الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللعبة الإيرانية في إعادة رسم الأدوار

اللعبة الإيرانية في إعادة رسم الأدوار

30.10.2014
عصام فاهم العامري



القدس العربي
الاربعاء 29-10-2014
يبدو ان الحرب على "داعش" لها وجوه متعددة، من بينها اعادة رسم الادوار الاقليمية والدولية للمنافسين الاقليميين والدوليين، وفي المقدمة ايران وروسيا والصين.
ويبدو ان ايران ستظل اللاعب الاساسي في عملية اعادة رسم الادوار، سواء على الصعيد الاقليمي او على الصعيد الدولي. وفي اطار ذلك كله تمارس ايران لعبة خطرة رافعتها من جهة ملفها النووي، ومن جهة ثانية نفوذها المتعدد الابعاد في العراق وسوريا ولبنان. ولفهم ابعاد هذه اللعبة وتأثيراتها لابد من تفكيكها.
وفيما تعتبر امريكا خطر "داعش" خطرا مركزيا يمس الامن القومي الامريكي والغربي، وبالتالي سعت لتشكيل تحالف دولي لمحاربته، فإن ايران تمثل التحدي الاكبر لامريكا وتحالفها ومراميها.
فالمشكلة الواضحة أن النظام الثيوقراطي في إيران يسعى من جانبه وعبر محاولات متعددة لقلب النظام الإقليمي، ويجد ان "داعش" وتهديده يسهم في احداث مثل هذا الانقلاب. وبالطبع هذا لا يعني ان ايران و"داعش" في المرحلة الراهنة حليفان، بل أن ايران ترى ان "داعش" في اللحظة الراهنة يمثل تهديدا لها ايضا ولدورها الاقليمي. وهذا ما يضفي تعقيدا كبيرا على السياسات المتبعة من قبل امريكا وايران على حد سواء. وربما هذا التعقيد ذاته جعل الادارة الامريكية تبدو غير حاسمة في اشراك ايران بالتحالف المناهض ل"داعش". ففي الوقت الذي بدت فيه أمريكا ساعية لاقصاء ايران من مؤتمر باريس، الا انها  وكما قال جون كيري وزير الخارجية الامريكي – " لا يعني أننا ضد فكرة التواصل معها لمعرفة ما إذا كانت ستنضم إلينا في ظل الظروف الحالية، أو ما إذا كانت هناك إمكانية لتغيير سياساتها"، وما لم يقله كيري سبق ان اوضحه زاكاري كيك، مدير تحرير مجلة "ذا دبلومات"، في مقالة حملت عنوان "لندع ايران تنقذ العراق": إن الحرس الثوري الايراني موجود بالفعل في العراق، ويقدم المشورة ويساعد الحكومة العراقية في عملياتها العسكرية. كما ان لايران خبرة فعالة مكتسبة في مواجهة المقاتلين الجهاديين في سوريا. وعلى أمريكا أن تسمح لإيران بتولي الأحمال العسكرية الثقيلة في الحرب الدائرة في العراق حاليا، في حين تتولى هي، اي أمريكا، الاعباء السياسية وتحاول الجمع بين الفرقاء المتناحرين في العراق، وتجمع بقية الاطراف الإقليمية للتوصل الى مصالحة سياسية حقيقية". وبالفعل فان امريكا غضت الطرف عن التدخل المباشر لقوة القدس التابعة للحرس الثوري وقائدها الجنرال قاسم سليماني في المواجهة البرية ل"داعش". ومع ذلك فإن مصالح إيران مناقضة تماماً لنظيرتها الأمريكية على الجبهتين السورية والعراقية، فالمصالح الإيرانية كانت واضحة من خلال دعمها لنظام بشار الأسد، بتوفير السلاح والمال والنفط، والأهم أيضاً تسخيرها ل"حزب الله" لتحقيق هدفها، فيما تقوم المصالح الأمريكية على عدم التعاون مع إيران في دحر تنظيم "داعش" في سوريا خصوصاً، مخافة فقدان الدعم السُني، الذي سيكون ضرورياً لضربه. أما في العراق فان التعاون بين ايران وامريكا قائم منذ وقت، ولكنه لا يرقى الى التحالف، لان التحالف إن حصل سيعني تفكك كل ما حاولت واشنطن تحقيقه في العراق من إنشاء نظام سياسي تعددي، والحفاظ على تماسك العراق ووحدته، بما لا يعرض الدول المجاورة لأي خطر ولا يتحول إلى ملاذ للإرهاب.
والحقيقة ان التعاون بين ايران وامريكا في العراق قائم منذ سنوات وقبل ظهور "داعش"؛ وان كان يجري بشكل غير مباشر وسبق ان كشفته برقية سرية تحمل الرقم 12958 ومؤرخة في 22 كانون الثاني/يناير 2007، سربتها (ويكليكس) بشأن اجتماع السفير الأمريكي في بغداد زلماي خليل زادة مع الرئيس العراقي آنذاك جلال اطالباني، الذي قدم خلال الاجتماع تفاصيل عن زيارته إلى سوريا. وتنقل السفارة الأمريكية في بغداد عن طالباني قوله إن قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني زاره في دمشق، وطلب منه نقل رسالة لسفير واشنطن ببغداد فحواها أن "واشنطن وطهران لديهما مصالح مشتركة في العراق وكلاهما يعمل ضد الإرهابيين". ونقل طالباني عن سليماني قوله بالحرف الواحد: "أقسم بقبر الخميني أني لم أصدر أوامر بإطلاق رصاصة ضد الولايات المتحدة". وأقر سليماني أمام طالباني أن فيلقه يملك مئات العملاء داخل العراق تحت تصرفه، لكنه نفى أن يكون قد استخدم أيا من هؤلاء العملاء ضد القوات الأمريكية. وأبدى قائد فيلق القدس لطالباني استعداد طهران  وسليماني شخصيا  للتعاون مع واشنطن بشكل مباشر، أو غير مباشر عبر العراق.
والواقع ان امريكا تدرك أن ايران تتصرف كدولة، بناء على مصالحها، وبالتالي فان سياستها الطائفية لا تتناقض مع مصالحها، فهي تستعمل الطائفية كأداة، مثل باقي الأدوات في تحقيق مصالحها. وان ايران لها اهداف كبرى في سياستها الاقليمية محورها الحفاظ على نفوذها في العراق وسوريا ولبنان، وإدارة الحرب الباردة المصغرة الجارية مع السعودية منذ سنوات. ومحاولة فرض ترتيبات أمنية إقليمية تحافظ على مصالحها الامنية. وهي تطالب العرب بأن يغيروا استراتيجيتهم ولا يدعموا استمرار العقوبات عليها، إذ إن الاتفاق النووي يمكن أن يكون جيداً للمنطقة؛ مقابل فتح مجال للتعاون الإقليمي، خاصة بالنسبة لاستقرار أسعار النفط، والاتفاق على أن "داعش" هو التهديد الأكبر، الامر الذي يستوجب التأسيس للتعاون بين إيران والدول الخليجية العربية عبر تشكيل نظام إقليمي أمني جديد (يحل مكان مجلس التعاون الخليجي عملياً). وإن المفاوضات الإيرانية الخليجية يجب أن تكون من دون شروط مسبقة، على نسق اشتراط الخروج من العراق وسورية.
وامريكا تقر بان التسليم بالاهداف الاقليمية لايران، من شأنه ليس فقط قلب التوازن الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط وهز النفوذ الامريكي فيها فحسب، وانما يؤثر ايضا على النظام العالمي بأسره. لاسيما ان روسيا متمسكة بإيران كحليف لها في الشرق الأوسط، وليست لاعباً أساسياً في حل مشاكل الدول العربية، وإنما يجب أن تكون رائداً في حل النزاع العربي  الإسرائيلي. وتقترح على العرب أن يشاركوا روسيا في رفع العقوبات عن إيران، وهي في دعوتها تضرب عرض الحائط بكل الاعتراضات العربية على الأدوار العسكرية الإيرانية في سورية والعراق ولبنان واليمن. كما ان روسيا تشترط للتعاون لمحاربة "داعش" ان يتم ذلك في إطار استراتيجية مشتركة وواسعة "لم يتم اعتمادها حتى الآن"، تشترك فيها طهران ودمشق كشرط. فروسيا ترغب بدعم جهود بشار الاسد في محاربة الإرهاب.
وواقع الأمر أن السياسة الروسية ازاء المنطقة تتجه نحو مركزية تحالفها مع إيران وتعهدها عدم التراجع عن دعم إيران في طموحاتها الإقليمية الممتدة في المنطقة عبر العراق الى سورية ولبنان، واليمن. كما انها تدعم استمرارية بشار الأسد في السلطة.
وتقترن العلاقة المركزية الايرانية  الروسية، بغياب استراتيجية للصين ازاء الشرق الاوسط، فالصين كما يقر الكثير من المراقبين الصينيين انفسهم – ليست لديها استراتيجية وإنما لها سياسة في المنطقة. هذه السياسة تقوم على التقيد بسيادة الدول، وعلى عدم التدخل، وهي بالتالي تعمل على تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، وتحافظ في الوقت نفسه على علاقاتها مع إيران، وهي بالتالي ليس لديها سياسات محددة بوضوح، فهي تعتمد سياسات تتصل باحتياجات السوق، والمعروف أنها كانت تعزّز وتطوّر علاقاتها الاقتصادية مع إيران وعلاقاتها العسكرية مع إسرائيل.
وفي اطار هذا الواقع تخوض ايران لعبتها الخطرة في اعادة رسم الادوار اقليميا ودوليا،، وهذا ما يجعلها تساوم امريكا والغرب بشأن الانضمام للتحالف لمحاربة "داعش" مقابل تنازلات امريكية واوروبية في المفاوضات بشأن ملفها النووي، اما بعكس بذلك فهي تهدد بتشكيل تحالف مناوئ من روسيا وسوريا الأسدية، وتحاول ان تستميل بعض اطراف الحكومة العراقية في هذا التحالف المناوئ، وتروج الان لهذا التحالف اعلاميا، فهي تؤكد أن التحالف الامريكي والهجمات الجوية سوف يشعلان المنطقة، كما انها وصفت مؤتمر باريس، الذي لم تدعَ إليه، بالمسرحية الهزلية، معلنة عدم رغبتها في التحالف الامريكي ضد "داعش"، باعتباره تحالفا يتضمن اهدافا غير معلنة.
ايران تدرك تماما ان نجاح التحالف الامريكي في محاربة "داعش" لن يكتب له النجاح ما لم يتم تعليق الصراع الشيعي السني في العراق، خصوصا وفي المنطقة عموما، وهذا ما سعت له امريكا من خلال اصرارها على تشكيل حكومة شراكة حقيقية في العراق، تضطلع فيها القوى السياسية السنية كما الكردية بادوار تتناسب وحجمها، وان تحد من سياسة الاقصاء التي تعتمدها بعض القوى السياسية الشيعية. ولكن يظل ذلك كله مرهونا بايران التي لا تزال متحكمة بالعديد من القوى السياسية الشيعية التي تتحرك وفق الاجندة الايرانية.
ولعل هذا ما يضفي خطورة على اللعبة التي تمارسها ايران، التي من شأن الاستمرار فيها ان يشعل العراق ويدفعه للتفكك ومن ورائه المنطقة بأسرها ودفعها في اتون الصراع المذهبي والحرب المجتمعية الاهلية.
٭ كاتب وصحافي عراقي