الرئيسة \  واحة اللقاء  \  داريا: الدرس الإسرائيلي والفائدة الدفينة

داريا: الدرس الإسرائيلي والفائدة الدفينة

28.09.2016
نزار السهلي


القدس العربي
الثلاثاء 27/9/2016
تتمزق كل لحظة على مدار الاعوام الخمسة من عمر المذبحة السورية كل الشعارات، وتتكشف كل يوم المعاني الفاشية لأساليب التدمير والقتل والتهجير والاعتقال والتغيير الديمغرافي، الذي يطال الجغرافيا السورية تدميرا وترحيلاً.
فقد سبق "الاتفاق الأخير" بين النظام السوري مع ما تبقى من المقاومة المسلحة في داريا لإخراج ما تبقى من سكانها ومن المدافعين عنها، سلسلة من العمليات المشابهة للحصار والتدمير والتهجير في القصير والزبداني وارياف دمشق وحمص وحلب وادلب، فضلا عن التطهير العرقي الذي طال قرى في مدينتي اللاذقية وحمص، مع بقاء الحصار المشدد على عدة مناطق في ريف العاصمة دمشق.
قبل أن نمضي في سرد ردود الفعل التي بات يدركها كل مراقب حر في هذا العالم، يستحسن أن نحاول كشف النقاب عما يمكن أن يكون قد دخل من مصطلحات شخصتها تصورات الكارثة السورية وأدت لقبول تلك المفاهيم مع ما سبقها للفلسطينيين في النكبة الاولى عام 48 ومن ثم النكسة، ولو أن هناك من يخالف هذه التصورات وأهوالها الفادحة على مختلف الميادين المتصدعة، ويبدو التحليل والتعليل والنقاش هزيلا امام سلسلة الجرائم التي فرضها النظام السوري وحلفائه على واقع المجتمع والجغرافيا السورية، التي فتحت معها تحولات الجريمة المنظمة شهية المحتل الاسرائيلي في مقلب "الاخلاقيات" لإعادة الحسابات في معطيات مهامه المنجزة او التي هي قيد الانجاز. الخوض في تقييم ما حصل في داريا كنموذج يدعو الروس لتعميمه في كل منطقة ثائرة كاف لأن يدعو المرء إلى القيام بمحاولة إعادة النظر في عدة افتراضات كانت قائمة بداية الثورة السورية، وبالطبع تلك افتراضات ظل معسكر النظام وحلفائه من الروس والايرانيين وبقايا "الوطنية العربية والفلسطينية" يجترها حتى اللحظة، شعارات باسمها دمرت البلاد ويتمت العباد وشردت الملايين وتلك كافية لنسف البديهيات السائدة في عقل الطغيان. ما يلفت الانتباه في درس داريا التدميري بامتياز، هو تجسيد اسس جديدة – قديمة لنظرية التطهير العرقي مع التغيير الديمغرافي الذي تدعو موسكو صراحة لتعميمه في معظم المناطق المستعصية على النظام، وإذا كانت هذه نظرية الاحتلال الاسرائيلي طيلة سبعة عقود، فإن ممارسات النظام ضد أبناء شعبه جاءت لتدعمها على احسن وجه ولتساعد الأسس النظرية للصهيونية لشن مزيد من الفاشية على الشعب الفلسطيني. مراقبة مراكز البحث الاسرائيلية لممارسات النظام السوري وردود الفعل الدولية على جرائم الحرب المستمرة للعام الخامس، تمنح اليد والعقل الاسرائيليين في المضي قدما بجرائم الحرب، فمخططات تهويد النقب واقتلاع السكان من ارضهم لها "مبرر" في المقلب السوري مع تنفيذ مخطط داريا ومثيلاتها في ارياف حمص وحلب واللاذقية ودمشق، وتشابه التبريرات الفاشية للإعدامات الميدانية ضد الفلسطينيين وتدمير منازلهم تُظهر أيضا تساهل المجتمع الدولي لاستمرار الجريمة.
تتجلى الفائدة الدفينة للإسرائيلي على أبهى صورها عندما ينفرد النظام السوري بكل جبهة من جبهات المواجهة مع شعبه ليجهز عليها بطريقة التدمير والحصار والتجويع وصولا لتهجير ما تبقى من السكان المدنيين في تلك الجبهات، ولا عجب اذن والحالة هذه أن نرى العديد من المواقف المؤيدة لجريمة النظام عندما يطور نظريات المحتل بحيث يستطيع الاستفراد بمجتمعه كما يرغب، وهو ما اوقع مدعي الخبرة بشؤون تركيبة النظام بحيرة مذهلة، وبالتالي تريث اسرائيلي مريح ينطلق من أن منطق جريمة النظام السوري هو منطقنا بالأساس، وبالتالي تعود فائدة سحق المجتمع السوري إلى دروس مستفادة وملموسة لدى المحتل لتغدو جرائم الحصار والاعتقال والتدمير والتهويد والاعدامات كافية لإحداث هذا الانحدار المدوي لردود الفعل على الجرائم الاسرائيلية، بينما حالة التدليل والدعم تنهال على النظام السوري وتؤدي إلى زيادة صلافته واتساع مدى استخفافه بالمجتمع الدولي الذي "يتوسل" النظام لإدخال شحنة مساعدات إلى مناطق يحاصرها، ويكفي لإجراء مقارنة بسيطة بين مقاومة المعتقلين داخل سجون الاحتلال وبين آلاف المعتقلين الذين تم ذبحهم في أقبية التعذيب في سجون النظام السوري، أو مقارنة إدارة الحصار في الضفة والقطاع مع سياسة التهجير والتدمير للمناطق المحاصرة في سوريا، ولا ينبغي التقليل من الفائدة الدفينة التي قدمها النظام السوري بممارساته للمحتل الإسرائيلي التي كانت كفيلة بإحداث شرخ عميق مع كل الأيديولوجيا والشعارات الساقطة في امتحان الثورة السورية.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل تعلم المحتل شيئا من دروس النظام السوري؟ وكيف يبدو شكل الاحتجاج على تدنيس المقدسات؟ كيف هي ردود الفعل على تفجير مساكن الفلسطينيين وقد تم تدمير معظم مدن وارياف سوريا؟ ولما الانتهاكات المتكررة بحق الارض وتسريع سياسات التهجير والتهويد، ولماذا تكون حملات التضامن مع الاسرى في معتقلات الاحتلال ضعيفة، ومن اين يستمد المحتل جرأته بتنفيذ الاعدامات المباشرة واحتجاز جثامين الشهداء والإيعاز للمستوطنين بحرق الفلسطينيين وهو يشاهد آلاف الجثث تُعدم وتدفن بدم بارد من دون علم ذويها.
تثبت التجربة أن إسرائيل لا تنسى عادة الدروس التي تُلقن لها فكيف إذا ما احسن التلقين درس التهجير والتدمير واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا وإعدام الآلاف تحت التعذيب، وتدمير الكنائس والمساجد والحصار والموت جوعاً والاستعانة بلوبيات قومجية وبأخرى عابرة للحدود تساعده على تنفيذ الجريمة، ليبقى السؤال ماذا تركت جرائم النظام السوري للمحتل؟ ترك النظام السوري بآثار الجرائم المتواصلة أهم منجز مكتسب للإسرائيلي هو المضي قدما بإنجاز جرائمه مستترا خلف فاشية بعثتها من جديد ممارساته، غير انه من الخطأ الاعتقاد بأن جريمة المحتل والطاغية مهما كانت نهايتها ستمر من دون أن تفعل فعلتها وهي تمس العديد من " المقدسات "وتلك كافية لإزالة الغشاء عن اعين السوريين والفلسطينيين، استنادا إلى الايمان بعدم قدرة الطغيان والاحتلال الهروب إلى الابد من الهزيمة.
كاتب فلسطيني