الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجزائر والسعودية… الضرب تحت الحزام

الجزائر والسعودية… الضرب تحت الحزام

27.04.2016
توفيق رباحي


القدس العربي
الثلاثاء 26-4-2016
زيارة العمل المفاجئة التي قام بها يوم الأحد إلى دمشق، عبد القادر مساهل، الوزير في الخارجية الجزائرية المكلف بالعلاقات الإفريقية والمغاربية وجامعة الدول العربية، رسالة إلى دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
منذ انتفاضة قطاع واسع من السوريين على نظام بشار الأسد في آذار (مارس) 2011، ظلت الجزائر على حياد صامت يميل إلى تأييد نظام دمشق باحتشام وصمت، لكنها لم توفد مسؤولا رفيعا بدرجة وزير إلى دمشق. أقصى ما ذهبت إليه أن سمحت بزيارة شخصيات عامة ووفود حزبية وإعلامية إلى دمشق للتعبير عن "تضامن الشعب الجزائري قاطبة" مع "سوريا في وجه المؤامرة الكونية".
منذ عقود حافظت الجزائر على علاقات خاصة مع سوريا.. غير مزدهرة لكنها لم تسمح بنزولها إلى حد التوتر. استقبلت رؤساء حكومات ووزراء سوريين طاردهم نظام البعث والأسد الأب، وآوت مثقفين وأستاذة جامعيين معارضين شرسين لنظام الأسد الأب أو اختلفوا معه في مرحلة ما.
أما الصراع السوري المندلع في ربيع 2011، فلم يكن للجزائر ناقة أو جمل فيه. كان موقفها "مبدئيا" مرتين، مرة قائما على أسطورة الحياد وعدم التدخل في شؤون الغير، ومرة قائما على الرفض المطلق لما سُمِّي الربيع العربي وبتغيير أنظمة الحكم عبر الشارع. وكان موقفا مزاجيا لنظام عسكري ديكتاتوري في العمق ديمقراطي في الواجهة، يتعاطف مع آخر يشبهه ويتعرض للخطر من شعبه وبدعم من حكومات (خليجية) لا تشبه نظامي دمشق والجزائر.
على الصعيد الإنساني لعبت الدور المتوقع فاستقبلت نصيبها من اللاجئين السوريين وأحسنت إليهم قدر ما استطاعت.
آنذاك كانت الجزائر تسوِّق للحكومات الخليجية صورة جاهزة، منطلقة من رصيد طويل من الحياد في الأزمات الدولية والإقليمية: لسنا مع الأسد، فلا تجبرونا على أن نكون معكم!
كان ذلك غير ضار للحكومات الخليجية، والسعودية على وجه الخصوص، طالما أن الجزائر لم تكن نشطة في تأييد الأسد، وإدراكا من الرياض أن الدبلوماسية الجزائرية تراجعت في السنوات الأخيرة وأصبحت قليلة، بل منعدمة التأثير، لأسباب عدّة.
لكن في الفترة الأخيرة، ومع ارتفاع منسوب التوتر مع إيران واشتعال الحرب اليمنية واختلاط الأوراق في سوريا بدخول سلاح الجو الروسي، شعرت السعودية بالحاجة إلى الجميع، حتى إلى الدبلوماسية الجزائرية المتراجعة، فوجدت الجميع تقريبا، إلا الجزائر التي عاندت وأمعنت في العناد ورفض ما يرد من الرياض كالانضمام إلى "التحالف الإسلامي" الذي اعلن عن ميلاده الأمير محمد بن سلمان قبل نحو عام.
ساد توتر صامت في البداية، لكنه صمت لم يعمّر طويلا لأن الأزمات تعددت والتداخل لا مفر منه. واليوم البَلَدان في صراع دبلوماسي صامت، والضرب تحت الحزام. واحدة بواحدة: حاولت السعودية جر الجزائر إلى صفها في الحرب اليمنية لكنها عجزت، فردت بمحاولة عزل الجزائر عن التكتلات والتحركات الإقليمية، فردت الجزائر برفض تأييد تصنيف حزب الله منظمة إرهابية في جامعة الدول العربية.
صعّدت السعودية أكثر فلعبت في القضية الأغلى لدى النظام الجزائري والأكثر صعوبة وحساسية، الصحراء الغربية، من خلال تنظيم قمة خليجية ـ مغربية سريعة، بلا تحضير جيد وبلا مقدمات، أُعلن فيها أن دول مجلس التعاون الخليجي تدعم "الوحدة الترابية المغربية"، وترفض "أي مساس بها".
كانت تلك رسالة واضحة تجاه الجزائر، وردا أكثر وضوحا على موقف الأخيرة من حزب الله، فردت الجزائر بإيفاد الوزير مساهل إلى دمشق بلا سبب دبلوماسي أو سياسي وجيه في هذه الظروف.
نحن الآن في هذا المستوى من التوتر: السعودية لن تغفر للجزائر مواقفها الأخيرة، خصوصا "دعمها" لحزب الله في الجامعة العربية. والجزائر لن تغفر للسعودية مواقفها، خصوصا دعمها للمغرب في قضية الصحراء الغربية، بل وجرِّها دول مجلس التعاون الخليجي إلى ذلك الموقف.
ما كان يجب أن تدركه الرياض هو أن الدبلوماسية الجزائرية تراجعت في السنوات الأخيرة، لكنها لم تفقد قدرتها على المناورة والإزعاج.
هناك داعٍ آخر يبعث على القلق من توتر أكبر بين الرياض والجزائر، هو النفط. فالجزائر، تقليديا، لا تنظر بعين الرضا للدور السعودي في سوق النفط العالمية،. بل يحمّل مسؤولون جزائريون الرياض، في جلساتهم الخاصة، مسؤولية التراجع الكبير في أسعار النفط في السنتين الأخيرتين، ويتهمونها بالبحث والتنسيق مع حلفاء جدد لا يجمعهم الكثير بالسعودية.
هذا الإرباك الحاصل بين البلدين هو من نتائج مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعجزه عن إدارة الملفات الدبلوماسية بالاهتمام الذي تتطلبه. منذ توليه الرئاسة في 1999 إلى 2012، تاريخ بدء متاعبه الصحية، احتكر بوتفليقة الدبلوماسية الجزائرية وكان بمثابة وزير الخارجية غير المعلن، فكان يطرب لعبارة "عودة الجزائر إلى لعب دورها في المحافل الدولية"، ويعتبر أن ذلك تحقق بفضله هو فقط.
لو كان بوتفليقة في كامل قدراته الذهنية والبدنية، لسارع إلى زيارة الرياض والعواصم الخليجية، واستعمل علاقاته الخاصة وغلّب منطقه الشخصي على منطق الدولة في امتصاص التوتر مع السعودية، خصوصا وأنه لا يرد للخليجيين طلبا، كما عُرف عنه.
أما وبوتفليقة في ما هو فيه، فلم تجد الدبلوماسية الجزائرية إلا العودة إلى تراثها والأسس التي أنجبتها أثناء حرب التحرير وشبّت عليها بعد الاستقلال.
سؤال مشروع: هل يدرك بوتفليقة اليوم أن الدولة التي يرأسها على خلاف عميق مع الدول الخليجية العزيزة جداً على قلبه؟
٭ كاتب صحافي جزائري