الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أي غضب هذا؟!

أي غضب هذا؟!

03.09.2019
يحيى العريضي


سوريا تي في
الاثنين 2/9/2019
عندما يلوذ حظ إنسان ما، أو تتراكم المصائب على بلد، أو تحلُّ به الويلات، يُقال بالإنجليزية: If anything can go wrong, it will…..”  " /ما مِن خطأ يمكن أن يقع، إلا وسيقع/. أما في الحالة السورية، فيمكن تعديل القول ليصبح: Nothing that might go wrong hasn’t gone wrong”" / لا شيء يمكن أن يكون كارثياً، إلا وحصل/. ‘غريب‘ أو ‘فظيع‘ ربما تكون صفات متواضعة وقاصرة لعالم لا يوجد فيه وسخ يثقله، أو أزمات مستعصية تحيّره؛ إلا وكان للقضية السورية نصيبٌ منها. لا تحتاج إلى أن تكون خبيراً بالتاريخ أو علم الاجتماع أو غيرهما من العلوم، حتى تعرف أن ما جرى لسوريا ولأهلها فريد من نوعه على مختلف الصعد.
قد يكون هناك حكّام يمتلكون الأرض التي يحكمون وما عليها، ولكنهم على الأقل يتركون حيّزاً من إمكانية العيش، كي تستمر حياة رعاياهم بشكل شبه طبيعي، فيحكموا؛ ولكن لن تجد سلطة جعلت حياة مواطنيها وموتهم سيّان. قد تجد من يقمع رعيّته بعنف كي يحافظ على أمن سلطته والأمن العام؛ لكن لن تجد من يصف من ثار على سلطته بالجراثيم أو الإرهابيين أو العملاء؛ ويدمّر بلداتهم ومدنهم؛ ويلاحقهم إلى مخيمات أو بلاد نزوحهم؛ ويستخدم الأسلحة المحرمة في قتلهم؛ أو يعذبهم حتى الموت في معتقلاته. وقد تستعين سلطة بقوى خارجية لتحمي نفسها؛ ولكن لن تجد من يستجلب الاحتلال بيده وإرادته ليجعله الآمر الناهي؛ ويستمر بالادعاء أنه صاحب السلطة والسيادة والحفاظ على الوطن.
وقد تجد شخصاً كهتلر يقتل ويغزو شعوباً أخرى، فيتحالف العالم ضده؛ ولكن أن تذبح سلطة شعبها، ويبقى صوت ممثل هذه السلطة يصدح في أعلى المنابر العالمية؛ فهذا لم يحدث
عليهم انتظار حل لطبقة الأوزون، وحرائق غابات الأمازون؛ عليهم ترقُّب قمة العشرين، واجتماع أكبر الكلاب وأصغرها؛ حتى يتم الالتفات إلى مشكلتهم. عليهم انتظار حل مشكلة القمامة في لبنان؛ علّ حزب الله ينشغل عن قتلهم وحرق خيامهم. عليهم أن ينتظروا ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية، ويتغيّر "أوباما" الذي صمت ودولته العظمى عن ذبحهم، ويأتي ترمب، ويعاكس أوباما بكل شيء إلا بالقضية السورية. عليهم أن يتضرعوا لله لعودة الوئام بين إخوتهم العرب، كي يأتوا لنجدتهم. عليهم أن ينتظروا ما سيسفر عنه الخلاف بين آل الأسد وبين بشار ورامي؛ علّ المال المطلوب لصناعة البراميل ودفع أجرة "سوخوي" بوتين، يخف.
يلتقي بوتين وترمب، أو يجتمع السبعة الكبار، أو تنعقد المجموعة المصغرة، أو ينعقد مجلس الأمن؛ وينتظر السوريون بفارغ الصبر أن يخرج عن تلك القمم ما يرفع الحيف عنهم، ولكن عبثاً. يتمنى المهاجرون أن تتحسن الأمور بين الأنصار - حيث يوجدون بكثرة بفعل التشريد- والاتحاد الأوروبي وروسيا، وينتظرون فرجاً؛ وإذ بالأنصار يصحون على القانون وضرورة التزام المهاجرين به، أو يتم ترحيلهم، وعلى أن هاجس ومصلحة الأنصار فوق كل اعتبار؛ وربما كما يشيع البعض "المساومة" على قضيتهم.
يوجّهون أنظارهم نحو المشروع النووي لإيران التي تقتلهم آملين بأن يخفَ تمزيقها لحياتهم، وإذ بأوباما يمنحها مئة وخمسين مليار دولار لتزيد عبثاً بمحيطها، وتتغوّل بدمائهم أكثر. ينتظرون نهاية الأزمة اليمنية؛ علّ المنشغلين فيها يلتفتون إلى قضيتهم؛ وإذ بها تتفاقم، ويقلُّ الالتفات. يُزاح طاغية السودان ويموت بو تفليقة؛ وإذ ما نقص بعمرهما يزيد بعمر طاغيتهم.
يتميّز الإنسان وقت المحن بالصبر، وتتعاضد الأفراد، وتقوّي الشدائد الإنسان، وتزداد ثقة الواحد بالآخر؛ فتراهم يطعنون ببعضهم بعضاً، ويتشرذمون أكثر. وبدل أن تكون المعارضة التي يُفتَرَض أن تمثلهم عوناً لهم، تتحوّل إلى عبء عليهم، لابتلائها ببعض صغار النفوس أو العقول أو التدبير؛ ولأن انشغالها ببعضها بعضاً أكثر من انشغالها بمقاومة الاستبداد ورفع الحيف عنهم. يأتي الشتاء أو الصيف المأمول منهما خيراً ونعمة للخلق، فيكون عليهم برداً وصقيعاً واقتلاع خيام وحرق محاصيل. وإذا كان جواز سفر دولة ما يستدعي تحرك أساطيلها، إن تعرّض حامل هذا الجواز لمكروه؛ إلا أن جواز سفرهم يتحول إلى مصدر إذلال ونهب لصالح المستبد.
مع الأخذ بالحسبان أنه لا يأتي المرء شيئاً إلا من نفسه؛ إلا أن العوامل الخارجية كانت ثقيلة بلا حدود أو ضفاف على الإنسان السوري وبلده؛ وحقيقة الأمر أنه ما من أمر يمكن أن يكون ضدّهم، إلا وحدث. حتى إن البعض اعتبر أن الله يحاسبهم على ما اقترفت أنفسهم
لم يقتصر إلحاق الأذى بالسوريين على كل ما ومَن ذُكِرَ حتى الآن، إلا أن الإساءة لسمعتهم تتم بطرق غريبة عجيبة؛ فقد تمر بشخص يشحذ على زاوية طريق، وتسأله من أين هو أو هي؟ فيقول لك: "أنا سوري"، لتكتشف بعد بضع كلمات أنه من بنغلادش أو جورجيا أو الجزائر أو... أو.... وفِي السياق ذاته; ولكن على مستوى أقوى وأكبر؛ هناك عمل منظم على تشويه صورة تلك الملايين السورية التي تشردت وانتشرت في بقاع الأرض، وخاصة أوروبا.
مع الأخذ بالحسبان أنه لا يأتي المرء شيئاً إلا من نفسه؛ إلا أن العوامل الخارجية كانت ثقيلة بلا حدود أو ضفاف على الإنسان السوري وبلده؛ وحقيقة الأمر أنه ما من أمر يمكن أن يكون ضدّهم، إلا وحدث. حتى إن البعض اعتبر أن الله يحاسبهم على ما اقترفت أنفسهم. التجأ السوريون إلى ربهم، وقالوا إن ما لهم إلا الله في ظل كل ما يحدث لهم. رأى البعض أن حلّ أزمتهم موجود في الأدراج الإسرائيلية أو الأمريكية أو الروسية؛ آخرون رأوه في أمكنة أخرى.
لا يمتلك أحد رؤية سحرية ليعرف أين يكمن الحل، وكيف يكون الخلاص. ولكن انطلاق كل سوري من ذاته بأن حلّه يكمن بعقله ونفسه وإرادته وبعمله الجمعي، وبإصراره على أن يستعيد حريته وكرامته وبلده - حتى ولو وجب الانطلاق من الصفر بعد كل ما جرى له- يخلق الحل. كيف يتم ذلك؟ عليه أولاً أن يشغّل تلك المولدات التي ذكرت. بعد كل ما مرَّ عليه، فقد أصبح السوري بالضرورة، من أقوى مخاليق العالم.