الرئيسة \  تقارير  \  كيف يؤثر خلاف روسيا وإسرائيل في أوكرانيا على الميدان السوري؟

كيف يؤثر خلاف روسيا وإسرائيل في أوكرانيا على الميدان السوري؟

30.07.2022
وليد شقير


وليد شقير
الاندبندنت عربي
الخميس 28/7/2022
من أشكال الدعم الإسرائيلي لكييف إنشاء مستشفى ميداني بالقرب من الحدود البولندية غرب أوكرانيا (أ ف ب)
طرح الهجوم الإسرائيلي الأخير على مواقع بجنوب العاصمة السورية تعود لميليشيات موالية لإيران، السؤال عن مدى تأثيره على العلاقات الروسية الإسرائيلية، لا سيما بعد بيان قمة طهران في 19 يوليو (تموز) الذي خصص الفقرة 12 من نصه لإدانة "استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، بما في ذلك الهجمات على البنى التحتية المدنية".
وصدر البيان في ظل أجواء الخلاف بين موسكو وتل أبيب على موقف الأخيرة حيال الحرب في أوكرانيا، حيث تراوح الموقف الإسرائيلي بين الحياد عبر إبداء الاستعداد للعب دور الوساطة بين موسكو وكييف، كما حاول رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت بعيد اندلاع الحرب، وبين التضامن مع أوكرانيا، الذي عبر عنه خليفته بينيت يائير لبيد، لكن الخلاف تصاعد إلى العلن في 26 يوليو.
قمة طهران بين أوكرانيا وسوريا
وإذا كان صحيحاً أن اجتماع الرؤساء فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي ورجب طيب أردوغان في العاصمة الإيرانية أراده قيصر الكرملين في ظل الانقسام الدولي حول حرب أوكرانيا، للرد على العودة الأميركية إلى المنطقة، عبر زيارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل والضفة الغربية، ثم لجدة في 15 و16 يوليو، حيث التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثم قادة دول الخليج العربي الستة وزعماء مصر والأردن والعراق، فإن الجزء الأكبر من اجتماع طهران خصص لبحث الوضع في سوريا ومعالجة الخلافات بين الدول الثلاث على أراضيها، ومنها مسألة الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على الوجود الإيراني في بلاد الشام.
الجانب الإيراني لا يخفي منذ سنوات انزعاجه من أن موسكو لا تساعد في مواجهة الضربات الإسرائيلية لمواقع "الحرس الثوري" الإيراني والميليشيات التابعة له، ومخازن الأسلحة التي ينقلها إلى الميدان السوري، سواء لتسليمها لـ"حزب الله" اللبناني، أو من أجل تمكين الميليشيات الموالية له من تهديد إسرائيل، انطلاقاً من محافظة القنيطرة الجنوبية والحدودية مع الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، ونقلت طهران هذا الانزعاج إلى الجانب الروسي مرات عديدة، بينما كان رد موسكو أن مهمة قواتها في سوريا "محاربة الإرهاب" والوقوف إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد وليس مواجهة إسرائيل.
بين "زعزعة الاستقرار" ومخازن الأسلحة
لكن أقطاب قمة طهران الثلاثة اعتبروا أن الهجمات الإسرائيلية "تمثل انتهاكاً للقانون الدولي والقانون الإنساني وسيادة سوريا ووحدة أراضيها". ونصت الفقرة المتعلقة بهذه الهجمات الإسرائيلية على أنها "تزعزع الاستقرار وتزيد من حدة التوتر في المنطقة"، كما أكدوا مجدداً ضرورة الالتزام بالقرارات الدولية، بما في ذلك تلك الأحكام الواردة في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة الرافضة لاحتلال الجولان السوري، وعلى رأسها قرارا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "242" و"497، اللذان ينظران أيضاً في جميع القرارات والتدابير التي تتخذها إسرائيل.
ولم تمض ثلاثة أيام حتى نفذ الجيش الإسرائيلي غارة جوية على مواقع قرب مقام السيدة زينب الديني الذي توجد فيه مكاتب ومواقع لـ"الحرس الثوري" وميليشيات موالية له، وهو مقام تاريخي تكثف الوجود الإيراني فيه منذ 2012 وجرى التوسع في الأبنية التابعة له، ومن بينها مراكز للميليشيات.
وقالت وكالة "سانا" الرسمية للأنباء إن ثلاثة عسكريين قتلوا وأصيب سبعة آخرون جراء الغارة الجوية الإسرائيلية التي طالت أهدافاً في محيط العاصمة السورية دمشق فجر الجمعة.
ونقلت "سانا" عن مصدر عسكري قوله إن "إسرائيل نفذت عدواناً جوياً برشقات من الصواريخ من الجولان السوري المحتل مستهدفاً بعض النقاط في محيط دمشق، وتصدت وسائط دفاعنا الجوي لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها".
قتلى غير سوريين
وبينما امتنعت إسرائيل عن التعليق، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد القتلى "ستة، ثلاثة منهم سوريون والباقون من جنسيات أخرى"، مضيفاً أن إسرائيل استهدفت "مكاتب للاستخبارات الجوية ومكتباً لضابط رفيع المستوى" و"مستودع أسلحة للإيرانيين في محيط منطقة السيدة زينب".
لكن المرصد أفاد بـ"مقتل ستة عناصر، ثلاثة منهم سوريون والثلاثة الباقون من جنسيات غير سورية، إضافة إلى إصابة 10 عناصر آخرين".
 وأوضح رامي عبد الرحمن مدير المرصد أن القصف أدى لتدمير مصنع للطائرات المسيرة، وأن عدداً من القتلى ينتمي إلى "حزب الله" اللبناني أو إلى الحرس الثوري الإيراني". ولم يتم التأكد من معلومات "المرصد"، إذ إن "حزب الله" لم يعلن سقوط قتلى له، فيما تقول مصادر مناوئة للحزب إنه يمتنع منذ مدة عن إعلان قتلاه في سوريا جراء القصف الإسرائيلي، تجنباً للإحراج.
وكانت موسكو استنكرت القصف الإسرائيلي الذي استهدف مطار دمشق في 10 يوليو، خصوصاً أنه توقف عن العمل لأيام، بعد إصابة مدرج تستخدمه الطائرات الإيرانية التي تقل حجاجاً إلى المقامات الدينية وكذلك أسلحة.
الوكالة اليهودية
وتوترت العلاقات الروسية الإسرائيلية حينما صرح لبيد وقت أن كان وزيراً للخارجية، بأن الهجوم الروسي ضد أوكرانيا "انتهاك للنظام العالمي". وكان من مظاهر التوتر مداهمة السلطات الروسية مقر "الوكالة اليهودية" في موسكو وتفتيش محتوياتها.
وقال دبلوماسيون عرب على صلة مع موسكو لـ"اندبندنت عربية" إن وزارة العدل الروسية أقدمت على ذلك نتيجة اتهامات للوكالة، التي تسهل عمليات هجرة اليهود في العالم إلى إسرائيل، بأنها تقدم إغراءات لعلماء يهود روس مهمين كي يهاجروا إلى تل أبيب، ما أثار حفيظة السلطات الروسية، وأدى ذلك إلى تجميد نشاط الوكالة، التي أحالت وزارة العدل في موسكو ملفها إلى محكمة من أجل النظر في طلبها وقف فرعها على الأراضي الروسية في القريب العاجل.
بوتين في طهران... سوريا وأشياء أخرى
نزاع مرتقب بين تل أبيب وموسكو عنوانه "الوكالة اليهودية"
هل استهدفت روسيا الوكالة اليهودية بسبب موقف إسرائيل من حرب أوكرانيا؟
إلا أن معظم المحللين وجدوا في الخطوة رداً على مواقف لبيد، الذي عاد أثناء زيارة بايدن إلى إسرائيل في 13 يوليو وتحدث عن "الهجوم الروسي غير المبرر لأوكرانيا". وقال إنه "من أجل حماية الحرية، يجب أحياناً استخدام القوة"، فيما تسعى تل أبيب إلى الإيحاء بموقف متوازن، تارة عبر عدم التزامها العقوبات الأميركية الغربية على موسكو، وأخرى بالإعلان عن "عدم السماح لأي شخص بانتهاك العقوبات المفروضة على روسيا من أراضينا"، كما قال السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين. وفي الوقت نفسه هناك تسريبات عن أسلحة قدمتها إسرائيل إلى أوكرانيا، وتقارير عن أن بعض الإسرائيليين يقاتلون إلى جانب الجيش الأوكراني ضد القوات الروسية.
الخيارات حيال الخلاف
وانفجر الخلاف في الأيام الماضية بعد تسريب قرارات أعدتها الخارجية الإسرائيلية في حال منع نشاط الوكالة اليهودية في روسيا، للرد عليها، إذ نقل موقع "إسرائيل اليوم" عن السفير الإسرائيلي السابق في روسيا وأوكرانيا تسفي ماغن، قوله إن لدى "السلطات الإسرائيلية خيارات عدة لممارسة الضغط على موسكو"، مشيراً إلى أنه "يمكن لإسرائيل تغيير موقفها المحايد بحكم الأمر الواقع في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. بالطبع، قد يكون لهذا عواقب وخيمة من الجانب الروسي، لكنه خيار".
ولفت إلى أنه "يمكن لإسرائيل أن تنضم إلى العقوبات الغربية على روسيا، وهي ليست جزءاً منها حالياً". واعتبر أنه "لا ينبغي تقييد إسرائيل بسبب مخاوف من حرية العمل العسكري في سوريا، حيث لا تتطلع روسيا إلى تغيير الوضع الراهن هناك"، معتبراً أن "الوضع السياسي والعسكري المعقد الذي يعيشه الروس يمكن إسرائيل من ممارسة الضغط على موسكو"، مستبعداً أن تفي موسكو بوعدها بإغلاق مكاتب الوكالة اليهودية.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إنه "يجب التعامل مع هذا الوضع بحذر شديد، وهناك أسئلة حول امتثال الوكالة اليهودية للتشريعات الروسية. وجميع المنظمات في الاتحاد الروسي يجب أن تمتثل لقوانين الدولة".
ورد المتحدث باسم لبيد على بيسكوف قائلاً: "إذا كانت هناك قضايا قانونية تتعلق بالنشاط المهم للوكالة اليهودية في روسيا، فإن إسرائيل كما هي الحال دائماً مستعدة للانخراط في حوار مع الحفاظ على العلاقات المهمة بين الدولتين".
التضييق الروسي على إسرائيل في سوريا
وبموازاة ذلك، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس للقناة 13 الإسرائيلية في 26 يوليو، أن الطائرات الإسرائيلية العسكرية تعرضت لنيران روسية مضادة للطائرات (إس 300) فوق سوريا في 13 مايو (أيار) الماضي لكنها أخطأت هدفها. ووصف المواجهة بأنها "حادثة لمرة واحدة".
وعلى الرغم من أن انضمام إسرائيل إلى المعسكر الغربي في شأن الحرب في أوكرانيا مسألة جوهرية بالنسبة إلى موسكو لا تقبل بها، فإن العارفين بطبيعة العلاقة الروسية الإسرائيلية لا سيما في سوريا، يرجحون ألا ينعكس الخلاف في الميدان السوري بشكل جذري، نظراً إلى حاجة الدولتين إلى التفاهم الميداني هناك.
لكن قد يحتضن الميدان السوري توجيه بعض الرسائل من الجانب الروسي، فمعظم عمليات القصف والغارات الإسرائيلية تأتي نتيجة معلومات استخباراتية تحصل عليها إسرائيل من مصادر سورية، على الأرض. وحين تنفذ إسرائيل عملياتها الجوية تبلغ موسكو بها مسبقاً، وعند قصف المطار في 10 يوليو جرى إخلاؤه مسبقاً من قوات سورية وغيرها ومن موظفي برج المراقبة، إذ تم إخطار موسكو بالعملية قبل التنفيذ. ويراجع الجانبان قواعد التنسيق في شكل دائم لضمان عدم حصول صدام بالخطأ، كما جرى في سبتمبر (أيلول) 2018 حين أطلقت مضادات أرضية سورية نيران رشاشات ثقيلة على طائرة، تبين لاحقاً أنها عسكرية روسية للنقل. كما أن إسرائيل حرصت على مراعاة الطلب الروسي بعدم استهداف الجيش السوري، إذا كانت تقصد ملاحقة الوجود الإيراني.
ويفترض مراقبة مدى انعكاس هذه التطورات بسوريا في الأسابيع المقبلة، حيث تحرص موسكو على أفضل العلاقات مع طهران كحليف أساسي، وعقدت معها تحالفاً استراتيجياً خلال زيارة بوتين لطهران، شمل توقيع اتفاق ضخم بقيمة 40 مليار دولار، ويشمل تطوير العملاق النفطي الروسي "غاز بروم" 3 حقول غاز و6 حقول نفطية، ويهم موسكو جذبها سياسياً إلى جانبها في حرب أوكرانيا، وفي الوقت نفسه لا تريد التفريط بعلاقتها مع الدولة العبرية نظراً إلى حرص بوتين على إبقاء الصلة المفيدة بها، كلاعب رئيس في الشرق الأوسط يعينها على إحداث توازن مع النفوذ الإيراني المتمادي في سوريا، فضلاً عن أن تل أبيب ما زالت على موقفها بالإبقاء على حليف موسكو بشار الأسد في السلطة.
ويقول المتصلون بموسكو إنها ليست متعجلة لتفعيل الاتفاق الاستراتيجي مع طهران لهذا السبب، نظراً إلى حذرها حتى إشعار آخر من أن يحل مخزون الغاز الإيراني الهائل في الحقول غير المستكشفة بعد، مكان الغاز الروسي في تزويد أوروبا بالطاقة، فيما الغاز الإسرائيلي الذي تسعى أميركا إلى تأمينه لحلفائها الأوروبيين بديلاً عن الغاز الروسي أقل بكثير من حاجتهم الفعلية.