الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما بعد توازن الضعف في سوريا

ما بعد توازن الضعف في سوريا

22.08.2017
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 21/8/2017
بدلاً من السير في عملية انتقالية، يكون طرفاها النظام والمعارضة، تأسيساً على بيان جنيف 1 في 30 يونيو 2012، وهو ما كانت ترجوه المعارضة السورية، سارت الأحداث، بعد تدخل روسيا، في 30 سبتمبر 2015، نحو خيارات أخرى، تستبعد التفاوض المباشر، عبر مقاربة جديدة للمسألة السورية برمتها، وهي المقاربة التي فرضتها موسكو، ونجحت إلى حدّ بعيد في تحويلها إلى وقائع، خصوصاً مع "اتفاق خفض التصعيد"، وهو الاتفاق الذي يوضّح إلى حد بعيد فلسفة موسكو في ترتيب مستقبل سوريا.
صرّح المسؤولون الروس في العديد من المناسبات أنهم لا يدافعون عن بقاء بشار الأسد، من دون أن يعلنوا قابلية التخلي عنه، ومؤكدين غير مرّة تمسكهم بالدولة السورية، فاسحين -في تلك التصريحات- المجال أمام تأويلات متعددة لموقفهم، بل ولخياراتهم أيضاً، كما ذهبوا نحو التعاطي مع الصراع الوطني السوري، ليس بوصفه سلة واحدة متكاملة، بل بوصفه جملة من الأزمات التي ينبغي تفكيك كلّ واحدة منها على حدة، مستفيدين من التناقضات الإقليمية من جهة، والتناقضات السورية من جهة أخرى، خصوصاً على جبهة المعارضات السورية غير المتفقة فيما بينها على برنامج عمل موحد. وبعد ما يقارب العامين من التدخل الروسي العسكري، تغيّرت اللوحة الميدانية بشكلٍ واضح، فقد تمكنت روسيا من إخراج قوات المعارضة المسلحة من حلب، بالتوافق مع تركيا، التي باستدارة نحو موسكو، وأصبح بالإمكان القول إن ما بعد انسحاب المعارضة المسلحة من حلب في الصراع السوري ليس كما قبله.
لقد تمكنت روسيا من فرض توجهات جديدة على المعارضة السورية،وفي الوقت نفسه، حوّلت النظام السوري إلى لاعب هامشي، فحتى المصالحات والهدن في المناطق أصبحت ترعاها روسيا، ويوقع عليها قادتها الميدانيون.
وبعد أن كانت الدول الإقليمية هي الدول الفاعلة بشكل مباشر في الميدان السوري، عبر أذرع عسكرية ممولة من قبلها، أو ميليشيات تابعة لها مباشرة، كما في حالة "حزب الله" اللبناني، وميليشيات عراقية، فقد أضعف التدخل الروسي بشكلٍ واضح معظم الأذرع الإقليمية، خصوصاً مع انخراط تركيا وإيران في مفاوضات "أستانة"، وأصبح بالإمكان أكثر إحداث فصل بين القوى المسلحة في الساحة بين من يقبلون بالمسار السياسي وبين من هم مصنفون على قوائم الإرهاب، وقد شهدت مدينة إدلب مؤخراً تحولات مهمة بهذا الصدد، حيث تحاول بعض الفصائل تغيير جلدها، لتبعد عن نفسها تهمة الإرهاب، ومن أجل تجنّب تحويل المدينة وريفها مصيراً كارثياً، خصوصاً أن إدلب تحوّلت، خلال العامين الأخيرين، إلى تجمع للخارجين والمبعدين من عناصر القوى الإسلامية، وفي مقدمتهم "جبهة النصرة".
لقد فشلت كل الأطراف السورية من نظام ومعارضة في كسب المعركة العسكرية، فلا النظام تمكّن من القضاء على المعارضة، ولا المعارضة تمكنت من إسقاط النظام بقوة السلاح، كما استنزفت جميع الأطراف الداخلية قوتها، وشرعيتها، وأصبح واضحاً أن عنوان الواقع الميداني والسياسي السوري هو حالة توازن الضعف.
إن النجاح الروسي في إيصال جميع الأطراف إلى حالة توازن الضعف شيء، وتمكّن روسيا من وضع خريطة سياسية للمستقبل شيء آخر، ولن يكون ممكناً لموسكو أن تقوم برسم تلك الخريطة وحدها، أو على مقاس مصالحها وحدها، فإذا كان الأمر الأول قد تحقق لها عبر القوة العسكرية الضاربة، فإن الأمر الثاني يحتاج إلى أدوات ناعمة، وإلى تفهم مخاوف ومصالح دول الإقليم، والتي من دونها لن يكون بالإمكان الحشد سياسياً من أجل التوافق على شكل النموذج السياسي، أو ضمان تدفق ما يكفي من الأموال الضرورية للمهام المتعددة في المستقبل، وفي مقدمتها عودة اللاجئين، خصوصاً في دول الجوار (تركيا، الأردن، لبنان).
وإذا كانت حالة توازن الضعف هي المقدمة الضرورية لكسر الأوهام لدى الأطراف المحلية والإقليمية على حدّ سواء، فإن تحقيق انفراجات وطنية أصبح أمراً ملحّاً من أجل ضمان التقدم خطوة أبعد في المسار السياسي، إذ لا يمكن تحقيق أي تقدم في هذا المسار من دون معالجة ملفات وطنية رئيسية، في مقدمتها ملف المعتقلين في سجون النظام والفصائل، وضمان عودة المنفيين والمعارضين السوريين، ووضع تصورات أولية عن عودة اللاجئين، وقبل ذلك، بدء انسحاب الميليشيات الأجنبية من سوريا، وغيرها من العناوين الوطنية.