الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في مصير المشرق

في مصير المشرق

20.02.2017
مصطفى زين


الحياة
الاحد 19/2/2017
ماذا بعد الموصل؟ ماذا بعد "داعش" في العراق؟ أم علينا أن نسأل ماذا عن العراق وسورية والمشرق بعد الحرب العالمية على الإرهاب؟ ليس من باب المبالغة طرح هذه الأسئلة الكبيرة، فـ "داعش" لم يهبط من السماء، ولم يتطور وينمو ويصبح في هذا الحجم بقدرة إلهية. التنظيم نتاج تطورات محلية وإقليمية ودولية، أفرزتها الحرب على العراق واحتلاله وتفكيك نظامه وجيشه و "مكوناته". هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى الفكري فكانت "أساطير التراث وتأويلاتها" خير مرجع لصوغ التنظيم حياة الأفراد والمجتمعات.
ولأن "داعش" لم يهبط من السماء وليس ثوراً من الثيران الأشورية المجنحة الأسطورية، استطاع أن تكون له حاضنات في أوساطنا، وأن يكون له تأثير عسكري وسياسي واجتماعي وأن ينمو ويزدهر، وتصبح له دولة لا تعترف بالحدود، ولا بالقوانين أو الأعراف. وسرعان ما اغتنمت الدول الإقليمية والغربية الفرصة لاستخدامه في القضاء على أي حزب أو جماعة متنورة، أو يمكن أن تشكل خطراً على المشروع القديم المتجدد دائماً: تحويل المشرق والعراق إلى ساحات صراع لا تنتهي، واقتسام النفوذ فيه إن لم يكن تقسيمه إلى دويلات، لكل قبيلة أو طائفة دويلة.
وتبدو معركة الموصل المقبلة مفصلاً أساسياً في هذه المخططات التي لم تعد سراً وليست من باب نظرية المؤامرة. عملياً لا يؤخر الحملة على غرب المدينة واقتلاع "داعش" منه سوى تسويات سياسية لم تنضج بعد، إن كان على المستوى الداخلي العراقي، أو على المستويين الإقليمي والدولي. داخلياً تنخرط "المكونات" في حوارات متواصلة للتوصل إلى اتفاق على "عائدية" المدينة فكل مكون يزعم أن حصته فيها أكبر. آل النجيفي يزعمون أحقيتهم في إدارتها والإشراف على إعمارها بالتعاون مع الأتراك، المالكي وجماعته و "المجلس الوطني" و "الحشد الشعبي" يعارضون أي تسوية لا تؤمن لهم الوصول إلى الحدود السورية من جهة تلعفر لتأمين وصول إيران، عبرهم، الأكراد يشترطون استعادة "الأراضي المتنازع عليها" وإلحاقها بإقليمهم، استعداداً للانفصال. لكن كل هؤلاء ملتحقون بمشاريع دولية وإقليمية. ويخوضون صراعاتهم نيابة عن "الكبار الأساسيين". والكبار يستكملون تحقيق مشروعهم الذي يمكن تلخيصه بمنع العراق وسورية من النهوض، وتقاسم النفوذ فيهما وإلحاقهما بسياسات المحاور الإقليمية والدولية، تماماً مثلما ألحقت أوروبا الشرقية في تسعينات القرن الماضي بهذه السياسات.
توضح تغريدات ترامب استراتيجيته في الشرق الأوسط شيئاً فشيئاً، أو قل سياسة فريقه، خصوصاً الجنرالين المتقاعدين، مستشار الأمن القومي مايكل فلين الذي استقال من منصبه وسيخلفه من ينفذ رؤيته، ووزير الدفاع جيمس ماتيس. وهي لا تختلف عن استراتيجية أسلافه، من كارتر إلى أوباما، وربما قبل ذلك، مروراً بريغان وكلينتون وبوش الأب والإبن وكلينتون. لكن لكل منهم أسلوبه في تحقيق الهدف، وهو تحجيم إيران، والأهم من ذلك منعها من مد نفوذها إلى محيطها، خصوصاً إلى العراق ومنه إلى سورية. وبدأت إدارة الرئيس الجديد لقاءات مع مسؤولين في المنطقة لتشكيل تحالف يضطلع بهذه المهمة (وول ستريت جورنال)، فضلاً عن تصريحات مسؤولين في واشنطن يلوحون بمزيد من الانخراط العسكري المباشر، بالتعاون مع الحلف الأطلسي، ما يؤشر إلى أن إبرام التسويات يحتاج إلى مزيد من الحروب والكثير من الإرهاب والكذب الإعلامي المستمر منذ انطلاق "الربيع العربي"، وهذا (الكذب) متوافر بكميات كبيرة.
معركة الموصل والرقة تحدد مصير المشرق كله.