الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل وصل الشرق الأوسط إلى نقطة اللاعودة

هل وصل الشرق الأوسط إلى نقطة اللاعودة

13.09.2020
العرب اللندنية


العرب اللندنية 
السبت 12/9/2020 
لندن- تحتل النزاعات السياسية المسلحة في الشرق الأوسط صدارة الاهتمام دائما في فصل الصيف، ومع صعوبة عقد مقارنات من هذا النوع طيلة العقود الماضية، لكن يمكن الوقوف على العديد من الشواهد لاسيما المرتبطة بهذا العام لتوقع ما هو أسوأ. 
وهناك شواهد كثيرة كان فيها الصيف دائما هو أقسى موسم في المنطقة مثل حرب يونيو 1967، واجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان عام 1982، وغزو صدام حسين للكويت في عام 1990، ومن ثم ظهور تنظيم داعش في العراق في 2014. 
وتقول مجلة فورين بوليسي الأميركية إن المراقبين تخيلوا قبل عقد من الزمن أن تضم المنطقة أنظمة سياسية سلطوية ومستقرة إلى حد كبير، ولكن تحول المسار إلى عدم الاستقرار ومع توقع موجة وشيكة من التحول الديمقراطي والتقدم الاقتصادي والسياسي، باتت تلك الآمال مجرد سراب. 
ولطالما واجهت المنطقة تحديات مثل التدخل الأجنبي والزعماء الاستبداديين والتنمية الاقتصادية المشوهة والتطرف والحروب والصراعات الأهلية، لكن هذا العام أضاف إلى ذلك المزيج جائحة عالمية وركودا اقتصاديا مؤلما، ما أدى إلى توسيع نطاق الأزمة بشكل تجاوز أي وقت آخر في التاريخ. 
وتتميز المنطقة بالعنف، وعودة الاستبداد، والاضطرابات الاقتصادية، والصراع الإقليمي، مع عدم وجود مخرج واضح من الأزمة. وحتى في أحلك الأوقات، كان هناك تفاؤل بشأن تطورات المنطقة، لكنها كانت لحظات بدا فيها أن الأزمات تأتي واحدة تلو الأخرى. 
ويرى الباحث ستيفن أي كوك كبير زملاء إيني إنريكو ماتي لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي أنه عندما تخفت حدة الأزمات، كان هناك دائما احتمال أن تأتي أيام أفضل، بيد أن ذلك غير ممكن اليوم، ومن المنطقي تماما أن يشعر المتابعون باليأس بشأن المنطقة بسبب تعقيدات المشاكل. 
أدت الحرب بين الحكومة الشرعية والحوثيين في اليمن، أفقر دولة في المنطقة، إلى تدمير البنية التحتية وسط تفشي الكوليرا وهو الأكبر في التاريخ المسجل علميا. والآن تأتي جائحة كورونا، التي قال عنها رئيس الصحة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنه “من المستحيل إدارتها” في البلاد. 
وعلى عكس اليمن، يمر العراق بحالة انهيار برغم ثرواته لأن مؤسساته السياسية تمكنت من توليد الفساد بينما تسيطر أذرع إيران على مفاصل البلد منذ سقوط صدام حسين. ثم هناك الفلسطينيون، الذين يبدو أن مصيرهم العيش في حياة مروعة، محاصرين في قطاع غزة أو يعيشون في الضفة الغربية بواجهات معقدة من الوزارات والبروتوكول والبيروقراطية. 
لكن كل من اليمنيين والعراقيين والفلسطينيين ليسوا وحدهم المتضررين في المنطقة ولا هم الأكثر رمزية من غيرهم، حيث تستحق أزمات لبنان وسوريا وليبيا دراسة أعمق بالنظر إلى أن أنظمة هذه الدول تقف على حافة الهاوية. 
فلبنان، الذي كثيرا ما يُشار إلى عاصمته بيروت باسم “باريس الشرق الأوسط”، تعرض لضربات مدمرة  الواحدة تلو الأخرى، وفي الخريف الماضي حاولت الحكومة فرض ضريبة قدرها 20 سنتا على اتصالات تطبيق واتسآب. وكانت هذه خطوة غريبة إلى أن اتضح مدى اليأس الذي وصلت إليه الحكومة لزيادة الإيرادات. 
ولطالما اجتذبت المصارف الخاصة ودائع بالدولار عبر الوعد برفع أسعار الفائدة ثم خلفت وعدها وأقرضت الأموال للحكومة لكن في منتصف العام الماضي، انخفضت الودائع بالدولار، ثم بدأ اللبنانيون يطالبون بالمزيد من الدولارات. 
وللحفاظ على وهم استقرار العملة، وهو أمر مهم لجذب الدولار، حافظ حاكم مصرف لبنان المركزي على سعر صرف الدولار عند 1500 ليرة، لمواجهة السوق السوداء، مما أدى إلى تحطيم وهم استقرار الليرة، وأدى ذلك بدوره إلى انهيارها. 
وأنتج هذا أسوأ ما في الأمر من تضخم هائل، وحكومة غير قادرة على القيام بالإصلاح، واحتجاجات ضد ضريبة واتسآب التي تحولت بسرعة إلى مطالب بإنهاء الحكومة، لتصل البلاد إلى التخلف عن سداد ديونها في مارس الماضي. 
وزادت جائحة كورونا من بؤس الأزمة المالية في لبنان ورغم أن معدل الإصابة ومعدل الوفيات تبلغ حوالي 1 في المئة، وهو منخفض مقارنة بدول أخرى في المنطقة، فقد فرضت السلطات إجراءات إغلاق كان لها تأثير مضاعف على الرفاه الاقتصادي للبنانيين. 
والآن الأشخاص الذين تمّ تسريحهم من وظائفهم بسبب الأزمة الصحية يتعاملون مع الآثار الموازية للانحدار السريع في قيمة العملة بعد أن تراجعت بنحو 80 في المئة في غضون عشرة أشهر مما جعل السلع والخدمات أكثر تكلفة. 
ويقدر البنك الدولي أن تتضاعف أعداد الفقراء هذا العام، ليغطي ربما نصف الشعب، بينما تعاني البلاد من اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين يعيشون معهم، من انعدام الأمن الغذائي بعد أن زادت المقايضة في البلاد حيث يحاول الناس يائسين تأمين إمدادات كافية للبقاء على قيد الحياة بشكل يومي. 
ويقول الأشخاص الذين عانوا الحرب الأهلية إن الوضع الاقتصادي أسوأ بكثير الآن مما كان عليه في ذلك الوقت، وحتى لو كان لدى صندوق النقد الدولي ما يكفي من الموارد لمساعدة لبنان، فلم يتضح بعد من ستكون لديه السلطة لمخاطبة الصندوق أو ما إذا كان لديه أي قدرة على تنفيذ إصلاحات مؤلمة. 
ويؤكد أي كوك أن ذلك كله جعل الدولة تنهار ومعها مصداقية الطبقة السياسية، بما في ذلك حزب الله المدعوم من إيران. والسبب الجذري لهذا الوضع الخطير هو قصة قديمة ومتكررة، وهو النظام السياسي الطائفي في البلاد الذي كان يهدف إلى خلق توازن تقريبي، ولكنه غير متكافئ، لضمان قدر ضئيل من الاستقرار، ولكن لم يكن أكثر من مجرد نظام غنائم للقادة المارونيين والسنة والشيعة الذين نهبوا البلاد. 
وأوضح أن الاعتبارات العامة لن تساعد الوضع المتدهور الحالي في لبنان، حيث الجماعات المسلحة، والجهات الخارجية لها مصالح، والمنافسة شديدة على من يسيطر على ما تبقى من موارد الدولة. 
وأكد مراقبون في الكثير من الأحيان أنه من غير المرجح أن يقع لبنان في مثل هذا النوع من العنف الذي اجتاح البلاد بين عامي 1975 و1990، حيث تم إحراز تقدم كبير للغاية في إعادة توحيد البلاد منذ ذلك الحين. 
وكان أمراء الحرب شيئا من الماضي تم ترويضه في اللعبة السياسية بعد الحرب، وهذا يبعث على الارتياح على مستوى واحد، ولكن في ظل الظروف الحالية، أصبح لبنان صندوقا للبارود لمعظم فترات الصيف. وبعد ذلك وقع الانفجار في مرفأ بيروت، وأدخل البلاد في المزيد من الاضطرابات وأدى -لحسن الحظ- إلى استقالة الحكومة. 
وقال الباحث أي كوك، حيث يشكل كتاب “الفجر الكاذب: الاحتجاج والديمقراطية والعنف في الشرق الأوسط الجديد”، أحدث مؤلفاته، “بالطبع يمكن أن نستحضر عددا من السيناريوهات للبنان، لكن سيكون من السذاجة التفكير بجدية في سيناريو إيجابي”. وفي أعقاب انفجار بيروت، كان الشعب اللبناني هو النقطة المضيئة الوحيدة التي تتجمع لمساعدة بعضها البعض وتنظيف شوارع الحطام، ولكن مع مرور الوقت وزيادة السوء الناتج عن انهيار البلاد، فإن هذا يعني المزيد من المشقة التي ستترك الناس يبحثون عن الأمان والعون لإنقاذ أنفسهم. 
ويؤكد أي كوك أن ضالتهم سيجدونها على الأرجح حيث وجدوها من قبل داخل عقيدتهم ومجتمعاتهم العرقية، ومما يزيد من هذا البؤس انهيار لبنان في سياق إقليمي، فهناك عدد من اللاعبين الخارجيين والداخليين الذين قد يرغبون في استخدام محن البلاد للضغط على أعدائهم وخصومهم، بمن فيهم حزب الله. 
وربما يمارس الإسرائيليون والسعوديون والإيرانيون وغيرهم ضبطا غير معتاد للنفس، لكن يبدو أنه من غير المحتمل استمرار هذا الضبط بالنظر إلى الحوافز لمواصلة المعارك الإقليمية بالوكالة في تلك الأماكن تحديدا حيث الدولة إما غير موجودة وإما بالكاد موجودة. 
لدى المراقبين قناعة بأن مستقبل لبنان لا يزال مجهولا، لكن المسار العام للبنان يكاد يكون مؤكدا بشكل سلبي عميق ومثير للقلق. وعلى الرغم من ذلك، لم يُجبر اللبنانيون على تحمل ما عاناه جيرانهم السوريون على مدار العقد الماضي تقريبا. فنظام بشار الأسد أصبح آلة موت ونزع. 
وقد أفسح خصوم سوريا من المسالمين، الذين كانوا يريدون الفرصة لبناء مجتمع أفضل، الطريق منذ فترة طويلة لمجموعة من الميليشيات والمتطرفين والقوى الخارجية التي تشن حربا ضد الأسد وبعضها البعض لأسباب خاصة بهم، ودائما على حساب السوريين. 
وقتل الصراع في سوريا ما يقدر بنحو 600 ألف شخص، بما في ذلك عشرات الآلاف من الأطفال. وفر أكثر من 12 مليون سوري، أي ما يعادل 57 في المئة من تعداد الشعب قبل الحرب، من ديارهم. ومن بين أولئك الذين فروا، يعيش 5.6 مليون الآن كلاجئين في جميع الظروف التي يمكن تخيلها مع تلاشي الفرص أمامهم للعودة إلى ديارهم. 
ومنذ وقت ليس ببعيد، كان التفكير في العواصم الغربية والعربية هو أن الأسد قد انتصر، إلى حد كبير بسبب التدخل العسكري الروسي والدعم الدبلوماسي، ومع ذلك استمرت الحرب. وفي عدة أماكن كان يُعتقد في السابق أنها هادئة، كانت هناك احتجاجات جديدة وعنف نظام جديد. 
ومع استمرار تدهور الاقتصاد السوري مع انهيار لبنان وغياب أي إعادة إعمار محتملة، أصبح أنصار الأسد متصلبي الرأس حيث لم تتحقق مكاسبهم الاقتصادية المتوقعة من النصر. كما أن فرض عقوبات أميركية جديدة من خلال قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، والذي يستهدف على وجه التحديد أعضاء الدائرة المقربة من الأسد، وأنصار النظام، والكيانات التي تتعامل معهم، يعد بتفاقم المشاكل الاقتصادية للحكومة السورية والعزلة الدولية. 
ويرى كوك أنه ستكون هناك هتافات إذا سقط نظام الأسد، لكنها ستكون عابرة. ومن المرجح ألا يؤدي سقوطه إلى نهاية الصراع ولكن إلى ظهور مرحلة جديدة في القتال. ففكرة أن المقاتلين سوف يلقون أسلحتهم ويتفاوضون هي فكرة غير واقعية مثل الفكرة التي تم التأكيد عليها غالبا في الأيام الأولى للانتفاضة السورية، أن الأمر كان مجرد مسألة وقت قبل سقوط الأسد. 
ومهما حدث، فإن السوريين الذين بقوا في البلاد سيظلون عالقين في الوسط، وسيُجبرون على البقاء في أرض ممزقة يتقاتل عليها أناس لا تعرف قسوتهم حدودا، مع عدم وجود نهاية للعنف تلوح في الأفق. 
وبالنظر إلى ليبيا، فقد حظي انهيارها اهتماما أقل بكثير من سوريا. فعندما فر معمر القذافي من طرابلس، اعتقد محللون غربيون أن الليبيين هم الأفضل في المنطقة لبناء مستقبل ديمقراطي ومزدهر لأن البلد النفطي، كما قالوا، “صفحة نظيفة”، إلا أن الأمر لم يسر كما كان متوقعا، وسرعان ما تشيطنت البلاد. 
ومع انقسام ليبيا على أسس جغرافية وقبلية، تدخلت مجموعة من الميليشيات والجماعات المتطرفة، في الوقت الذي ادعت فيه حكومتان مختلفتان تفويضهما لقيادة البلاد، التي تشهد حربا أهلية واسعة النطاق عندما سعى المشير خليفة حفتر للإطاحة بخصومه المتمركزين في طرابلس في ربيع 2019 وفي هذا الجهد، حصل الموالون السابقون للقذافي على دعم مصر والإمارات وفرنسا وروسيا، وكلها كانت تضم مجموعة من المخاوف التي تركزت على حفتر وجيشه الوطني الليبي. 
وتم صد هجوم حفتر على طرابلس بمساعدة تركيا التي زجت بالمرتزقة وأعضاء من الميليشيات المتحالفة معها في سوريا، حيث تمتلك مصالح في ليبيا وهي مزيج من السياسة الداخلية التركية، والمبدأ، ومحاولة القيادة الإسلامية، والعداء لمصر والإمارات، والحسابات الجيوستراتيجية. 
ومثل خصومهم، لا يهتم الأتراك كثيرا برفاهية الليبيين وسعوا لتمديد الحرب رغم استعداد حفتر المفاجئ للمفاوضات، لكن الغطرسة التركية قد تكون في غير محلها، وإذا قام الرئيس رجب طيب أردوغان بالمبالغة، فقد يواجه هو وحلفاؤه في طرابلس خصوما جددا في الجزء الشرقي من البلاد. وهكذا ظهرت التساؤلات في واشنطن والعواصم الأوروبية في مطلع الصيف حول احتمالات اندلاع حرب بين تركيا ومصر.