الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في ضرب إيران المُؤجَل قليلاً

في ضرب إيران المُؤجَل قليلاً

25.06.2019
يحيى العريضي


سوريا تي في
الاثنين 24/6/2019
يصعب اختصار أسباب إحجام "ترمب" عن ضرب إيران بالخشية على حياة 150 مدنياً، أو بمعارضة "الكونغرس" الأمريكي، أو توجس من قوة إيران. أقرب التفسيرات تقول إن الأمر يتعلق بحسابات رجل الأعمال "ترمب"؛ فرجل الأعمال يحسب كثيراً، ويتطلّع إلى الكسب كثيرا. السبب فعلاً يتعلّق بمسألة الحسابات؛ ولكن ليست حسابات "ترمب" /البزنس مان/ بل حسابات أمريكا الدولة الأعمق، وربما الأكثر "بزنسمانية".
قادة إيران أشبعوا العالم ضجيجاً بمزايداتهم في “المقاومة والممانعة” ومعاداة إسرائيل وأمريكا، وبإشعار أصحاب الحقوق المغتصبة من العرب والمسلمين بالدونية والانهزام تجاه المعتدين عليهم. تمدد الملالي بأرض "مهيضي الجناح" هؤلاء، ووضعوا يدهم على أربع عواصم عربية عبر التعاقد مع “زعران” وحاكمين خونة لأوطانهم وشعوبهم في تلك العواصم، ليتحول "ولي الفقيه" إلى حاكم بأمره في تلك البلدان.
كانت بداية عبث ملالي إيران في العراق؛ ثم بالتمدد إلى الشام في ثمانينيات القرن الماضي مستندين إلى مزايدات حاكم دمشق المطعون بشرعيته؛ ثم حرّكوا الحوثيين، ليتحول اليمن إلى حالة كسيحة لا تقوم له قائمة بزمن؛ ولتشغل دول الخليج المحيطة بمأساة عبثية تستنزف الجميع.
الأكثر حساسية في كل ذلك، كان التمدد الإيراني إلى لبنان بروافع طائفية وعبر إنشاء "حزب الله" ليلغي أي مقاومة وطنية فلسطينية حقيقية تجاه إسرائيل.
لا إسرائيل ولا أمريكا غافلة عن طموحات ملالي إيران؛ ولا عن مصلحتها بإضعاف محيطها العربي؛ وما قدّمت أمريكا عراق
إيران وتحت أنظار أمريكا تمددت من المحيط الهادي جنوبا إلى حدود تركيا الجنوبية؛ ومن المتوسط غربا حتى الباكستان شرقاً؛ وما كان هذا بعمى أمريكي
صدام حسين لإيران لتستبيحه دون أن يكون / الكومسيون / أضعاف قيمة الغنيمة؛ ولا هي كانت لتسمح لحزب الله- أداة إيران- بأن يعبث بسورية؛ ولا كانت لتسمح لإيران بدخولها العسكري إلى سوريا، وحتى إلى الاقتراب من الحدود مع ربيبتها إسرائيل؛ لو لم يكن وراء الأكمة ما وراءها.
إيران وتحت أنظار أمريكا تمددت من المحيط الهادي جنوبا إلى حدود تركيا الجنوبية؛ ومن المتوسط غربا حتى الباكستان شرقاً؛ وما كان هذا بعمى أمريكي؛ وأمريكا ليست مغفّلة إلى هذه الدرجة لتترك لإيران الحبل على الغارب، كي تهدد أعز ما لديها من مصالح ... هي الأهم في العالم؟! والأهم أنها ترى وتسمع التصريحات الصاخبة لمسؤولين إيرانيين كبار حول تمدد إمبراطورية فارس. والأكثر من الرؤية والسمع هو الفعل الإيراني مؤخراً باستهداف سفن تهم أمريكا؛ إلى درجة أنها استهدفت طائرة استطلاع أمريكية.
ما السر يا ترى؟ هل هناك فتح لسياسات التمدد الجغرافي الاستعماري الذي يمهد الطريق أمام إسرائيل بتمدد جديد أسوةً بمن يتمدد؟! هل الأمر لإظهار كم كانت إسرائيل” رحومة” بتمددها وممارساتها في الأرض العربية مقارنة مع الامبراطورية الفارسية الجديدة؟! يبدو أن الأمر ذا الطابع الاستراتيجي كان دفع ملالي إمبراطورية فارس الفاشلة تاريخياً إلى مغامرات مغرية قابلة للتصديق. إنها “استراتيجية ترقيق الجبهات واستنزاف القوة.
ها هم ملالي إيران يستشعرون الخطر الحقيقي؛ وما الدليل على ذلك ليس إلا الاضطراب الإيراني الذي لم نشهده سابقاً. تجلّى ذلك سابقاَ بنفي ونكران الإيرانيين استفزاز إسرائيل بصواريخ أُطلقَت من الأرض السورية، ورمي تلك الفِعلة بعنق ذلك "المشحّر" الذي يحمون في دمشق متخلين عن كل "مقاومة أو ممانعة"، وباستجداء لبعض الدول كي تتدخل للحؤول دون ضربة أمريكية-إسرائيلية تنهي تلك الامبراطورية الكذبة.
يرى بعض المراقبين أن أمريكا تستطيع سحق إيران كلياً، ولكنهم يرون أن ما يحول دون ذلك هو تصميم الملالي لإيران على شكل ترسانة بأذرع خارجية أخطبوطية؛ ومن غير المعقول أن يكون من هو مقبل على انتخابات جاهزاً لمغامرة كهذه، وخاصة إذا كان الخطر الإيراني لا يهدد الأمن الوطني الأمريكي. من جانب آخر سيقول العالم إن مَن كان البادئ بهذا الاستنفار والتوتر هو أمريكا، عندما
هناك حَفْر حول ذلك الضرس الإيراني المتعفن كي يسهل قلعه؛ هناك خنق اقتصادي لإيران في داخلها ولأذرعها الأخطبوطية؛ هناك غليان في الداخل الإيراني –اقتصادياً وغير ذلك- يزداد سعيره
انسحبت من الاتفاق النووي، ويصعب أن ينتصر الدافعون باتجاه حرب على الدافعين باتجاه الدبلوماسية والتهدئة. إضافة إلى ذلك، إذا كان خيار أمريكا حربا محدودة، فإن إيران لن تبقيها هكذا؛ فهل أمريكا في وارد تعبئة عسكرية واستنزاف اقتصادي وخاصة مع ردات فعل إيرانية تغلق هرمز، ودولية ترى في تصرف أمريكا بلطجة دولية؟ الحسابات الدقيقة، وتحديدا حسابات اليوم التالي هي ما يمنع أو يعيق هكذا حرب؛ فبحكم الاختناق الذي تعيشه إيران، فإنها ترى أن الحرب هي مخرجها الوحيد؛ ومن هنا ربما لن تمنحها أمريكا ذلك الإنقاذ اللازم؛ بل تزيد وتوسع وتعمق العقوبات.
في ضفة التفكير الأخرى، هناك من يقول إن الدولة العميقة التي جعلت شخصاَ مثل "ترمب" رئيساً لأمريكا، أو صهيونية جعلت من "نتنياهو رئيس وزراء يكاد يصبح أبديا، هناك جملة من الأسباب الضاغطة التي ستجعل الضربة المزدوجة الأمريكية-الإسرائيلية حتمية؛ ولكن لا بأس إن تأخرت: فهناك حَفْر حول ذلك الضرس الإيراني المتعفن كي يسهل قلعه؛ هناك خنق اقتصادي لإيران في داخلها ولأذرعها الأخطبوطية؛ هناك غليان في الداخل الإيراني –اقتصادياً وغير ذلك- يزداد سعيره؛ هناك دول خليجية، يلتصق مصيرها بأمريكا، تدفع باتجاه ضربة ساحقة ماحقة لإيران؛ هناك رئيس وزراء إسرائيلي مأزوم قانونياً وجرمياً لا ينقذه إلا فعل عسكري خارجي لا يبق ولا يذر؛ والأهم من كل ذلك هناك رئيس أمريكي يستعد للترشح لولايته الثانية. وبعكس التفكير القائل بأن حرباً خارجية قد تودي بفرصة ترمب الرئاسية، ولكن وحدها الحرب يمكن أن تعيد هذا النموذج إلى البيت الأبيض. لا شيء يمكن أن يعيده إلا بطولة يتحدث عنها العالم، تتمثل بتوجيه ضربة حقيقية لمصدر الإرهاب في العالم- ضربة لن تأتي على إيران بل على منظومة تعيث إرهاباً وفساداً في عالمنا. وهكذا يكون أنقذ إيران من تلك الطغمة أولاً، وجعل عالمنا أكثر أماناً، وأثبت مقولته بأن أمريكا هي "الأعظم"؛ هكذا فقط يدخل البيت الأبيض ثانية.