الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لا خيار أمام إيران سوى التفاوض

لا خيار أمام إيران سوى التفاوض

29.05.2019
علي حسين باكير


سوريا تي في
الثلاثاء 28/5/2019
يعلّمنا التاريخ أنّ مكابرة الإيرانيين غالباً ما تؤدي إلى نهاية أليمة لهم. وضع إيران اليوم صعب للغاية، تراجع اقتصادي مهول، ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع ومعدّلات التضخّم والبطالة، وانخفاض في سعر صرف العملة المحلية، يقابله صعود كبير وسريع في نسبة الفقر في البلاد. ومع تشديد سياسة "الضغط الأقصى" التي تمارسها إدارة الرئيس ترامب ضد إيران، تتراجع صادرات البلاد من النفط من حوالي ٢.٨ مليون ب/ي قبل حوالي العام إلى أقل من ٥٠٠ ألف ب/ي.
مشكلة إيران اليوم هي أنّ الإدارة الأمريكية الحالية، وبخلاف الإدارات السابقة، تقوم عملياً بإغلاق جميع المنافذ الممكنة للتهرّب من الضغط الاقتصادي والسياسي الذي تتعرض له. وبينما يأتي الضغط العسكري لاستكمال الحصار، تترك إدارة ترامب لطهران منفذاً وحيداً مفتوحاً يتمثّل في خيار التفاوض. في مثل هذه الحالات، وعندما يشتدّ الضغط على النظام الإيراني يقوم الأخير تقليديا بنقل معركته إلى ساحات أخرى أو باستخدام أذرعه كوسائل تشتيت وتخفيف للضغط ريثما تتغير الأوضاع الإقليمية والدولية، لكن ليس هذه المرّة.
لطالما اعتمد الإيرانيون على لعبة "لا حرب ولا تفاوض دون مكاسب لإيران"، لكن يبدو أنّها لن تمر هذه المرّة. ولقطع الطريق أمام طهران فيما يتعلق باستخدامها المحتمل لأذرعها الإقليمية، تبدو إسرائيل على أهبة الاستعداد للانخراط في حرب مكلفة مع حزب الله قد تعيد لبنان إلى ما قبل الحصر الحجري إذا ما اندلعت. وفي المقابل، دعت المرجعية في العراق إلى عدم الانخراط في محاور بالصراع الجاري بين إيران والولايات المتّحدة، وهي رسالة واضحة تسحب الغطاء عن أي أعمال قد تصدر عن الميليشيات الشيعية بالنيابة عن إيران وتؤدي إلى الأضرار بالعراق من خلال زجّه في حرب ليس له ناقة فيها أو جمل.
تبقى جبهة ميليشيات الحوثي هي الجبهة الوحيدة المفتوحة فيما يتعلّق بالأذرع الإقليمية، لكن هذه الجبهة ليست فعّالة كثيراً لناحية إيقاع خسائر بالجانب الأمريكي. فضلاً عن ذلك، فهي تستخدم على الأرجح لإرسال رسائل فقط لا غير، ذلك أنّ الرد عليها في ساحة تشهد حرباً منذ أكثر من خمس سنوات لن يكون ذي قيمة كبيرة. وفي جميع الأحوال، فإنّ الحشود الأمريكية المتعاظمة في الخليج تهدف إلى تحييد الإحتمال الضئيل لإيران باللجوء إلى أذرعها الاقليمية. في مثل هذا الوضع، ومع اشتداد الضغط الاقتصادي والسياسي، فإنّ إيران ستكون عاجزة عن اللجوء إلى خيار المقاومة الاقتصادية فضلاً عن خيار المقاومة العسكرية، وهذا يعني أنّه لن يكون لديها أي منفذ باستثناء الذهاب باتجاه بوابة المفاوضات.
في مسار التفاوض، هناك مشكلتين للنظام الإيراني. المشكلة الأولى تتعلق بتصريحات المرشد السابقة التي كان قد قال فيها إنّه لن يكون هناك حرب مع أمريكا ولا تفاوض. وَضَعَ هذا التصريح النظام الإيراني في مأزق لأنه ألغى خيارته وحدّ من تحرّكاته، فإن رفض التفاوض في ظل عدم قدرته على نقل المعركة إلى جبهة أخرى أو استخدام أذرعه، أدى ذلك إلى تفاقم أوضاعه الاقتصادية سوءاً تحت ضغط العقوبات، وإن وافق عليه، أدّى ذلك إلى تقويض موقف المرشد. أمّا المشكلة الثانية، فهي أنّ الدخول في تفاوض تحت الضغط قد يُفهم منه على أنّه استسلام مُسبق للمطالب الأمريكية ولذلك سيكون هناك حاجة لمعادلة تحفظ ماء الوجه.
إيران تدرك هذه المعطيات تماماً، وفيما يحاول بعض المسؤولين في النظام اللجوء إلى لعبة التسويف التي تعفيهم من خياري الحرب والتفاوض، تنشط بعض الدول الإقليمية لتسريع مناقشة المتطلبات اللازمة لعملية الانخراط في تفاوض مباشر. هناك من يرى أنّ اتفاقية عدم الاعتداء التي اقترح وزير خارجية إيران على بعض الدول الخليجية توقيعها هي بمثابة لزوم ما لا يلزم، إذ أنّ ميثاق الأمم المتّحدة يحتّم على الدول الالتزام بهذا الأمر، فيما يرى آخرون أنّ الهدف منها إحداث شرخ بين الدول الخليجية وتحييد البعض منها في الصراع الجاري.
زيارة عبّاس عرقجي إلى هذه البلدان توحي بأنّ هناك رسالة يراد إرسالها إلى واشنطن من خلال هذه الدول. وبالرغم من أنّ هناك إنكاراً إيرانياً حول وجود تفاوض علاوةً عن رفض أي تفاوض في مثل هذه الظروف، إلاّ أنّ المعطيات تقول إنّه لا بديل لإيران اليوم عن التفاوض، وأن مسألة حفظ ماء الوجه تحتاج إلى مجرّد تخريجة لا أكثر وقد يكون ترامب مستعداً لاعطائها لإيران مقابل الموافقة على الجلوس إلى الطاولة، وهو الأمر الذي يعدّ مكسباً كبيراً بالنسبة له على الصعيد الداخلي خلال المرحلة المقبلة