الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد الضربة الأميركية

ما بعد الضربة الأميركية

22.04.2018
بيار عقيقي


العربي الجديد
السبت 21/4/2018
هدأ العالم قليلاً بعد الضربة الثلاثية الأميركية ـ الفرنسية ـ البريطانية على سورية الأسبوع الماضي. هدأ الضجيج الذي كان محدقاً بالعالم، جرّاء التهديدات المتبادلة بين الروس والأميركيين. في الواقع، لم تكن الضربة مؤذية ولا مكلفة، بل تراوحت بين إسقاط الصواريخ الغربية وسقوط تلك الصواريخ في مواقع غير مأهولة بشرياً، بعد تفريغها من محتوياتها قبل بدء القصف.
هدأ العالم. لكن من انتصر؟ هل هو الروسي الذي هدّد بأنه سيقصف مواقع إطلاق الصواريخ، وهو الأمر الذي لم يفعله؟ أم الأميركي الذي أعاد التذكير بأنه في صلب الشرق الأوسط، ولن يغادر المنطقة ما لم يحقق كامل أهدافه؟ بالطبع، العنوان المُعلن هو "داعش"، لكن العناوين الخفية تتخطى التنظيم إلى حقول النفط في الشرق السوري.
في الحسابات، وصل الأميركي إلى البحر المتوسط، ومعه عشرات البوارج والمدمّرات الغربية، من فرنسية وبريطانية، ولم تسجّل عودة أي منها إلى بلادها، وكأنها تريد "الحرص على عدم استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي مجدّداً"، أو أنها تستعدّ لأمرٍ ما، أو مواجهةٍ ما. فكل يوم في البحر بالنسبة للبوارج والمدمّرات عالي الكلفة، ولا بدّ من أن طرفا ما سيدفعها. بالتالي، الوجود الأميركي والغربي في البحر في الوقت الحالي أمر مريب. ثمّ إن الضربة أثبتت، إلى حين، أن الأميركيين هم الأقوى عملياً على حساب الروس. دائماً ما كان الروسي يتراجع مع وصول الأمور إلى حدّها الأقصى. في أزمة الصواريخ الكوبية 1962 فعلها. المواجهة مع الأميركيين مكلفة للروسي، وهو يدرك ذلك. متجر "ماكدونالدز" في موسكو شاهد على "انتصار الرأسمالية المتوحشة على حساب الشيوعية المرتبكة".
من يرى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهو يتحدث عن "السلام العالمي" في أثناء تهديد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إن "الصواريخ قادمة يا روسيا وستكون ذكية ولطيفة"، يدرك أنه فشل في استيعاب ترامب المتهم بأنه "روسي" الانتماء. قد يأخذ روبرت مولر، المحقق الخاص في شأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ذلك في عين الاعتبار. ولو كانت الأمور اتفاقا بين روسيا والولايات المتحدة، كان حريّاً بواشنطن وقف العقوبات الاقتصادية بحقّ موسكو التي تعاني عملياً من تردّي الوضع الاقتصادي فيها.
هل يمكن القول إن ترامب قد يعيد المحاولة؟ كله وارد، فهو بضربة مطار الشعيرات العام الماضي، ثم مواقع عدة في العام الحالي، يكون قد فتح باباً واسعاً أمام دفع الحلّ السوري قدماً، باتجاه اتفاق جنيف لا سوتشي ولا أستانة. وكان وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، واضحاً في هذا الصدد. جنيف أولاً. وهو ما يعني أن الحلّ سيكون أميركياً. دائماً ما كانت الحلول، وعلى سوئها أو صحتها، أميركية. الحلّ الأميركي عبر اتفاق الطائف السعودي طُبّق في لبنان. الحلول الأميركية من "كامب ديفيد" إلى "واي ريفر"، خُصصت لفلسطين المحتلة. الحلّ الأميركي في تقاسم السلطة في العراق ما زال شاهداً. الأميركيون يصنعون الحلول وفق أهوائهم، لا وفق مصالح الشعوب. وهو ما سيحصل في سورية، وهو ما لن يقدر لا الروسي ولا الإيراني على منعه. لم يغادر الأميركيون الشرق الأوسط، ولو أغلقوا الباب فترة. مغادرة الشرق الأوسط تعني حكماً مغادرة الوسط الآسيوي، أي قلب مستقبل الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة، عبر طريق الحرير. فعل الأميركيون دوماً ما يجيدون فعله، أي خلق الفوضى وإدارتها، معادلة أساسية لديهم.
بتغريدة واحدة، أشعل ترامب العالم، ومن يصدّق أننا وصلنا إلى "نهاية أميركا" أو "نهاية الزمن الأميركي"، عليه بداية التخلي عن كل ما تمثله أميركا في الثقافة والملابس والسينما والطعام والتلفزيون والموسيقى، والتوقف عن طلب الهجرة أو السياحة إليها. لا يُعقل أن تثق بهزيمةٍ لبلادٍ كأميركا وأنت تقف على أبواب سفاراتها منتظراً تأشيرة دخولٍ إليها.