الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل كانت قمة لمجموعة العشرين؟

هل كانت قمة لمجموعة العشرين؟

06.07.2019
عمر كوش


العربي الجديد
الخميس 4/7/2019
خرج قادة مجموعة العشرين في قمتهم في أوساكا اليابانية ببيان ختامي وسطي، أو متوازن، لم يعط شعوراً بأنه أرضى مختلف الأطراف المجتمعة، لكنه أغفل التطرق إلى أبرز القضايا الاقتصادية العالمية، مثل الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية والحمائية التجارية. ولم يتفق القادة على خطوات جذرية لحل المشكلات الاقتصادية التي تواجه دول العالم وشعوبها، بل إنهم بالكاد ناقشوا قضايا عامة ومكررة، مثل تمكین المرأة وعدم المساواة، وأھداف التنمیة المستدامة، واستثمارات البنیة التحتیة العالمیة والصحة العالمیة، إضافة إلى قضایا البیئة والطاقة والمناخ. في المقابل، دعا البيان الختامي للقمة إلى توفير مناخ تجاري "حر ونزيه وغير منحاز"، والتحذير من أن النمو الاقتصادي العالمي لا يزال ضعيفاً مع زيادة حدّة التوتر التجاري والجيوسياسي، وأنهم يسعون جاهدين إلى "توفير مناخ تجاري واستثماري حرّ ونزيه، وغير منحاز وشفّاف ومستقر، يمكن التكهن به مع إبقاء أسواقنا مفتوحة". وفي ما يتعلق بالمناخ، كرر البيان ما جاء في بيان القمة السابقة في بيونس آيرس، حيث أكد التزام الأعضاء الـ19 باتفاقية باريس للمناخ، باستثناء الولايات المتحدة التي التزمت فقط بمواصلة خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة بطريقتها الخاصة. وتضمن بيان أوساكا اعترافاً بقرار الولايات المتحدة الانسحاب من اتفاقية باريس بشأن الحدِّ من انبعاثات الكربون التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ومثلما جرت العادة، فإن قمة أوساكا مثل سابقاتها، كانت مناسبة لعقد قادة الدول اجتماعاتٍ 
"الاجتماعات واللقاءات الثنائية فاقت أهميتها، هذه المرة، أهمية القمة ذاتها" ولقاءاتٍ ثنائية، فاقت أهمية القمة نفسها هذه المرة، ويمكن القول إن القمة انقسمت إلى سلسلة من الاجتماعات واللقاءات الثنائية، بشكل لا يمكن اعتبارها قمة "مجموعة العشرين" فعلياً. وذلك لأن التركيز الدبلوماسي والإعلامي انصبّ على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ولقاءاته واجتماعاته مع زعماء آخرين، وهو ما يتسق مع رغباته، وهو الذي لا يقيم وزناً للقمم والاجتماعات متعدّدة الأطراف، ولذلك حوّل ترامب، بوصفه زعيم الدولة الأعظم في العالم، القمة إلى مناسبة لخدمة أجندته وأهدافه، واستخدمها من أجل علاقاته العامة، ليجيّر ذلك كله خدمة لحساباته الداخلية الأميركية، وخصوصا استعدادته لخوض حملته للانتخابات الرئاسية المقبلة.
إذاً، تركز الاهتمام على لقاءات ترامب مع كل من نظيره الصيني، شي جين بينغ، للحصول على تنازلات من الصين؛ ومع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، كي يسير في قطار التطبيع مع روسيا، ومع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بهدف تحقيق ما لم يتمكن رؤساء الولايات المتحدة السابقون من تحقيقه معها، بوصفه أول رئيس أميركي تطأ قدماه أرض كوريا الشمالية، رفقة كيم، ومن المنطقة معزولة السلاح بين الكوريتين.
والواقع أن قمة أوساكا انتهت إلى تفاهمات واتفاقات مهمة ومرضية لأطرافها الثنائية، أبرزها اجتماع الرئيسين، الأميركي والصيني، فقد نتج منه تفاهم على إعادة البدء في المحادثات التجارية بين بلديهما، بعد فترة من احتدام الحرب التجارية، شهدت فرض مزيد من القيود والضرائب الأميركية على الصادرات الصينية، إضافة إلى رفع الحظر الأميركي على عملاق التكنولوجيا الصيني "هواوي"، والسماح ببيع هواتفه الذكية في الولايات المتحدة. ولكن ذلك لا يعني سوى اتفاق بين خصمين تجاريين على تأجيل تطبيق الرسوم الجديدة، التي هي أقرب إلى عقوبات أميركية على الشركات الصينية. وبالتالي، إذا كان لقاء الزعيمين الأميركي والصيني قد حقق نجاحاً قصير الأجل، فإنه لم يلغِ الحواجز الأميركية أمام التجارة مع الصين، تلك التي أدخلها ترامب نفسه، وبالتالي يمكن القول إن الاتفاق الأميركي الصيني قد خفّف من حدّة الحرب التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، إلا أن الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين يتوقف على النتائج التي ستأتي بها المفاوضات التجارية التي ستجرى بين واشنطن وبكين.
لكن اللافت أن ما روّجته دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة عن العولمة وحرية التجارة والقرية الكونية بات من مخلفات الماضي، بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، إذ فور 
"قمة أوساكا انتهت إلى تفاهمات واتفاقات مهمة ومرضية لأطرافها الثنائية" وصوله إليه، أعلن عن أوسع زيادة للرسوم الجمركية على السلع الأجنبية منذ عقود. ولم يقتصر ذلك على السلع الصينية وحسب، بل شمل أيضاً السلع والبضائع الأوروبية والكندية والروسية والمكسيكية واليابانية والكورية وغيرها، الأمر الذي جعل شبح الحمائية التجارية يخيم على الاقتصاد العالمي، بعكس ما جرى ترويجه في القمم السابقة بشأن حرية التجارة.
قيل وكُتب الكثير على مدى عقود عن منافع العولمة والتجارة الحرة، بما تعني إلغاء الحدود والموانع أمام انتقال السلع والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال، وقد قدم المروجون حججا ومبرّرات، قامت على أساس زائف، يدّعي تعميم الرفاهية وشمولها جميع شعوب العالم. اختلفت الأمور كثيراً في عالم اليوم، إذ على الرغم من تعدّد الأقطاب والقوى، إلا أن القوة الأعظم اقتصادياً وتكنولوجياً لا تزال هي الولايات المتحدة. ولذلك، فرض زعيم هذه القوة أجندته على فعاليات قمة أوساكا، وبدت وكأنها مجموعة قمم ثنائية عقدها ترامب مع نظرائه الآخرين، وبالتالي غطت استعراضاته وحركاته وقائع القمة، وجاءت مخرجاتها بمثابة إنجازات لصالحه.