في الشمال السوري (جيش شمال سورية) من جانب الأكراد من دون أي اشارة أميركية لذلك، على رغم الإعلان الأميركي عن مساعدات عسكرية للمعارضة بقيمة 500 مليون دولار، منها 100 مليون للتدريب العسكري، علماً أن الحديث الأميركي لم يخصّص "قوات سورية الديموقراطية" بأي تصريح مباشر حول هذه المساعدات، بينما تحدثت للمعارضة السورية التي قد تكون القوات الكردية منها.
-الدعم الأميركي المعلن من قبل إدارة ترامب، والذي لا يختلف عن الدعم المعلن من قبل ادارة أوباما عام 2015، وقد أدت الظروف المحيطة بعمل فصائل المعارضة العسكرية والسياسية إلى افشال توجيهه إلى فصائل الجيش الحر لتشكيل جيش موحد لقتال "داعش"، حيث رفضته آنذاك قادة الأركان والائتلاف والحكومة الموقتة (سليم إدريس، خالد خوجا، احمد طعمة)، لتتوجه المساعدات الأميركية إلى القوات الكردية التي قدمت نفسها كقوة معتدلة ومنظمة ووافقت على الشروط الأميركية. لذا ربما يمكن القول اليوم إن تركيا التي دفعت ثمناً باهظاً بسبب عدم تفهم دواعي تشكيل الجيش الموحد لقتال "داعش"، قبل ما يزيد عن عامين ونصف العام، يمكن أن تدفع المزيد اليوم لو كررت الفصائل المبررات نفسها "التي يشك في أنها بدفع تركي" لرفض العرض الأميركي.
في هذه الظروف والمداخلات قد تتسبب تركيا بنفسها -مرة أخرى- في حصر المساعدات الأميركية بالقوات الكردية من دون سواها، وتكون سهلت فتح الطريق أمام مواجهة بين فصائل سورية مدعومة تركياً مع أكراد سورية، من دون أي دعم دولي، وبأدوات فصائلية إسلامية غير مرحب بها مجتمعياً ودولياً، في حرب ستكون ظالمة لكلا الطرفين، وضدهما. وفي مثل هذا الوضع ربما يصبح المجال مفتوحاً على مصراعيه أمام قوات سورية الديموقراطية لتكون الطرف الفاعل في تغيير معادلات التسوية التي قامت عليها مبررات انعقاد مؤتمر سوتشي، ما يبقي الصراع السوري في غاية التعقيد، والتداخل، وهذا لا يقتصر على النظام الذي سلم قراره لإيران وروسيا، بل وعلى المعارضة التي لم تتلمس طريقها الصحيح بعد في التعاطي مع القضية الكردية من منظور سوري بحت، وهو حتماً يشمل مختلف الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة أو المتورطة في هذا الصراع.
* كاتبة سورية