الرئيسة \  تقارير  \  هل تنجح روسيا فى تحريك الأزمة السورية؟

هل تنجح روسيا فى تحريك الأزمة السورية؟

27.09.2021
محمد مجاهد الزيات


الشروق
الاحد 26/9/2021
هل تنجح المساعى الروسية فى تحريك الأزمة السورية والذهاب لحل تقبله الأطراف المختلفة، وإخراج سوريا من الحصار الاقتصادى والسياسى الذى تعانى منه؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب النظر فى مجمل الحركة الاستراتيجية الروسية خلال الفترة الحالية، والجهود التى تبذلها موسكو، سواء على مستوى الداخل السورى أو مع الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من الدول العربية، وذلك بالقضايا الرئيسية التى تتصدر الاهتمام الأمريكى بالدرجة الأولى، وفرنسا وغيرها من الدول الغربية وإسرائيل، فى مسار وتطورات الأزمة السورية.
•••
أولًا، الداخل السورى: الحديث عن الداخل السورى يرتكز على محورين: الأول، طبيعة الموقف الداخلى الحالى، حيث تتمتع المناطق التى تسيطر عليها الحكومة السورية بدرجة من الاستقرار النسبى، وتمثل إعادة انتشار الجيش السورى فى محافظة “درعا”، لأول مرة منذ عشر سنوات، والتحكم فى الحدود السورية الأردنية ــ بمساندة روسية ــ أهم التطورات الداخلية خلال الفترة الماضية، بالإضافة لوقف التمدد الخارجى بتلك المناطق، ومحاولة بناء نموذج شبيه بما يجرى فى “إدلب”. والثانى، إعادة الانتشار العسكرى الروسى، إذ شهدت الشهور الأخيرة تمركزات عسكرية روسية مستحدثة، خاصةً إنشاء قاعدة عسكرية جديدة فى منطقة “السخنة” وسط سوريا، بالإضافة إلى انتشار وحدات عسكرية روسية فى بادية “دير الزور”، وهى جميعها تمركزات جديدة وتوسيعًا للانتشار العسكرى الروسى، هذا بالإضافة لزيادة أعداد قوات الشرطة العسكرية التى تشارك القوات المسلحة السورية فى تأمين مناطق متعددة فى “درعا” طبقًا للتفاهمات التى جرت بهذا الخصوص.
ثانيًا، المعارضة السورية: لم تعد قضية المعارضة وتمكينها ومشاركتها فى العملية السياسية لها الأولوية، ولم نعد نسمع عن منصات المعارضة، فلا توجد معارضة سياسية فى سوريا سواء فى الداخل أو الخارج، وإنما توجد فصائل عسكرية على رأسها تنظيم “فتح الشام” المصنف إرهابيًا من الأمم المتحدة ويتمركز بدعم تركى فى إدلب. وبالتالى لا يتصور أن أى حل للأزمة أو وضع دستور أو تحريك الأزمة سوف يتضمن مشاركة هذا الفصيل فى الحكومة القادمة أو فى المؤسسات العسكرية والأمنية السورية، كما تأمل دول غربية وتركيا، وهو ما يجعل الموضوع أكثر تعقيدًا ويسمح للحكومة السورية باتخاذ مواقف مبررة على هذا المستوى.
ومن الملاحظ أن القوى المعارضة فى الخارج تفتقد للثقل الداخلى وتستمد كل قوتها من دعم بعض القوى الإقليمية والدولية، ولعل تراجع الدعم الإقليمى لتلك القوى خلال السنة الأخيرة بالتحديد، قد أضعف من نفوذها وتأثيرها وهو ما سيضع من مشاركتها فى الحل السياسى القادم محل تساؤل فى ظل افتقادها للشعبية أو التأثير، فضلا عن افتقادها أوراق ضغط فيما يتعلق بهيكل النظام السياسى السورى، أو الحل السياسى للأزمة.
ثالثًا، السعى الروسى للتفاهم مع واشنطن: النقطة الأولى أن روسيا تدرك أن تركيز الولايات المتحدة والدول الغربية على مواجهة تنظيم “داعش” وفلول تنظيم “القاعدة”، وهو ما كشف عنه تصريح مديرة المخابرات القومية الأمريكية مؤخرًا بأن “الخطر من تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى لا يزال يأتى من سوريا والعراق وليبيا واليمن”، أى أن الخطر من سوريا سوف يبقى قائمًا فيما يتعلق بتهديدات الأمن القومى الأمريكى، وبالتالى فقضية مواجهة داعش سوف تمثل عاملًا أساسيًا فى الموقف الأمريكى وقضية أمنية استراتيجية، حتى لو انسحبت قواتها من سوريا، وهو أمر رتبت موسكو للاستفادة منه.
وتدرك روسيا كذلك أنه فى ظل توافر نية لدى الإدارة الأمريكية لسحب قواتها أو تخفيفها فى سوريا، فمن الضرورى أن تكون هناك مواقف للأطراف الأخرى لمواجهة تنظيم داعش، ولعل تصريحات ترامب عندما كان رئيسًا “قمنا بدورنا وعلى روسيا أن تتحمل دورها فى حماية سوريا من تنظيم داعش”، إشارة واضحة على ذلك، وهو ما تريد روسيا أن توجه رسالة بخصوصه لواشنطن بأنها تستطيع، وبمشاركة الحكومة السورية، مواجهة تنظيم داعش بصورة كبيرة، وسوف تقوم بدورها فى هذا المجال ضمن الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، وهو ما يمكن أن يحسن من صورة الحكومة السورية فى النهاية، ويكون مبررًا لتجاوز العقبات الاقتصادية المفروضة عليها أو تخفيفها، وإن كان ذلك تحت دعاوى إنسانية.
ويشير لقاء مبعوث الرئيس الأمريكى ومبعوث الرئيس الروسى، فى جنيف مؤخرًا، أن الحراك الروسى الأمريكى يستهدف حلحلة الأزمة السورية، حيث بدأت تتبلور له ملامح واضحة، كما أن استقبال دمشق لمبعوث الأمم المتحدة ــ بضغط روسي ــ والذى رفضت استقباله لنحو شهرين، يأتى فى ذات السياق ويؤكد أنه منذ لقاء بايدن ــ بوتين هناك مياه تجرى لتحريك الأزمة السورية والمسار السياسي؛ بحثًا لتخفيف العقوبات الاقتصادية على دمشق، والوصول لصيغة تكفل التفاهم بين الحكومة السورية والمعارضة، وانعقاد اللجنة الدستورية.
ولا شك أن تعيين أحد الشخصيات النافذة فى مجلس الأمن القومى الأمريكى مبعوثًا لسوريا، يعكس أن لها أولوية اهتمام من جانب واشنطن فى هذا التوقيت، والذى كان يفتقده الموقف الأمريكى فى الفترات السابقة، ويعنى كذلك أن هناك اتجاهًا أمريكيا لتحريك الأزمة السورية خلال المرحلة المقبلة؛ لتحييد الموقف الإيرانى، والتفرغ لتفعيل المسار السياسى للأزمة السورية، دون انخراط كبير يؤثر سلبيًا على المصالح الأمريكية.
رابعًا، ضبط الموقف الإيرانى: النقطة المهمة فى الحركة الاستراتيجية الروسية، والتى تبلورت خلال زيارة الرئيس السورى إليها بداية هذا الشهر، هى ضرورة ضبط الموقف الإيرانى فى المنطقة وبصورة أساسية فى سوريا ولعل التفاهمات التى جرت مع الرئيس السورى بهذا المستوى، وترجح مصادر روسية وإسرائيلية أنه تم التفاهم خلالها على توافقات لم تحصل عليها روسيا خلال الفترات الماضية بهذا الخصوص، وأن حوارًا مكثفًا سوف يجرى بين قيادات عسكرية وسياسية روسية وسورية وإيرانية خلال الفترة القادمة، لضمان عدم انتشار قوات تابعة لإيران والفصائل التابعة لها فى الجولان أو فى محافظتى “درعا” و”السويداء”، وهى مطالب أردنية إسرائيلية، ومنع إيران من استثمار والاستفادة من المواقع والمؤسسات العسكرية السورية (عمليات تركيب وتجهيز صواريخ وتطويرها، وتصنيع طائرات بدون طيار... وغيرها).
والملاحظ أن تهنئة بوتين للأسد، بفوزه فى الانتخابات الرئاسية، يعنى أن المسار الذى سارت عليه الحكومة السورية ــ ورفضته دول غربية ــ يحظى بالدعم والتأييد الروسى، وكان من الملفت إشارة بوتين خلال لقائه بالرئيس السورى، خلال الزيارة الأخيرة، إلى نجاحه فى الانتخابات لإعطائه نوعًا من الشرعية، وتأكيده على أنه يسيطر على حوالى (90%) من أراضى سوريا، ما يعنى توقع روسيا والرئيس بوتين بنجاح الجهود المبذولة لتحقيق تفاهم بين الحكومة السورية والسلطة الكردية.
•••
وفى إطار تقييم مجمل الحراك الروسى فى الأزمة السورية، يُشار للاعتبارات التالية:
• تميل عدة مصادر روسية وغربية للاعتقاد بأن الفترة القادمة ستشهد انعقاد اللجنة الخاصة بالحوار ما بين ممثل المعارضة السورية وممثل الحكومة السورية، والانتقال إلى بحث آلية وضع الدستور، وهو ما يمهد لانعقاد مؤتمر جنيف والذى سيكون مبرر الولايات المتحدة والدول الغربية للانتقال بالأزمة السورية إلى مرحلة تالية، وتخفيف العقوبات الاقتصادية عنها، بل وتقديم حوافز اقتصادية لدمشق تحت مظلة الدعم الإنسانى فى البداية.
• أن التوجه الأمريكى للانسحاب العسكرى، أو إعادة انتشار قواتها، من سوريا سيكون عاملًا مؤثرًا على مستوى ونتائج الحراك الروسى الأمريكى. وتستعد روسيا للتعامل مع هذا المتغير من خلال الحوار المكثف مع الأكراد؛ للتقريب بينهم وبين الحكومة السورية، والوصول إلى صيغة تتجاوب معها السلطات الكردية، وتمثل نوعًا من الغطاء للانسحاب الأمريكى، ومواجهة التحرك التركى على هذا المستوى.
• أهمية اللقاء القادم بين الرئيسين الروسى والتركى؛ بالنظر إلى الملفات المُرجح أن تطرح خلاله، خاصة الدعم التركى لهيئة تحرير الشام، وفرض سلطة الحكومة السورية على المناطق المتنازع عليها فى إدلب وشمال حلب؛ لتمكين الحكومة السورية وإعطاء رسالة إلى العالم بسيطرتها على مُعظم أراضى الدولة. وإن كانت القضية الكردية سوف تظل عقبة، ولكن الطرح الروسى لتحقيق التفاهم بين الأكراد والحكومة السورية يمكن أن يجد قبولًا تركيًا مشروطًا.
ولا شك أن أطرافا متعددة، كالولايات المتحدة وإسرائيل والأردن، تلتقى مصالحها فى إبعاد أية وجود عسكرى إيرانى، للحرس الثورى أو الفصائل المرتبطة بها فى المنطقة، من جنوب دمشق وحتى الحدود مع الأردن؛ تحقيقًا لمصالح مختلفة لكل منها. ولكنها ستكون مراهنة على تقديم روسيا والحكومة السورية نوعًا من التغيير فى الموقف السياسى، بما يسمح بتجاوب تلك الأطراف معها، وسوف يرتهن نجاح الحراك الروسى فى الأزمة السورية بتحقيق ما أعطته موسكو من ضمانات لكل الأطراف المعنية بالأزمة، بأن هناك ضبطًا للوجود الإيرانى.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن السعى الروسى لتحقيق ذلك، والذى توافق مع انتشار عسكرى روسى على اتساع الأراضى السورية، بالجنوب والشمال والشرق وطرطوس وحمص، يعطى تأكيدًا واضحًا أن سوريا تمثل حاليًا نقطة ارتكاز استراتيجية (سياسيًا وعسكريًا) روسية فى المشرق العربى والمنطقة بصفة عامة. وبالتالى، فإن الحراك الروسى فى مُجمله يستهدف خلق بيئة شاملة، داخلية وإقليمية ودولية، ترسى مناخًا للتعايش بين مختلف الأطراف والحكومة السورية، وتدعم الاستراتيجية الروسية فى النهاية.
مستشار أكاديمى فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية