الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المحور الثلاثي وخطة ترامب

المحور الثلاثي وخطة ترامب

05.12.2017
عبد الناصر عيسى


القدس العربي
الاثنين 4/12/2017
يشكل تعزيز العلاقات والتعاون المتزايد بين روسيا وتركيا وإيران هاجسا يؤرق أطراف خطة ترامب جميعا بدءا من أمريكا ومرورا بالسعودية وانتهاء بإسرائيل والتي قد تعتبر أكثر الأطراف تضررا من تصاعد هذا المحور وذلك بسبب ما يعنيه من مس كبير بالهدف المركزي لإسرائيل خاصة ولأطراف خطة ترامب عامة ألا وهو مواجهة الخطر والنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص.
لقد تزايد القلق الواضح من هذا المحور على خلفية الاجتماعات المستمرة بين الأطراف الثلاثة، وخاصة اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث في أنطاليا بتركيا 19112017 ثم اجتماع آخر لرؤساء هيئة أركان هذه الدول، ومن ثم اجتماع قمة جمع رؤساء الدول الثلاث بوتين وأردوغان وروحاني في سوتشي في روسيا يوم 22112017.
لقد أعرب الإسرائيليون عن قلقهم من خلال تصريحات لمصادر أمنية رفيعة المستوى لصحيفة يديعوت احرنوت 20112017 "لا شك أن هذا المحور سيضر بالمصالح الإسرائيلية في الساحة السورية عشية التوصل لاتفاق الوضع الدائم في سوريا، وذلك من خلال مواجهة التحركات السعودية والأمريكية والإسرائيلية ضد إيران وحزب الله على حد قول تلك المصادر. وكان رئيس هيئة الأركان غادي ايزنكوت قد أشار إلى هذا القلق في مقابلته الشهيرة مع صحيفة "إيلاف" السعودية 16112017.
من الواضح أن حجر الزاوية في هذا المحور هم الروس بالدرجة الأولى والأتراك في شمال سوريا على وجه الخصوص والإيرانيين في جنوبها تحديدا لهذا يقوم الإسرائيليون بالتركيز على العامل الروسي كعقبة في طريقهم. وهذا ما أشار إليه وزير الدفاع ليبرمان في مقابلته مع القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي 21-11، معتبرا أن مصالح روسيا مناقضة لمصالح إسرائيل في سوريا بل وذهب أكثر من ذلك حينما اعتبر التواجد المكثف للروس في سوريا تهديداً استراتيجياً لأمن إسرائيل، مما جعله يطالب بزيادة ميزانية الجيش بـ 4.8 مليار شيكل.
من جهة أخرى يتعامل الإسرائيليون مع الروس على أنهم العامل الأكثر قدرة على التأثير بصورة كبيرة على الهدف المركزي والمشترك لكل أطراف خطة الرئيس الأمريكي ترامب، وتحديداً السعودية وإسرائيل وهو مواجهة الخطر الإيراني وذلك من خلال ضمان التزام إيران بكل ما يتم الاتفاق عليه مع الأمريكان في المرحلة المقبلة.
يجمع المراقبون والمحللون على أن هذه الدول الثلاث، أو ما أصبح يسميه البعض بالمحور الثلاثي، قد نجح فعلا وبدرجة واضحة في تشويش وتعطيل بعض أهم الخطط الفرعية – إن صح التعبير- لخطة ترامب النهائية والهادفة لترتيب المنطقة على أساس محاربة النفوذ الإيراني المتزايد. ولقد ظهر ذلك في ثلاث قضايا أساسية ورابعة ليست بعيدة عن هذا السياق وهي كالتالي:
1- تبنت السياسة الأمريكية في المنطقة أو بشكل أدق خطة ترامب الموقف الإسرائيلي إلى درجة كبيرة حين طرح الأمريكان في مباحثاتهم مع الروس حول الوضع في سوريا ضرورة إبعاد القوات الإيرانية والميليشيات المؤيدة لها عن الحدود في الجولان السوري المحتل مسافة ما بين 50-70كم، إلا أن الروس وافقوا وبصعوبة وبتفاهمات سرية ملحقة بما أصبح يسمى بالاتفاق الأمريكي الروسي الأردني في 8112017، على مسافة ما بين 5-20 كم فقط، وهو الأمر الذي أثار خيبة أمل واسعة في إسرائيل حيث أعطى هذا الاتفاق نوعا من الشرعية الدولية للنفوذ الإيراني في سوريا دون أن يحدد جدولاً زمنياً لخروج القوات الأجنبية منها وهو عكس هدف كل أطراف خطة ترامب.
2- إن هذا المحور، وتحديدا الروس، استطاعوا منع إسرائيل من حرية النشاط العسكري في أجواء سوريا من خلال ما اعتبره البعض في إسرائيل إنجازا لها فيما يرى فيه الكثير من المراقبين والمسؤولين في إسرائيل تقييداً وتعقيداً لنشاطها في سوريا، وهو الاتفاق على (آلية منع الاحتكاك) مما يسمح للإسرائيليين بالعمل ضد أهداف معينة في سوريا تتعلق بالدرجة الأولى بالتعاظم العسكري لحزب الله مع وضع شروط وقيود لذلك. ومن المرجح أن تزداد هذه القيود، وبالتالي تتلاشى إمكانيات توجيه ضربات عسكرية إسرائيلية لأهداف في سوريا بالتدريج وذلك مع استمرار التوجه الحالي باستقرار الوضع في سوريا لصالح نظام بشار الأسد والحفاظ على المصالح الإيرانية في سوريا.
3- يمكن القول إن الأثر الأكبر وضوحا للمحور الثلاثي على تشويش وتعطيل خطة ترامب هو النجاح الكبير والمتواصل له في وقف استمرار حالة النزف أو الاستنزاف في سوريا، والتي يراها الكثير من المحللين كمصلحة رئيسية مرحلية لأطراف خطة ترامب وذلك من خلال مناطق خفض التصعيد والتي كان آخرها ما أعلنته وزارة الخارجية الروسية 19112017 وبعد انتهاء لقاء وزراء خارجية الدول الثلاث روسيا وتركيا وإيران من أن الاجتماعات ناقشت شروط خفض التوتر والعنف في "المنطقة الخامسة " في سوريا والتي تشمل ادلب وعرفان بالقرب من الحـدود مـع تركـيا.
من المناسب الإشارة إلى نجاح آخر قد يحسب أيضا لصالح هذا المحور خاصة "الإيراني التركي" وهو تعطيل محاولة انفصال كردستان العراق، والتي سعى إليها ودعمها الإسرائيليون بتقديرهم أنها تخدم مصالحهم في مواجهة النفوذ الإيراني والتـركي بشـكل خـاص ونفـوذ المحـور بشـكل عام.
وأخيرا من المعقول القول إن اجتماع المصالح المتزايد بين الروس والأتراك والإيرانيين وفي العديد – وليس في كل – من الملفات الهامة وخاصة الملف السوري سيشكل عقبة رئيسية وقد تكون حاسمة في وجه بعض أهم أهداف خطة ترامب في سعيها لترتيب المنطقة من خلال إعادة سيطرة حلفاء أمريكا الرئيسيين عليها وبشكل خاص إسرائيل والسعودية.