الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل خضع ترمب للدولة العميقة؟

هل خضع ترمب للدولة العميقة؟

22.02.2018
ياسر الزعاترة


العرب
الاربعاء 21/2/2018
هناك ملامح عديدة تؤكد أن ترمب، وبعد مرور عام على وجوده في السلطة، قد خضع لمنطق الدولة العميقة، سواء فعل ذلك خشية التخلص منه بطريقة ما، أم أصبح أكثر تسييساً وفهماً لتعقيد السياسة وتركيبها بعيداً عن منطق التجارة و"البزنس".
بدأت ملامح الخضوع من استراتيجية الأمن القومي التي أُعلنت نهاية العام الماضي، وكرّست ما هو معروف، ممثلاً في التحديات التي تواجه الزعامة الأميركية للعالم، والتي تتصدرها الصين وروسيا، لكنها بدت أكثر وضوحاً بعد ذلك، بخاصة خلال الأسابيع الأخيرة التي تراجع حضور ترمب خلالها في مشهد السياسة الخارجية، تاركاً لوزيري الخارجية والدفاع فرصة التحرك على هذا الصعيد، وهما دون شك أكثر منه إدراكاً لتعقيدات السياسة.
المواقف التي عبّر عنها ترمب خلال مقابلته مع صحيفة "إسرائيل اليوم" في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية هي جزء لافت من هذا التراجع الذي سجّله ترمب، إذ سجّل تراجعاً على صعيد القدس وحسم حدودها في مفاوضات الحل النهائي، وكذا في ما يتعلق بتحميل مسؤولية عدم التوصل للحل للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في آن، وكذلك في ما يتعلق بملف الاستيطان، وما يشبه إعلان اليأس من إمكانية التوصل إلى "صفقة القرن" التي رددها مراراً في السابق.
في المشهد الشرق أوسطي، بدا الأمر أكثر وضوحاً أيضاً؛ فالرجل الذي وقف ضد قطر في الأزمة الخليجية لم يعد يتدخل في الأزمة، وترك لوزيريه الملف بشكل شبه كامل، ورأينا تقارباً أميركياً مع قطر هو في واقع الحال جزء لا يتجزأ من مساعي الاستفادة من التناقض الأزمة الخليجية أكثر من الانحياز لطرف دون آخر.
التطورات في المشهد السوري جزء لا يتجزأ من المشهد أيضاً، وهو ما تجلى في تأكيد تيلرسون على سيطرة بلاده وحلفائها على ثلث التراب السوري، والتورط أكثر فأكثر في الحرب السورية، في تأكيد جديد على الاستراتيجية القديمة حيالها، ممثلة في إطالة أمد الحرب من جهة، والعمل على إطالة التورط الروسي والحيلولة دون حصاده لانتصار كان على وشك الإعلان عنه، بل أعلن عنه عملياً، وقبل ذلك العمل على إفشال مسار "سوتشي".
الموقف من كوريا الشمالية وتوقّف طبول الحرب جزء من هذا المشهد أيضاً، أي استمرار السياسة التقليدية في الاحتواء، وهو ما ينطبق على إيران أيضاً، وإن لم تتغير سياسة الابتزاز التي كانت واضحة من ولاية أوباما الثانية، عبر الضغوط بشأن ملف الصواريخ الباليستية.
الخلاصة أن ترمب السنة الثانية يبدو مختلفاً عن ترمب السنة الأولى، ذلك الذي كان يغرّد كيفما يشاء، ويبدو أن ضغوط الدولة العميقة بالفضائح، وقبل ذلك بالتحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات (لم يتوقف هذا بعد) قد دفعته إلى التراجع، ويبدو أن الترويض كما ذهبنا مراراً هو خيار الدولة العميقة، وليس العزل الذي سيكون مكلفاً على صعيد الهيبة الأميركية الدولية.
لا يعني ذلك أن سؤال وجوده في السلطة قد حُسم تماماً، لكن مضيّه في برنامج الخضوع للدولة العميقة ومتطلباتها لا شك سيعني أن بقاءه في السلطة قد غدا أكثر تأكيداً ما لم تحدث مفاجأة من العيار الثقيل، بخاصة في ملف التدخل الروسي في الانتخابات. والخلاصة في هذه القضية برمتها هي ما لا يريد البعض الاقتناع به (من ألقوا بالكثير من بيضهم في سلة ترمب مثال على ذلك)، ممثلاً في أن الرؤساء المنتخبين في الديمقراطيات الغربية لا يغيّرون في السياسات الاستراتيجية للدول ما لم تقتنع بذلك مؤسسات الدولة العميقة، وفي مقدمتها الجيش والأجهزة الأمنية؛ لأن هذه الأخيرة عابرة للحكومات والرؤساء، وهي الأكثر قدرة على تحديد مصالح الدول واستراتيجياتها الأساسية.
طبعاً هذا شأن تصعب مقارنته بدول العالم الثالث، الذي تتحدد فيه السياسات بناء على مصالح النخب الحاكمة التي تسيطر على كل شيء أكثر من مصالح الدول والشعوب، فيما لم تحسم هذه الدول قضايا كبرى تتعلق بالهوية والسياسات الاستراتيجية للدول والمجتمعات.;