الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في وداع الطيب تيزيني.. المفكر الذي بكى خصمه

في وداع الطيب تيزيني.. المفكر الذي بكى خصمه

21.05.2019
علي قاسم


العرب اللندنية
الاثنين 20/5/2019
لازم الطيب تيزيني مدينته حمص ولم يغادرها خلال سنوات النزاع السوري المستمر منذ العام 2011، ليرحل صباح السبت عن عمر يناهز 85 عاما.
مثقفون سوريون، محسوبون على المعارضة، نعوا الطيب تيزيني، الذي يوصف بأنه “أحد كبار المفكرين العرب في العصر الحديث”، وسبق أن تم اختياره واحدا من أهم مئة فيلسوف عالمي، من قبل مؤسسة “كونكورديا” الفلسفية الألمانية الفرنسية عام 1998.
محاولات البعض حشر تيزيني، حيا، بلباس المعارضة الضيق لم تلق النجاح، وهي، حتما، لن تلقى النجاح بعد رحيله، وهو القائل، “قيمتك تأخذها من الآخر الذي يخالفك، وليس ممن يوافقك الرأي، وعندما تفقد خصمك تفقد ذاتك”. وكان ذلك عام 2014، حين تلقى تعزية بالشيخ “محمد البوطي”، خصمه في الجلسات الحوارية والمناظرات: “لم يقتلوه عندما قتلوه، بل قتلوني أنا.. اغتالوا المكافئ والخصم العنيد والمملوء، وتركوني وحدي أحاور ذاتي، ولا أجد من أتحاور معه”.
المعارضة والسلطة كانا خصمين للمفكر، لأن ما يشغله أكبر من السلطة وأكبر من المعارضة، ما يشغل السلطة هو الاستمرا ر بالحكم، وما يشغل المعارضة هو الوصول إلى الحكم. أما ما يشغل تيزيني فهو تغيير البنية الاجتماعية والفكرية للمجتمع السوري والمجتمع العربي
عناوين مؤلفاته تشير إلى هذه المشاغل بوضوح، بدأ من كتابه الذي حمل عنوان “مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بداياته حتى المرحلة المعاصرة”، صدر في 12 جزءا عام 1982، وانتهاء بآخر كتابين حملا عنوان “من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني” عام 2001، و”من اللاهوت إلى الفلسـفة العربية الوسيطة” عام 2005.
في بداية الحركة الاحتجاجية دعته السلطات السورية مع مجموعة من المثقفين إلى خلق “نواة حوار”، وخلال لقاء تشاوري حواري، في يوليو 2011، حضره نائب الرئيس السوري آنذاك، فاروق الشرع، ونحو 200 شخص آخرين، طالب تيزيني بـ”تفكيك الدولة الأمنية”. وقال “هذا شرط لا بديل عنه، وإذا ما بدأنا بمعالجة المسائل، الدولة الأمنية تريد أن تفسد كل شيء”.
وكان الطيب تيزيني قد التقى بالرئيس السوري السابق حافظ الأسد في القصر الجمهوري، سأله الأسد حينها هل لديك سيارة؟ رد الطيب “نعم لدي سيارة كبيرة تتسع لأربعين راكبا، لونها اخضر”.. وانتهى اللقاء.
يقول الطيب تيزيني “بعد اللقاء خرجت ماشيا من القصر”.
كلام الطيب تيزيني عن الأسد، نشرته الصحافة السورية، بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000. ضمن برنامج تضمن لقاءات مع الشخصيات التي التقت بالأسد وذكرياتهم عنه.
هذا هو الرجل الـ”طيب”، الذي قال قبل أن يرحل “سوريا هي حلمي، لا أملك حلما آخر”. الرجل الذي اختار أن يموت ميتة متواضعة، في مسقط رأسه بمدينة حمص، لم تغره عواصم عربية وعالمية على طلب الحماية أو اللجوء إليها، كما أغرت الكثيرين ممن يتباكون اليوم عليه.
حتى العام 2017، لم يطرأ أي تغيير على أحلام المفكر الراحل، فكما يقول “ازداد هذا الحلم حضورا في حياتي، بخاصة بعد زيارتي إلى ألمانيا، وتقديمي محاضرة أمام مستشرقين، كان سؤالهم الأكبر: هل تعود سوريا؟ قلت لهم: أريد أن أسمع آراءكم أنتم. قالوا: سوريا التي نعرفها لا يمكن انتزاعها من أرضها. قلت لهم: هذا رأيي. حينما تسقط سوريا، يسقط العالم، وهذا لن يحدث”.