الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في الذكرى الثامنة للثورة السورية

في الذكرى الثامنة للثورة السورية

18.03.2019
د. أحمد موفق زيدان


العرب القطرية
الاحد 17/3/2019
شلال الدم المتواصل منذ ثماني سنوات في الشام لا يزال على حاله، ويتواصل معه نزيف الخيانات والمؤامرات المستمر على الشعب السوري وثورته، ومع دخول الثورة السورية عامها التاسع، لا يبدو في الأفق القريب نهاية للمآسي والفظائع التي قد تتخذ منحى جديداً، قد يكون فيه الصراع بين القوى الدولية أوضح وأكثر دموية، لكن بالمقابل ثمة إصرار أسطوري للشعب السوري على نيل حريته واستقلاله وكرامته، من احتلالات داخلية وخارجية متعددة، ونحن على أعتاب السنة التاسعة، يجدر بنا أن نضع بعض العلامات والإرشادات المهمة التي خرجت بها الثورة خلال تلك الفترة، لتسترشد بها وتتعلم منها، في ظل التآمر الرهيب عليها وعلى الوصول إلى نتيجتها المنطقية، وهي انتصار إرادة الشعب على إرادة الطغيان والاحتلال:
يحاول البعض أن يشيع أن الحرب قد انتهت، وبالتالي فإن الطاغية انتصر مع كل ما جلبه من احتلالات أجنبية وميليشيات طائفية لقتل السوريين وأحلامهم، ولكن يجهلون أن الجرح العميق الملوّث هو الطاغية ذاته، وأن ما يسمونه بالنصر، ما هو في الحقيقة إلا شاش أو لاصق يغطي جرحاً ملتهباً ومتقيّحاً، لن يقتصر تأثيره وخطره على الجسم ذاته، وإنما سيتمدد ويتوسع على الجسم الكبير، وما على الدول الأخرى والعالم إلا أن تستعد لدفع الثمن، وهو ثمن قد يكون باهظاً وخطيراً، إن لم تتم معالجة الجرح نفسه، وهو بقاء طاغية بحجم الأسد في السلطة.
كشفت مراكز دراسات واستطلاعات رأي معتبرة أخيراً، أن 89% من السوريين المشردين خارج سوريا يودون ويرغبون في العودة إلى وطنهم، ولكن بعد تهيئة الظروف ورحيل الطاغية، فهم لا يرون سوريا في أمان في ظل احتلال داخلي مدعوم باحتلال أجنبي، وفي ظل أجهزة أمنية قمعية رهيبة، رأى العالم كله ما فعلته وتفعله بالسوريين، من خلال الـ 55 ألف صورة التي سرّبها العميل قيصر للعالم كله.
منذ حروب وجرائم النازية، لم يتم توثيق جرائم ومجازر وانتهاكات كما يتم توثيقها اليوم ضد طاغية الشام، كاستخدام الصواريخ البالستية ضد المناطق الآمنة المأهولة بالسكان، واستخدام المروحيات والطيران الحربي ضد مدن عريقة آهلة بالسكان، واستخدام براميل متفجرة تعود إلى القرون الوسطى عمياء تماماً لا تفرق بين طفل وامرأة ومقاتل ومدني، واستخدام الكيماوي والسارين، وفوق هذا صمت العالم كله على احتلال بلد عضو في الأمم المتحدة من قبل دول متعددة الجنسيات وميليشيات طائفية عابرة للحدود، ومع هذا لا يزال المجرم القاتل طليقاً يتمتع بالامتيازات الدولية كافة، بينما الضحية هو المتهم وهو الذي يُعاقَب ويدفع الثمن.
الواضح أن العالم لا يريد مساعدة طاغية الشام على إعادة الإعمار، ولا أدري كيف يمكن مجرد التفكير بالأمر مع من دمّر وخرّب وقتل وهجّر؟! ولكن مع هذا فإن العالم ذاته هو الذي يرفض إسقاط الطاغية والتخلي عنه، فالناتج الوطني السوري الذي كان قبل الثورة 60 مليار دولار، لا يتعدى اليوم في ظل بقاء الطاغية في السلطة 300 مليون دولار فقط، فهل عصابة تحكم بهذا الشكل، والثقة بها بهذا المستوى، يمكن أن يتم التعامل معها لإعادة الإعمار؟! وكأن المطلوب عالمياً الآن هو إبقاء الجرح المفتوح في الشام، ليكون بمثابة صندوق بريد بين قوى دولية تصفّي حساباتها ومشاكلها، لكن في أرض الشام وعلى حساب الدم الشامي.
الشيء الوحيد الذي يعني الثورة والثوار هو الاستمرار بمهمة اختاروها بأنفسهم قبل ثماني سنوات، وعلى الرغم من الخيانة التي تعرضت لها مناطق الثورة الأخرى بتآمر خارجي رهيب، فإن هذه المدن تنتفض من جديد، ونرى ذلك في درعا والرستن وغيرهما اليوم، ونرى معه عودة العمليات العسكرية المستهدِفة لقطعان الطائفيين والمجرمين من المخابرات الجوية، التي لا ترقى إليها جرائم "الجستابو" الألمانية و"الكي جي بي" الروسية، الثورة لن تنتهي بالنسبة لمليون شهيد، وراءهم ملايين ممن أقسموا على الانتقام والثأر لدمائهم وتضحياتهم، وثمة الملايين الذين ينتظرون أحباءهم ممن يقبعون في سجون الطائفيين، يسمعون أخبار تعذيبهم ومعاناتهم بين الفينة والأخرى، وسط شعور عالمي خشبي لا تعنيه شيئاً كل هذه المعاناة والعذابات السورية، وكما قال من خرج في مظاهرات الأمس في درعا: "لم يعد هناك ما نخسره، فالأحباء تحت التراب، وآخرون وراء القضبان، ونحن نعيش حياة البهائم دون أي اعتبار لبناء مساكننا، أو توفير أبسط خدمات البشر لمن عادوا"، في حين أن العصابة في دمشق مشغولة بإعادة بناء تماثيل الطاغية المؤسّس، ونشرها على المناطق التي استعادتها بدعم الخونة والاحتلالات متعددة الجنسيات.